ملفات وتقارير

هل بات تعويل الإسلاميين على العاطفة الدينية رهانا خاسرا؟

أرجع أحد المراقبين تراجع حركة النهضة إلى مشاركتها في الحكم، وعجزها عن تحقيق وعودها
أرجع أحد المراقبين تراجع حركة النهضة إلى مشاركتها في الحكم، وعجزها عن تحقيق وعودها

أرجعت كتابات وتحليلات سياسية أسباب خسارة حركة النهضة التونسية في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا في تونس إلى سوء تقديرها، حينما راهنت وعولت على العاطفة الدينية، التي تحسن هي وغيرها من حركات الإسلام السياسي الأخرى توظيفها لغايات التجييش والحشد الانتخابي، بحسب منتقديها. 


ويشار في هذا السياق إلى أن الحركات الإسلامية السياسية غالبا ما ينتقدها خصومها بأنها تستغل تدين الناس لصالح مشاريعها السياسية، وهو ما يرجح كفتها في كافة الانتخابات على القوى والأحزاب والشخصيات السياسية الأخرى التي لا تمتلك أدوات استثمار العاطفة الدينية لصالحها.


ووفقا للكاتب العراقي فاروق يوسف، فإنه "مع الهزيمة التي منيت بها حركة النهضة فشلت الشعبوية الدينية"، واصفا نتيجة الانتخابات بأنها "إنجاز يحسب للشعب التونسي من جهة دلالته على تطور الوعي والشعور بالمسؤولية لدى التونسيين، بعيدا عن العاطفة الدينية التي كانت النهضة تراهن عليها، كونها مفتاحا سحريا لن يتمكن الآخرون من الوصول إليه واستعماله".

 

وأضاف يوسف في مقاله المعنون بـ"هزيمة النهضة هي إنجازات الانتخابات التونسية": "كان هناك شعور بأن حركة النهضة تملك اللغة البدائية التي تمكنها من التسلل إلى القلوب قبل العقول، وفي ذلك ما يُخيف فعلا، فحين يكون المرء سجين مشاعره الدينية يخضع تلقائيا لإملاءات يشعر بالحاجة إلى تفسيرها وتفكيكها عقليا، وهو ما كانت حركة النهضة على يقين من قدرتها على استعماله في اللحظات الحرجة"، على حد قوله.  

 

من جهته، استبعد الكاتب والباحث التونسي في الشؤون السياسية، نور الدين الغيلوفي، ما يقال عن أن "حركة النهضة كانت تعول في عملها السياسي على إثارة العاطفة الدينية لدى الناس"، مضيفا: "بالعكس، لقد تربى الناس في تونس على فصل ما بين الدين والسياسة". 

 

وأضاف: "لم تقدم حركة النهضة نفسها يوما على أنها حركة إسلامية، على خلاف الإخوان المسلمين، لا سيما في زمن ما بعد الثورة، إذ عمدت إلى الفصل بين الدعوي والسياسي، وأعلنت قيادتها القطع مع مرحلة الإسلام السياسي، لتبدأ مرحلة ما يسمّيه زعيمها الإسلام الديمقراطي". 

 

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ولتفتح من ثم مؤسساتها السياسية على منتسبين من غير الطيف الإسلامي التقليدي، لكن خصوم النهضة هم الذين يصرون على أنها تخلط بين السياسة والدين، وتستغل الدين في جلب المتعاطفين، والتأثير عليهم". 

 

وردا على سؤال حول أسباب خسارة النهضة في الانتخابات الرئاسية، لفت الغيلوفي إلى أنه "لا صلة لها بفشلها في إثارة عاطفة الناس الدينية، وإنما خسرت موقعها المتقدم في الانتخابات بسبب ما فعلته بها السلطة التي أخذت من أطرافها، وحدّت من تعاطف الناس معها، لما يعرفونه من نضال أبنائها ومظلوميتهم، وربما لما يراهنون عليه من ارتفاع منسوب الأخلاق لديهم "نظافة اليد". 

 

وأردف: "لكن لمّا صارت جزءا من منظومة الحكم، ودخلت بالفعل إلى ورشة السلطة، والتحمت بها، وجدت العقبات أكثر من إرادة الإنجاز لديها، فالناس لا يعنيهم من الأحزاب غير ما يرونه من إنجازها، والأحزاب عجزت عن إنجاز شيء، تستوي في ذلك الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة". 

 

ولفت الغيلوفي إلى أن "حكومات ما بعد الثورة ليس لها إنجاز يُذكر، فالناس لا يعنيهم كثيرا تغير النظام السياسي، ولا أن تضع لهم دستورا توافقيا، بل الذي يعني الناس الأسعار، وهي تشتعل وترتفع". 

 

وفي السياق ذاته، أرجع الكاتب التونسي، الباحث في الفكر الإسلامي، رضا خالد، أسباب تراجع حركة النهضة "إلى مشاركتها في الحكم، وعجزها عن تحقيق وعودها، وإدراك الناس أنها استفادت دون أن تفيد البلاد والعباد، بل تكيفت مع لوبيات المال والفساد وفق مقايضة أساسها لا تؤذيني ولا أوذيك". 

 

أما بخصوص ما يقال عن تراجع العاطفة الدينية الشعبوية، فإن الأمر، طبقا لخالد، "كان مجرد انتقال من قوة إلى أخرى، فالممارسة السياسية للنهضة في الحكم مع شركاء علمانيين دفعها إلى تحييد خطابها، وتكييفه مع وضعها الجديد، وهو ما جعل قوى أخرى تستعمل خطاب التجييش بمسحة دينية وطنية، لتحتل موقعا على المسرح السياسي". 

 

وجوابا عن سؤال "عربي21" حول مدى تأثير تولي الأحزاب والحركات الإسلامية للسلطة على حضورها ونجاحها بعد عجزها عن إنجاز ما وعدت الجماهير به، قال خالد: "نعم، إن ذلك يؤدي إلى كشف عوراتها، ويظهر عجزها عن إدارة البلاد؛ لغياب الكفاءة والواقعية والنظرة الاستشرافية، وهو برأيي عامل حاسم في عزوف الطبقات الشعبية عنها". 

 

وأضاف: "كذلك فإن انخراط تلك الحركات الواعي والتام في المنظومة النيو ليبرالية، وانصياعها لأوامر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، حفاظا على مصالحها، وضعها في تعارض مع مصالح الطبقات الشعبية التي لم تعد تصدق خطابها الديني". 

 

بدوره، رأى الأكاديمي الأردني، القيادي السابق في جماعة الإخوان بالأردن، عبد الله فرج الله، أن "غالب شعوب المنطقة غادرت المحطات العاطفية بكل أشكالها، إلى الوقوف في المحطة المعيشية الواقعية ذات المتطلبات المادية المحددة، فمن اقترب من مفرداتها ومتطلباتها كان الأقرب لخيارها، مضيفا: "لذا فإنني لا أرى العاطفة الدينية هي العامل الأساسي في التصويت للإسلاميين". 

 

واستدرك فرج الله في حديثه لـ"عربي21" بالقول: "فعلى أهمية العاطفة الدينية، وعلو مكانتها في النفوس، إلا أن الرهان عليها صار محل نظر وتمحيص، في وقت صارت محل نزاع بين المتنافسين على المواقع والمناصب، إذ يحاول الكل تقريبا اللجوء إليها بطريقته الخاصة". 

 

وأشار فرج الله إلى أن تعاطف الناس مع الإسلاميين والتصويت لهم يرجع إلى جملة أسباب، لعل من أبرزها "كونهم أصحاب مظلومية ومعاناة حقيقية مع الأنظمة التي حكمت سابقا، فالمظلومية وفساد الأنظمة رفعا رصيد الإسلاميين عند الشعوب". 

 

وختم فرج الله حديثه بالتأكيد على أن "عامة الناس إذا ما حصلوا على حرياتهم، واستقرت أحوالهم، وغاب عنهم الاستبداد والفساد، فإنهم سينحازون لمن يحمل رؤى وبرامج تحافظ على حرياتهم، وتحترم حقوقهم، وتحقق نهضة بلادهم، وبالتالي ففي أجواء الحرية ينتقل التنافس من العواطف إلى العقول، ومن الخطابات إلى البرامج". 

التعليقات (2)
قاتل فرعون
الثلاثاء، 24-09-2019 07:00 ص
كمتابع: لو كان لحركة النهضة خطاب فيه الشعبوية أي كان نوعها لما إنهزمت. تلك هي مشكلتها إذا تقوقعت حول الخطاب النخبوي وفقد ت التواصل مع الناس. فهي لا تقوم بأي عمل دعوي أو نشاط إجتماعي إغاثي أو ماشابهه.
عفاف
الثلاثاء، 24-09-2019 05:47 ص
فقط في تونس حيث الشعب الواعي والمتحضر لكن تجار الدين في بقية الدول العربية لا زالوا يراهنون على عواطف شعوبهم الدينية التي لا تعي شيئا واكبر مثال مصر