قضايا وآراء

هل لمصر تحالفات استراتيجية حقا في السياسة الخارجية؟

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
يتحدث المسؤولون المصريون دائما عن أن مصر دخلت في تحالفات استراتيجية حتى بلغت هذه التحالفات عددا كبيرا يستحق المناقشة المتخصصة، وهي مناقشة مهمة تشي بأننا نفترض أن هؤلاء المسؤولين لا يتحدثون إلى أموات ومقابر أو قطعان من الماشية، وبأنهم يفهمون معنى التحالف الاستراتيجى بالمفهوم العلمي، وبأنهم أخيرا يعنون ما يقولون.

وقد أعلن أن مصر في تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة ومع العراق ومع روسيا وربما مع فرنسا والسعودية ودول التحالف السعودي ضد اليمن وهي في تحالف استراتيجي ضد الإرهاب الإسلامي الذي تلتقي فيه مع روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة والحكومة السورية.

التحالف الاستراتيجي يعني أن هناك رؤية بعيدة المدى تعتمد على عناصر محددة لتحقيق أهداف معينة. والتحالف الاستراتيجي يكون عادة إما للدول الصغيرة فيما بينها لتحقيق هدف معين ضروري بالنسبة للدولتين، وإما أن يكون من جانب دولة عظمى ينتظم في رؤيتها عدد من الدول.

فالاستراتيجية الأمريكية مثلا تتكون من رؤى متعددة عالمية وإقليمية وبذلك تكون التحالفات لازمة لتحقيق هذه الرؤى. فإذا كانت الاستراتيجية الأمريكية في لحظة من اللحظات تبدو للمراقب أنها متناقضة فقد يكون ذلك من ناحية الشكل وليس المضمون، ومثال ذلك الموقف الأمريكي من تركيا والأكراد.

أما الاستراتيجية الروسية، فهي على النقيض تماما من الاستراتيجية الأمريكية تقريبا أي هناك بعض المسائل التي لا تشملها عوامل التناقض بين القوتين العظميين وهي على سبيل التحديد إسرائيل وتركيا. ومن الطبيعي أن يكون هناك استراتيجية إسرائيلية بعيدة المدى مرتبطة بالمشروع الصهيوني وكان ذلك واضحا عند آباء المشروع ثم عند أجياله المتعاقبة وإن غمض ذلك على الضحايا أو المراقبين. والاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية تتناسقان ولا تتطابقان إلا في الأهداف الكلية، ولذلك فإن إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة في تحقيق استراتيجيتها بالكامل.

ومن هذا المنظور يستحيل تفسير الاحتضان الأمريكي لإسرائيل إلا في ضوء نظرة أوروبا والغرب إلى إسرائيل كوكيل حصري لها في المنطقة العربية.

وخلال الحرب الباردة كانت إسرائيل جزءا من الاستراتيجية الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي، وكانت توهم واشنطن بأنها تقوم بدور حيوي في سد الخطر الشيوعي عن الشرق الأوسط منطقة النفوذ التقليدية للولايات المتحدة.

وعندما حدث الصراع العربي الإسرائيلي تناقضت المصالح السوفيتية مع الإسرائيلية، مما يظهر أن الاستراتيجية الإسرائيلية أوسع نطاقا من الاستراتيجية الأمريكية وأنها تستخدم هذه الاستراتيجية الأمريكية وإمكانياتها لصالحها.

وقد دفعت هذه الحقيقة بعض المفكرين إلى الاعتقاد بالارتباط العضوي بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإذا انحسرت القوة الأمريكية انحسرت معها القوة الإسرائيلية، وإن كان البعض يرى أن الأنانية الإسرائيلية تدفعها إلى تعويض النقص في القوة الأمريكية بالتحالف مع القوى البازغة في النظام الدولي ويستدلون على ذلك بالعلاقات الجديدة بين إسرائيل والصين.

والعلاقات الاستراتيجية لا تقوم إلا بين دول مستقلة استقلالا حقيقيا، وأما العلاقات التي تقوم بين دولة عظمى ودول صغيرة فإنها ليست علاقات استراتيجية إلا إذا كانت الدولة الصغيرة قد ربطت مصيرها بشكل مطلق بالدولة العظمى، وهو واضح في علاقات واشنطن بعدد قليل من الدول العربية، وإن كانت بعض النظم العربية تحل محل الدول في علاقاتها بواشنطن فتظل هذه النظم مادامت علاقتها بواشنطن مفيدة للاستراتيجية الأمريكية.

ولا يخفي المسؤولون في مصر أنهم يعتزون بأن مصر جزء من الاستراتيجية الأمريكية فكيف تكون العلاقات الاستراتيجية بين الكل والجزء؟

يترتب على ماتقدم أن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، والتي تجعل إسرائيل محورها لا تعترف بأي مصالح لأي دولة عربية تتناقض مع الاستراتيجية الإسرائيلية التي تقوم اساسا على التفوق العسكري والتكنولوجي واختراق النظم العربية والنخر في العظام السياسية للشعوب والقضاء على العروبة والإسلام كهوية للمنطقة وتمزيق المنطقة العربية والقضاء على مصر قضاءً مبرما بالجوع والعطش والاذلال والتبعية، وهذا هو لب الاستراتيجية الإسرائيلية التي بدأت في التطبيق منذ هزيمة مصر عام 1967 لأن هذه الهزيمة كانت ضرورية لدول المنطقة المعادية لمصر والدائرة في فلك الولايات المتحدة، وهناك وثائق كثيرة ظهرت تثبت التواطؤ بين بعض الدول العربية والولايات المتحدة حين كان عبد الناصر يمثل الخطر عليهم وحدث ذلك أيضاً مع صدام حسين ويحدث مع سوريا واليمن.

ومن الطبيعى أن تحدث بعض المشكلات الخفيفة بين الدول الصغيرة وبين الدولة القائد صاحبة الاستراتيجية العالمية. وقد ظهر ذات يوم منذ عقدين من الزمان أن واشنطن تسعى دائما إلى إحكام قبضتها على مصر خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ولذلك فإن استقلال مصر يهدد الاستراتيجية الأمريكية، وهذا هو أحد أهم الأسباب التي دفعت واشنطن إلى القضاء على ثورة 25 يناير متوهمة أن الشعب المصري قد استسلم لقدره، رغم بعض الترهات التي يرددها الإعلام المصرى البائس حول هذه الثورة النادرة في تاريخ مصر من الناحية الإستراتيجية لأن هذه الثورة لو نجحت لنقلت مصر إلى مرتبة تركيا ولاحتكت مصر حتما بإسرائيل، ولكن ضرب هذه الثورة كان طبيعيا، وكان طبيعيا أيضا أن تتحول مصر بكل قوتها نحو إسرائيل.

ولماذا لم يتحدث المسؤولون المصريون عن العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل ويكتفون بترديد أن القضية الفلسطينية هي جوهر الأمن القومي المصري والعربي، وهو صحيح من الناحية الموضوعية، لكن العلاقات بين مصر وإسرائيل في نظر الاستراتيجية الأمريكية هي الأساس في أي علاقات بين مصر والولايات المتحدة، ولايتردد المنظرون الأمريكيون في الإشارة إلي أن علاقات مصر مع واشنطون علاقات تابعة لعلاقة مصر بإسرائيل rapports derive.

فالعلاقات المصرية الأمريكية هي علاقات مشتقة وليست قائمة بذاتها، وهي مشتقة من العلاقات المصرية الإسرائيلية، وهذا ليس سرا، وأي محاولة لاستقلال مصر عن إسرائيل سوف تناقض ما هو مخطط، وهو المزيد من الوجود الأمريكي والإسرائيلى السياسي والعسكري في القرارات المصرية ويعتبر مكافحة الإرهاب هو الغطاء الأوسع للعلاقات الثلاثية مادامت واشنطن هى القائد الأعلى العالمى لمكافحة ما يسمى بالإرهاب وهي الصانعة له.

وإذا تفحصنا العلاقات بين مصر والدول الأخرى التي تقول مصر إن لها معها تحالف استراتيجي لوجدنا تناقضا كاملا وتضاربا في النتائج يسبقه ارتباك في الرؤية.

ولن نفصل في هذه النقطة، ولكنني أتحدى أى باحث أن يكتب سطرين فقط في تطور العلاقات المصرية مع أي من هذه الدول فذلك أمر يستعصي على الباحثين. وخلال عصر الرئيس مبارك كان موقفي دائما في مجال العلاقات الخارجية لمصر هو أن كل قرار في مجال السياسة الخارجية يجب أن نوضح ما هي المصلحة المصرية للمجتمع والدولة وليس للنظام في هذا القرار وبعد ذلك فإن تأييده ودعمه يصبح حتميا، أما إذا بنى النظام حساباته ومصالحه مع الدول الأخرى بما يضر المصالح الدائمة لمصر يحدث الانفصام بين النظام والدولة ولا يستطيع النظام أن يتحدث باسم الدولة مهما زعم من وجود مؤسسات وقوانين وهياكل مفرغة لدولة قائمة وهو نفس المعيار الذي أتبعه مع أي نظام بعد مبارك حتى الآن.

والراجح بالنسبة للباحثين أن مصر في هذه المرحلة تتخذ مواقف بناء على حسابات لا يفهمها المراقب ولا رقيب عليها ولا يفهمها إلا الدول الأخرى المستفيدة من هذه المواقف، وقد استحال علينا أي فهم لها في سياق المنطق العادى للأمور وغلب الظن على أن منطق الصفقات هو الذى يفسر هذه المواقف.

وليس عيبا أن يكون هناك منطق الصفقات بشرط أن تكون في إطار رؤية بعيدة المدى تستند إلى المصالح الأساسية لمصر ولكن بعض الملفات تجعل الحكم على هذه المواقف رهنا بنتائجه وهذه الملفات هي تيران وصنافير وسيناء والضبعة والسياحة والاقتصاد والإرهاب والحريات رغم أن المسؤولين يصرون على أن القرارات في صالح مصر، وأن الخير قادم في القرن القادم.  
0
التعليقات (0)

خبر عاجل