قضايا وآراء

أخاطبكم من خلف القضبان بمصر

وحيد المصري
1300x600
1300x600
#عن_السجن
#الطبيب_المخبر

السجن هو شيء ليس له وصف..

لا أقصد هنا ليس له وصف من حيث الشكل أو ما يحدث فيه فقط، ولكن ما أريده هنا هو تعقيده في كل شيء.. بدءاً من التعليمات واللوائح غريبة الشكل والمضمون، معقدة التنفيذ.. ومعاملة المساجين وكأن ليس لهم أي حق للحياة..

وأتعجب كثيرا من معاملة المساجين بعضهم لبعض، وحياتهم وتعاملهم مع اللاشيء، فيجعلون منه شيئا يكون هو من مقومات حياتهم.. فهم فعلا يعيشون في عالم آخر غير الذي تعيشون فيه!! فالسجن هو شيء مُعقد في كل شيء.. في ذاته وفي وضعه وما يحدث فيه.

من الأمور الغريبة في السجن، والمعقدة في نفس الوقت، "أطباء السجن" الذين أتعجب كل العجب من حالهم، ومن الطريقة التي يتعاملون بها مع المسجون الذي لا يملك من أمره شيئا، والذي كثيرا جدا ما يمرض بسبب الأعداد الكبيرة داخل الزنازين الضيقة مع سوء التهوية، وسوء التغذية أيضا..

فالسجن أصلا في وضعه هو مكان موبوء.. بين جدرانه جميع الأمراض التي تنتشر فيه بسهولة.. فمن الضروريات في هذا المكان "الطبيب" الذي لا غنى عنه ليلاً أو نهاراً..

أذكر أني عندما كنت في سجن وادي النطرون، كنت أخرج للعيادة (عيادة السجن) مع أحد آبائنا من كبار السن الأحرار، حيث كان يعاني من آلام شديدة في الظهر، وكان لا يستطيع الحركة ولا النوم على ظهره.. ألم وعذاب ليلاً ونهاراً.. رحمه الله..

نعم للأسف مااااات!!

مات في سجون السيسي الكثيرون، بسبب الإهمال الطبي والمعاملة غير الآدمية؛ ليس من مخبري السجن أو عسكر السيسي فقط، ولكن تعدى هذا كله إلى من يرتدون البالطو الأبيض.. الذي تكاد لا تستطيع أن تميز بينهم وبين مخبري السجن إلا من الشنب الكبير الذي هو سمة أساسية في وجه المخبرين..

وفي بعض الأحيان يستعين الطبيب بهذا الشنب الكبير، ليستطيع أن يقوم بدوره كاملاً كطبيب ومخبر في آن واحد..

وفي أحيان كثيرة، يستعين بالشومة أو الكابل، ولا يمنعه ضميره من أن ينزل هذه الشومة على رأس أو ظهر المسجون المريض الذي لا يستطيع حتى الوقوع علي قدميه من المرض، ولا يملك من أمره أي شيئا!!

أمام عيني رأيت "الطبيب المخبر" يضرب مسجونا جنائيا بالشومة، وهذا الأخير كان يتلوى من الألم.. وللأسف لم نستطع أن نساعده بأي شيء!!!!

ومن الأمور الغريبة والمعقدة أيضا، أن يتم صرف نوع واحد من البرشام لكل الأمراض وكأن هذه البرشامة هي خلاصة التقدم الطبي، وفيها الشفاء من كل الأمراض والآلام!!!

وفي بعض الأحيان، يُصرف لمن يعاني من آلاما في رأسه دواء "فلاجيل"، وهو مطهر معوي لوجع البطن!! فما هي علاقة وجع الرأس بالبطن؟!! وكأنهم يتعاملون بمبدأ "عُك وربك يفك.. وكله بيوصل على بعضه"!!

ولا عجب في هذا، فنحن في بلد جهاز الكفتة!!

كل هذا جعلني أتساءل: ما هو سبب هذا التحول الذي جعل هذا الطبيب يقوم بدور المخبر في تعامله وغلظته، فلا تكاد في بعض الأحيان تفرق بينه وبين مخبري السجن؟!

هل قبل أن يتم اختياره وتعيينه في هذا المكان؛ يتلقى دورة "إعداد مخبر، وكيف تتخلي عن ضميرك وإنسانيتك في 10خطوات"، ومن يجتاز هذه الدورة بنجاح يكون سعيد حظه بهذه الوظيفة؟

وما هي الشروط التي على أساسها يتم اختيار هذا "الطبيب المخبر"؟ هل يشترط الفشل الدراسي وانعدام الكفاءة؟ أم يُشترط أن يؤمن هذا الطبيب بأنه يوجد جهاز للعلاج بالكفتة؟!!

بسبب هذا الطبيب المخبر وأمثاله من فاقدي الضمير والإنسانية، فقدنا الكثير من شرفاء الوطن الأحرار على فُرش الزنازين، وخرجت أرواحهم تشتكي لربها ظلم الظالمين من العسكر وأعوانهم، وتلعنهم إلى يوم القيامة.. ولا نجد -نحن المساجين- أي شيء نقدمه لهؤلاء الضحايا؛ غير الخبط على أبواب الزنازين والهتاف والدعاء!!

أن يتحول البالطو الأبيض والسماعة إلى شنب كبير وتكشيرة وشومة في اليد، وتتحول ملائكة الرحمة إلى شياطين العذاب والهلاك.. فيتحول الطبيب إلى مخبر.. هذه كلها أمور غريبة وعجيبة ومعقدة في هذا المكان (السجن) الذي فيه كل شيء بالمقلوب.

#الطبيب_المخبر
#من_جوه_السرداب
التعليقات (0)

خبر عاجل