قضايا وآراء

ويبقى سؤال الأَسئلة معلَّقا بنياط القلب وحبال الحلق

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

إن وجود الكيان الصهيوني العنصري "إسرائيل"، وممارساتها العدوانية المستمرة منذ قرن من الزَّمان، وإرهابها واستثمارها في الإرهاب، واغتصابها المستمر لأرض فلسطين والجولان، واستيطانها المتوحش، وإعلانها مؤخراً عن توجهها لضم 30% من أراض الضفة الغربية التي تشكل 22% مما تبقى من مساحة فلسطين المحتلة، واستهتارها بالشرعية الدولية.. كل ذلك الذي جعلها بلا رادع ووضعها فوق القانون الدولي والقانون الإنساني ومحكمة الجنايات الدولية ومحكمة لاهاي، مهما ارتكبت من جرائم الحرب والإبادة المنظمة.. كل ذلك ناتج عن تبني الولايات المتحدة الأمريكية المطلق لها ولمشروعها الاستعماري واحتلالها ونفوذها في المنطقة، وعن قيام إدارات الشر الأمريكي المتتالية بدعمها اللامحدود، وإكراه دول عربية وحاكمين متحكمين من العرب يلتزمون الصمت حيال سياسات تلك الدولة المسخ "إسرائيل" وممارساتها وما ترتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني.

موقف دولي منحاز لإسرائيل


لكن دعم دولة الشر الأمريكية لكيان الإرهاب هذا الموجه للأمة العربية، ليس هو الدعم الوحيد، فهناك الدعم الأوروبي المستمر منذ سايكس ـ بيكو ووعد بلفور وعصبة الأمم، فالأوروبيون هم الذين زرعوا الداء الصهيوني في الجسم العربي، وهم يقفون إلى جانب الأمريكي الذي جردهم من القيادة، في كل ما يتعلق بقضية فلسطين وأمة العرب، وإذا ما استشعروا ضرورة ما للقيام بدور يوحي باستقلاليتهم فإن ذلك ينحصر في هوامش ضيقة جداً سماتها اللغو الكلامي والخبث السياسي.. وفي موضوع الضم الجديد المطروح منذ صفقة ترامب فإن ما يصرحون به من مواقف ويحذرون باتخاذه من إجراءات بحق "إسرائيل" يبدو باهتاً للغاية.
 
ويضاف إلى الدعم الأمريكي ـ الأوروبي الدَّعمُ الروسي "لإسرائيل" والسكوت على عدوانها واحتلالها وتوسعها، وهو نهج سياسي قديم مدروس ملفَّعٌ بغَمغَمة كلامية لإرضاء بعض العرب، ولا يصل إلى رفع إصبع بوجه المعتدي العنصري المحتل.. وهناك تنسيق محكم بين الطرفين الروسي والإسرائيلي في مجالات حيوية وأمنية وعسكرية، وقد ظهر هذا فاقعاً في السنوات الأخيرة حيث العدوان الصهيوني على سوريا يتكرر من دون رد فعل يذكر. 

وعلى الرغم من الدعم الروسي لكيان الإرهاب والعنصرية فإن الصهاينة يريدون أن تكون موسكو معهم مثلما واشنطن، ويقولون عن بوتين إن مواقفه منهم متضاربة، فهو: "من جهة يرى فينا حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة، ومن جهة أخرى دولة ناطقة بالروسية كما وصف بوتين إسرائيل في أشهر مضت.. فمليون ونصف المليون من الناطقين بالروسية في "إسرائيل" يعلي الصلة الثقافية بين موسكو وتل أبيب. وقد بدأ بوتين يدفع العائدات التقاعدية لقدامى الجيش الأحمر ممن يسكنون في "إسرائيل".. وفي القناة الأمنية ـ العسكرية يحرص رجاله على الإبقاء على علاقات عمل سليمة.."/ ألون بن دافيد، معاريف في 3/1/2020.

تبعية عربية محزنة
 
وتضاف إلى هذا الواقع الدولي المزري "سياسياً وأخلاقياً وقانونياً وإنسانياً"، تبعيةُ معظم الأنظمة العربية للقوى العُظمى، وارتباط مصير قادة بتلك القوى التي تملي عليهم أداءاً يصب في مصلحتها وفي مصلحة "إسرائيل" وحمايتها، وهو أداء فيه ازدواجية متفق عليها، فمن يوالي تلك القوى، "الدول"، له أن يقول في العلن ما لا يقوله في السر، وله هامش يلعب فيه أمام جمهوره والأمة العربية، لكن ينفذ ما يُملى عليه، ولا يستطيع إلَّا أن يفعل ذلك حتى إذا لم يرضَ عنه.. وهذه ازدواجية قتالة فتكت بالأمة طولاً وعرضاً، وقضت على الثقة المتبادلة بين الحكام، وعلى الثقة بين الحاكم وجمهوره وأمته.. وجعلت الدول العربية وقادتها لا يملكون حيال توجه العدو الصهيوني لضم 30% من الضفة الغربية بما في ذلك غور الأردن، عاجزة عن فعل شيء، وهناك من الحكام العرب من يبدي عدم اكتراث ملحوظ ويتعاون مع العدو الصهيوني علناً، وهناك مَن يحوقل ولا يقدر، وهناك منهم مَن في فمه ماء. 

 

يضاف إلى الدعم الأمريكي ـ الأوروبي الدَّعمُ الروسي "لإسرائيل" والسكوت على عدوانها واحتلالها وتوسعها، وهو نهج سياسي قديم مدروس ملفَّعٌ بغَمغَمة كلامية لإرضاء بعض العرب، ولا يصل إلى رفع إصبع بوجه المعتدي العنصري المحتل..

 



وفي هذا المناخ السياسي يستشري العدوان والطمع والاحتلال الصهيوني ـ الإنجيلي المتصهين، وترتفع أصوات منادية بتنفيذ ما يسمونه "فرصة الفرص" التي أتاحها لهم العنصري دونالد ترامب، وإنجاز ذلك قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة التي ربما لا يفوز فيها ترامب بدورة رئاسية ثانية. ومن أسوأ الأصوات التي ترتفع في هذا المجال أصوات: 

1 ـ ساسة وإرهابيون صهاينة يمينيون متطرفون، يغتصبون الأرض، ويقتلون الفلسطينيين ويبنون مدناً وبلدات على أرضهم بمساعدات بعض الدول والمؤسسات، ويحميهم جيش الاحتلال المجرد من الأخلاق، وتمولهم "دولة الإرهاب، إسرائيل"، ويفرضون ما يريدون لأن وجودهم وممارساتهم وإرادتهم أصلاً هي قرار سياسي وإرادة ساسة حاكمين، ونهج متفق عليه.

ولا يبتعد عن هذا الاعتقاد والنهج مَن يسمون أنفسهم ب ـ "الصهاينة العلمانيين"، حيث يرفض هؤلاء مبادرة ترامب لأنه يوجد فيها شميم اعتراف بدولة فلسطينية يرفضون وجودها، ويرددون رأي الصهيوني العنصري المعادي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته في وطنه التاريخي فلسطين، نتان ألترمان الذي ينقل عنه شاؤول أريئيلي قوله: "من اللحظة التي نعترف فيها بوجود وهم قومي فلسطيني، من تلك اللحظة تصبح كل الصهيونية سَرقة وطن من أيدي شعب قائم. وفي حالة أننا نساعد اليوم في تجذير هذا الوعي في العالم وفي وعينا الداخلي فإننا نهز الأساس التاريخي والإنساني للصهيونية ونضعها على حرابنا فقط"/ هآرتس في 26/6/2020.

2 ـ  حاخامات يهود يدمنون التخلف والجهل والافتراء، ويفيضون حقداً وكراهية للعروبة والإسلام.. لسان حالهم الحاخام موشه بن نحمان المفتري باسم "ربه؟!" الذي يحرض ساسة إرهابيين قتَلَة وجهلة وفاسدين مفسدين في الأرض، ومستوطنين إرهابيين مجرمين بقوله: "لأننا أُمرنا بوراثة هذه البلاد التي أعطاها الله لآبائنا ـ "كذا ؟!؟!" ـ ولن نتركها في أيديهم أو أيدي غيرهم من الأمم في أي جيل من الأجيال".

3 ـ متصهينون إنجيليون في الولايات المتحدة الأمريكية لتوراتية "إسرائيل رباني"؟!.. من أصحاب النفوذ والمال والاعتقاد التوراتي ـ التلمودي، يستخدمون نفوذهم لتحقيق المشروع الصهيوني القائم على الكذب والافتراء وعلى ما لا يقبله قانون ولا عقل ولا ضمير. ويعلن موقفهم ويرفع صوتهم "د. مايك أفنس" صاحب النفوذ الذي صرح لجريدة "يديعوت أحرونوت" بأن "قدرة الرئيس ترامب على الفوز في الانتخابات ستحسم في تصويتنا نحن الإفنجيليين.. تأييدنا حرج وهو لا يمكنه أن يفوز بدوننا. نحن مئة في المئة مع بسط السيادة. وتأييدنا لذلك لم يبدأ بترامب بل بكتابنا المقدس إذ نؤمن بأن الرب قرر بسط السيادة قبل آلاف السنين، وقال ذلك لأنبياء اليهود… فأسوأ ما يمكن للرئيس أن يفعله في فترة الإنتخابات هو أن يعلن بأنه يعارض الاعتراف بدولة التوراة لأن كل الإفنجيليين متحدون خلف التوراة التي كتب فيها من يبارك إسرائيل يباركه الرب"./ يديعوت أحرونوت ـ الخميس 3/7/2020.

 

على أهل الرأي من العرب والمسلمين أن يُجمعوا على أولويات يتبنونها وينشرونها وينصرونها.. أولويات فيها نُصرة للحق والعدل متمثلين بأعدل قضية، قضية فلسطين. وأن يبثوا الوعي بأن إنقاذ الجزء يتم من خلال الكل وهو إنقاذ للكل في الوقت ذاته

 



ويبدو أن العجيب الغريب ترامب، هذه الحالة الغريبة في السياسة والحكم من البلطجة والديماغوجية والعنصرية، يبدو الآن أنه في حالة فتور، فبينما يتقدم بايدن في الاستطلاعات يتراجع هو، ويظهر له من داخل حزبه الجمهوري مَن ينافسه، فحركة المغنِّي كاني وست، زوج كيم كرداشيان، قد تكون حقيقية وليست مناورة. وخطة ترامب التي يبني عليها نتنياهو ضم 30% من الضفة الغربية، المنطقة ج، وغور الأردن، أصبحت من عوامل الضعف والإحباط في ميزانه الانتخابي، وبدأ يتعرض لضغط الإنجيليين عليه ليعطي الضوء الأخضر لنتنياهو ليقوم بالسيطرة على تلك الأراضي الفلسطينية. 

إن ترامب الذي قال عنه إبراهام بورغ رئيس الكنيست السابق وعن نتنياهو: "إنهما يتملكهما جنون النرجسية، وعديما الضمير والأخلاق، وهما مستعدان للانقلاب على أي شخص فقط لإنقاذ نفسهما، والحفاظ على السلطة". / لقاء مع صحيفة IL FATTO QUOTIDIANO - عن سبوتنيك في 5/7/2020.. إن ترامب هذا يحرص على النجاح بأي ثمن، وليس من المنتظر أن يعيد النظر بموافقته على منح كيان الإرهاب العنصري الصهيوني أرض الفلسطينيين.. فذاك سيحرمه من التأييد الصهيوني بشقيه اليهودي والأنجليكاني، فضلاً عن أنه ليس وارداً في سياسته الصهيونية ـ العنصرية المؤيدة بالمطلق "لإسرائيل" أن يتراجع عن خدمتها طائعاً أو كارهاً. 

وحيال هذا الوضع فإن على الساسة العرب واجباً يقتضيه الوجود والمصير والخُلُق والضمير والدين، يتمثل حده الأدنى في موقف جاد رافض "للعدو والضَّم"، منذر بخطوات وإجراءات عملية حازمة يتخذونها بمسؤولية تاريخية.. ويبقى السؤال معلَّقاً: هل يقدرون على ذلك.؟!
 
وعلى أهل الرأي من العرب والمسلمين أن يُجمعوا على أولويات يتبنونها وينشرونها وينصرونها.. أولويات فيها نُصرة للحق والعدل متمثلين بأعدل قضية، قضية فلسطين. وأن يبثوا الوعي بأن إنقاذ الجزء يتم من خلال الكل وهو إنقاذ للكل في الوقت ذاته، فهذا تماهٍ بين الفرع والأصل يحفظهما كليهما، وإن لم يأخذوا ذلك بالحسبان خسرنا خسراناً مبيناً.. 

وإن عليهم أن يجعلوا بيانهم في خدمة الأمة، في خدمة الإنسان وقيمه، في خدمة السلم والأمن والاستقرار.. وهم قادرون إن اتحدوا، فللبيان والتبيين دور فعّال إذا ما توافقت الآراء وتضافرت الإرادات واتُّخذَت المواقف بمبدئية وشجاعة وصلابة ووضوح، وإذا ما وقف أهل الرأي إلى جانب الحق والعدل والشعب في جبهة متماسكة.. 

وأيضآً يبقى السؤال: هل يريدون، وهل يقدرون على ذلك، وهل يضحون لينقذوا ما يمكن إنقاذه.؟! 
ويبقى سؤالُ الأَسئلةِ مُعلَّقاً بنياطِ القلب، وحِبالِ الحَلْق، وإرادة الخَلق، ومشيئة الرَّب. 

التعليقات (1)
لاجئ سوري حر
الثلاثاء، 14-07-2020 11:01 ص
يا أستاذ علي عرسان أنا لا ادري انت توجه كلامك الى من ..!؟ ان مطالبتك الساسة العرب بموقف جاد رافض للعدو الصهيوني وضَّه للأرض العربية لا قيمة ولا معنى لها، لأن الواقع يقول ان حال للعرب اليوم ليس بأفضل من حال الفلسطينيين.. انا أرى ان الأولى لك ان تقف " انت " من أي منطلق صادق تريد، من منطلق وطني او أخلاقي او ديني، ضد الذي يجري في سورية اليوم من قتل وتشريد لشعبها ونهب لخيراتها و" وضم " لأراضيها وجعلها تحت تصرف روسيا وايران ..!! فهل تعتقد ان مثل هذا الكلام الانشائي يمكن ان يمر على الناس دون تندر واستخفاف .؟ يا رجل الثقافة والايدولوجيا التجييشية التي تربى جيلكم عليها لم تعد صالحة اليوم، ومهما استخدمت من مهارات لغوية، أنا اقترح عليك بصدق ان تترك فلسطين لأهلها الان، فهم أعرف بالسبل المناسبة التي تتوافق مع ظروفهم لمواجهة العدو الصهيوني، وانظر انت الى ما تفعله السلطة الحاكمة ببلدك كل يوم قبل ان يؤلمك ضميرك يوما ويدينك التاريخ .. ومع غياب الامل يبقى السؤال معلَّقاً: هل تقدر على ذلك.؟