المفارقة أن الهروب رغم كل ما ينطوي عليه من آلام واحتمالات الموت وفقد بعض أفراد العائلة؛ خيار ليس بيد الجميع وربما بات ترفاً لا تملكه إلا القلة، ولولا تكاليفه المادية التي لا تقدر عليها الغالبية لرأيت أوطاناً بكاملها تحمل على ظهورها بقج ملابسها وتهيم على وجهها، ما دامت هائمة في أوطانها بلا جدوى
بانقلاب السودان، تقفل الثورات المضادة دائرة إسقاط ثورات الربيع العربي، عبر إعادة الزمن إلى مرحلة ما قبل 2011، وتمت إعادة النخب الساقطة إلى مكانها، لكنها بذلك ضمنت بقاء البلاد العربية، التي ثارت أو لم تثر، على خط عدم الاستقرار، وأبقت أسباب الثورة قائمة
تضع العلاقة مع الأسد الأنظمة العربية على محك المخاطر، ليس فقط لأن تجارة المخدرات قد تماسست تحت سلطة الأسد، ولا لأن العقلية الانتقامية هي المسيطرة، بل لأن هذا النظام أصبح مندمجا ضمن شبكة ترى أن انتصارها وسيادتها الإقليمية لن تقوم إلا بتدمير مجتمعات تلك الدول وخلق حالة من الفوضى فيها
التوصيف الأصح، أننا ما نزال في إطار النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، والذي قام على أساس سيطرة القوّة الأمريكية على العالم وتأثيرها في تفاعلاته ومخرجاته بدرجة كبيرة. والجديد في هذا النظام، تركيز أمريكا قوتها في مناطق محدّدة من العالم.
سال حبر كثير عن بهجة سُنة أهل المشرق بانتصار حركة طالبان في أفغانستان وطردها للمحتل الأمريكي وحلفائه.. بعض هذا الكلام كان غرضياً، الهدف منه وسم هؤلاء بالتطرف، ما داموا يؤيدون حركة توصف بالأدبيات السياسية العالمية على أنها حركة قروسطية تضطهد النساء وتعادي الأقليات..
أكثر زعماء العالم، بمن فيهم أولئك الذين يغضون النظر عن سياساته بل ويدعون إلى عودته للنظام العربي، يأنفون حتى مجرد لفظ اسمه، فما بالك بالاجتماع معه في قاعة واحدة؟
لعبة الجيش يبدو أنها راقت لأنظمة الثورات المضادة، وقد كان واضحاً أن الرئيس التونسي قيس سعيّد أدرك هذه اللعبة، وخاصة وأن الإسلاميين أحد أضلاع الحكم في تونس. وليستطيع العبور بتونس إلى دولة الحاكم الفرد المستبد، تلطى بالجيش وأعلن أنه يحظى بتأييده لإجراء التغييرات المطلوبة في المشهد السياسي التونسي
على مبدأ مضطراً أخاك لا بطل، يعود الأسد اليوم إلى العزف على وتر العروبة. إذ ليس خافياً أن الأسد يغزل على أموال الخليج للخروج من ورطته، ولإعمار ما دمرته آلته وحلفائه الروس والإيرانيين العسكرية
يصبح حتى الكذب والتزوير إنجازاً، لكن حسناً، المؤكد أن العالم الخارجي لا يصدق هذه الأكاذيب، قد يمررها، لكن مقابل ذلك يجعل جميع قيم هذه البلدان منخفضة في تقييمه، بما فيها ثرواتها وكفاءاتها وحقوقها. فالاستبداد لا يجلب الاستعمار وحسب، ولكن أيضاً تدني القيمة لأبعد الحدود
أمريكا راحلة من الشرق الأوسط، وروسيا قادمة، لكن بشروط ومحدّدات أمريكية، حتى في سوريا لن تستطيع روسيا "أخذ راحتها"، إذ يبدو أن القرار الأمريكي بمحاصرة نظام بشار الأسد، نهائي لا رجعة عنه، حتى لو كانت أساطيل أمريكا تقبع في المحيط الهادي على بعد آلاف الأميال من الشرق الأوسط
ترفض روسيا تقديم أي تنازل حتى لا يؤثر ذلك على سلطة وصلاحيات الأسد، وحتى لا تنعكس هذه التنازلات على سيطرتها واحتلالها للأراضي السورية وهيمنتها على موارد سوريا في البر والبحر
هذه المرحلة تشكل فرصة مهمة لمتابعة مشهد، يكاد يتكرر كل عقد من الزمان، ولدى حصول تغيرات في سلوك وتوجهات المراكز الغربية، وتحديداً الأمريكية، ومعرفة كم هي نخب الشرق الأوسط مثيرة للشفقة والازدراء
ما صنعه نظام الأسد وحسن نصر الله في سوريا ولبنان كان كافياً ليتعظ الآخرون ويضعون ألف خط أحمر تحت مقاربات التقارب معهم، ليس في سبيل الانتصار لهؤلاء، بل للحفاظ على أمن مجتمعاتهم، فلماذا يقدمون لهم أطواق النجاة هكذا مجانا؟