مقالات مختارة

موعظة عربية لفرنسا!

حسين لقرع
1300x600
1300x600

صدّقوا أو لا تصدّقوا..! البرلمانُ العربي التابع لجامعة العار العربية والذي يمثل الأنظمة الاستبدادية القمعية العربية أكثر مما يمثل شعوبها، يجتمع في القاهرة ويُصدِر بيانا ينتقد فيه لجوء الشرطة الفرنسية إلى “القمع غير المبرَّر” للمتظاهرين، و”اللجوء المفرط إلى القوة”، ويدعو فرنسا إلى “احترام حق مواطنيها في التظاهر وضمان حرية التعبير بفرنسا وكفالة حق الاحتجاج السلمي”، و”احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، وكرامة المواطنين وضمان سلامة المحتجين السلميين”!


لو صدر هذا البيانُ الناري من برلمان أيّ دولة ديمقراطية غربية لكان أمرا عاديا؛ فقد عوّدتنا هذه الدول على ديمقراطيتها وتوفيرها مناخا مثاليا لمواطنيها لممارسة حرياتهم الجماعية والفردية، ومنها الحق في التظاهر السلمي في أي وقت يشاؤون واحتجاجا على أيّ سياسة أو قرار حكومي، من دون أن يخشوا يوما أن تقابلهم شرطة بلدانهم بالهراوات والقمع، وحتى فرنسا لم تلجأ إلى القمع إلا بعد اندلاع أعمال تخريب واسعة للممتلكات العامة والخاصة. أما أن يصدر هذا البيان من برلمان يمثل الدول العربية المعروفة عالميا باستبدادها وقهرها لشعوبها، ومصادرة حريات مواطنيها الجماعية والفردية، فذلك هو العجب العجاب!


في مصر، قابلت قواتُ الأمن يوم 14 آب/أوت 2013 المتظاهرين سلميا بميدانيْ رابعة والنهضة بالرصاص الحي، وقتلت أزيد من 3 آلاف متظاهر أعزل بدم بارد في يوم واحد، وأحرقت جثث بعضهم وجرفتها بالجرافات. وتحرّك العالم كله وندّد بالمذبحة الوحشية، لكن البرلمان العربي الهُمام لزم صمت الأموات، ولم يرَ في هذه الجريمة ضد الإنسانية ما يستحق التنديد. كما اعتقِلَ عشراتُ الآلاف من المتظاهرين سلميا وتعرّض بعضُهم للتعذيب حتى الموت داخل السجون، ولم ير البرلمان العربي في ذلك أي انتهاك لحقوق الإنسان. وفي دول الخليج تُمنع المظاهراتُ تماما وتُعدّ من الكبائر السياسية التي تقود “مرتكبيها” إلى السجن سنوات طويلة، وبلا محاكمة في الكثير من الحالات، كما يعدّها فقهاءُ السلطان هناك كبيرة دينية و”خروجا على أولي الأمر”. وفي الجزائر تُمنع المظاهراتُ تماما في عاصمة البلاد منذ 14 حزيران/جوان 2001، وكل من حاول الخروج عن هذا الحظر غير الدستوري، يتعرّض لهراوات الشرطة ومطاردتِها وللاعتقال ولو ساعات معدودة، كما تغلق ولايةٌ كبرى بحجم قسنطينة ساحة عمومية بشاحنات القمامة لمنع مظاهرة سلمية لناشطين سياسيين، ومع ذلك لا يدعو البرلمان العربي هذه الدول إلى كفالة حق مواطنيها في التظاهر السلمي وضمان سلامتهم!


وضعُ حقوق الإنسان والحريات في الوطن العربي، باستثناء دول قليلة، يندى له الجبين، فهي من بين أسوأ دول العالم في سجلّ حقوق الإنسان وانتهاك حقوق مواطنيها وكرامتهم، مع التفاوت من بلد عربي إلى آخر. لذلك، فإن البرلمان العربي المدجّن هو آخرُ من يحقّ له الحديث عما يدور في فرنسا منذ خمسة أسابيع بين الأمن و”السترات الصفراء”، حتى لا يبدو كالفاجرة التي تقدّم موعظة عن الشرف والعفّة، والمزوِّر الذي يتبجّح بالنزاهة والشفافية، والسارق الفاسد الذي يروِّج لنظافة اليد!

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)