ليس لديك ارتباط بالإخوان ولا تنتسب لهم من قريب أو من بعيد، ولست ناشطا في صفوفهم، بل لعلك لا تعرف عنهم وعن أفكارهم سوى النزر البسيط والقليل. ومع ذلك فقد تجد نفسك بين ليلة وضحاها إخوانيا من دون أن تشعر أو تدري، أو يكون لك الحق في الاعتراض أو في الرفض.
إن واحدة من نقاط قوة الإسرائيليين هي في الاستثمار الإعلامي والنفسي الجيد لبعض الوقائع والأحداث المهمة، وغير المهمة، والحقيقية والمختلقة، وتضخيمها بشكل يخدم فقط خططهم وأهدافهم، ويحول الأنظار ولو جزئيا عن جرائمهم.
للصبر حدود. ولحلمها وصبرها على تعدياتها وخروقاتها وتدخلاتها المشينة في شؤونها الداخلية أيضا خطوط وحدود لا بد أن تضبط يوما بدقة وصرامة وعلى المكشوف، مهما بدا ذلك الآن صعبا أو شبه مستحيل.
في إحدى الفلل الفخمة على أطراف العاصمة تونس، صنعوا المقر المفترض لسفارة إسرائيل فيها. واجترحوا الصعب والمستحيل ليقنعوا كل من تابع فصول الأحداث التي جرت فيه، بأن كل من استدرج لذلك المبنى السري كان في حكم المفقود
لكن هل يمكن أن يكون ذلك المشهد بالذات بالنسبة لهم منطلق حراك جديد، وأن يقدم المغاربيون قبل المشارقة المشغولين بحروب دونكيشوتية مع إيران، على توجيه أصبع الاتهام للأمريكان معلنين شكلا من أشكال المقاطعة لهم؟
ربما كان بحث التونسيين عن لحظة إجماع وطني افتقدوها عند اغتيال الناشطين شكري بلعيد ومحمد البراهمي هو ما جعلهم يلقون بكامل المسؤولية على إسرائيل وحدها، بدون أن يطالبوا في الوقت نفسه بالكشف عن التونسيين الذين سهلوا لها تلك الجريمة.
لا روابط النسب ولا وشائج القربى والتاريخ، ولا قواسم الجغرافيا والدين، ولا كل الشعارات الأخوية التي كانا وما زالا يرفعانها عاليا، حالت أو تحول دون استمرارهما في لعب أخطر مباراة «بينغ بونغ»، يتبادلان فيها منذ سنوات طويلة كما هائلا من الاتهامات والملاسنات والاحتجاجات النارية.
ليس جديدا أن ترتفع أصوات معروفة بولائها للإمارات لتقول الآن بالذات والبلاد تستعد لانتخابات بلدية هي الأولى بعد هروب الرئيس المخلوع بن علي أن لا معنى ولا مستقبل لالتقاء الأضداد الذي حصل بعد آخر انتخابات رئاسية وبرلمانية بين النظام القديم وبين الإسلاميين.
مهما بدا التناقض والتنافر بينهما شديدا وواسعا، فالواضح أيضا أن هناك الآن مساحة محدودة تجمع تونس بالسعودية، وهي بحث الاثنين عن خلطة جديدة بين الدين والحداثة. صحيح أن كلا الدولتين لا تعتمدان هنا لا المقاديرنفسها ولا الجرعات المطلوبة نفسها، ولكن أليست العبرة في الأخير بالمنتج النهائي.
هي استثناء عربي، ما في ذلك شك ولا اختلاف، لكن هل أن تفردها السياسي سيكون البشارة التي تسبق ولادة مسخ اجتماعي يقطعها عن أصلها وجذورها ويجعلها منزوعة الروح والقيم والدين؟ صحيح أن تونس سحرت ألباب الثوار وأبهرتهم، لكنها صدمتهم أيضا حين فرشت سجاد الديمقراطية أمام حرسها القديم ليعود ظافرا إلى مواقعه.
من غير المعتاد كذلك في مثل تلك الحالات أن يقبل الطرف الآخر بغلق الملف واستئناف العلاقات بشكل عادي من دون أن يحصل على تطمينات أو التزامات محددة من الجانب الآخر. فكيف نجحت الإمارات اذن في تطويق أزمة صنعتها بمحض إرادتها وبالشكل الذي خططت له، وفي الوقت الذي ارتضته مناسبا لها؟
السؤال الأهم الذي بقي بعدها هو ما الرسالة التي أراد الإماراتيون إيصالها لتونس في هذا الوقت بالذات من خلال المس بواحدة من أعمدة نظامها الحديث، أو لنقل بما كان يعد ذخيرتها الاستراتيجية في مواجهة الإسلاميين؟ وهل كانوا يدركون حقا أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم.
الوزير لا يدري. نعم هو لا يعرف، مثلما قال الجمعة الماضية في جلسة استماع بلجنة في البرلمان، إن حصل تنسيق أم لا بين سلطات بلاده وحركة حماس بخصوص تحقيق الأخيرة في اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري، في ديسمبر الماضي، الذي اعلن عن نتائجه في اليوم السابق للجلسة.
من المهم أن نفهم سبب اختلاف مواقف بعض أمازيغ الشمال الإفريقي بشأن ما جرى في العراق، مع مواقف العرب المبدئية الرافضة لأي تقسيم أو مس بوحدة التراب العراقي.
لاحظوا جيدا أن ما جرى أواخر الأربعينيات في دير ياسين هو ما تكرر بالحرف في التسعينيات في سيربرينتشا، وأيضا في كشمير ومور وبالفلبين، ويتكرر الآن في إقليم أركان بالوحشية والحقد ذاتهما وبالقدر من التصميم نفسه على محو كل اثر للوجود الإنساني.