أخبار ثقافية

الملتزم: رواية الفاشيّة المناسبة لكل زمان

رواية (الملتزم Il Conformista) التي ظهرَت عام 1951، وتدور أحداثُها على خلفيّة فاشيّة موسوليني- جيتي
رواية (الملتزم Il Conformista) التي ظهرَت عام 1951، وتدور أحداثُها على خلفيّة فاشيّة موسوليني- جيتي

في 26 سبتمبر حلّت الذكرى الثلاثون لرحيل الروائي الإيطالي ألبرتو موراڤيا عن عالَمنا عام 1990. وفي رأيي أنّ إعادة قراءته تحمل أهمية خاصة في عالم اليوم الذي تعاود فيه التيارات القومية المتطرفة الظهورَ على مسرح الأحداث، خاصة أن موراڤيا كان من ألد أعداء الفاشية، واشتهر عنه قوله إن أهم أمرَين شَكَّلا حياته هما إصابته بدَرَن العظام في مراهقته، والفاشيّة، حيث إنّ كُلا منهما سبّبَ له الكثير من المعاناة، كما أجبرَاه على فعل أشياء لم يكن ليختار أن يفعلَها من تلقاء ذاته.

نال موراڤيا أرفع جوائز الأدب في إيطاليا (جائزة ستريجا Strega) ورُشِّح لنَيل جائزة نوبل ثلاث عشرة مرّة، وحُوِّل عدد من رواياته إلى أفلامٍ، لعلّ أشهرها على الإطلاق رواية (الاحتقار Il Disprezzo) التي حوّلها المخرج الفرنسي چان لو جودار إلى فِلم بنفس العنوان بالفرنسية Le Mepris، ورواية (الملتزم Il Conformista) التي ظهرَت عام 1951، وتدور أحداثُها على خلفيّة فاشيّة موسوليني، وقد حوّلها الإيطالي برناردو برتولوتشي إلى فلم بنفس الاسم. وسنحصر مقالنا في هذه الرواية الأخيرة. 

* ملخّصٌ سريع:


ينشأ مارتشلّو في بيتٍ شبه معقَّمٍ من الحُبّ، فالأبّوان يتعارَكان باستمرار، حيث الأب منغمسٌ في اهتماماته السياسية والأمّ منغمسة في حفلاتها، ولا وقتَ لديهما لإقامة علاقةٍ حقيقيةٍ مع وحيدِهما المتروك لمُرَبِّيَتِه. ينتبه الطفل مارتشلّو ذات يومٍ إلى استمتاعه بتكسير سيقان الأزهار النابتة في حديقة المنزل، وهي متعة تطورَت لديه سريعًا فأصبح يلتذّ بمطاردة العَظاءات في الحديقة وقتلِها، وأرَّقَه طويلاً وعيُه بغرابة هذه المتعة، وحاولَ أن يُشرِكَ فيها صديقَه وجارَه (روبرتو)، لعلّه بذلك يستعيدُ إحساسَه بأنّه طفلٌ طبيعيٌّ يلتذّ بما يلتذّ به الآخَرون، لكنّ روبرتو رفضَ رفضًا قاطعًا، وتطوّر الأمرُ إلى جفوةٍ بين الصديقَين. وحين حاول مارتشلّو الاعتراف لوالدته بجُرمه الصغير خانته جرأتُه ووجد نفسَه يعترف بجريمةٍ خياليةٍ لم يرتكبها وهي قتلُ قِطّ.

وفي محاولةٍ للانتقام من روبرتو الذي حرمَه الإحساسَ بأنه طفلٌ طبيعي، أخذَ مارتشلّو نَبلَه وتظاهر أنه يصوّبُه ناحيةَ روبرتو عبر الفُتحة التي يعرفها الصديقان في سُور اللبلاب بين حديقتَي منزلَيهما، وحين استطلعَ ضحيّته عبر الفُتحة وجدَ أنه قد قتلَ قِطّ روبرتو! يشعر مارتشلّو أنه مُطارَدٌ بلَعنة، فالجريمة الخيالية التي اعترف بها لوالدته تحوّلت سريعًا إلى جريمةٍ حقيقية. وفي حوارٍ يسمعُه مارتشلّو بالصُّدفة بين الطاهية ومساعدتِها يكتشف أنّ الخَدَمَ يُشيرون إلى أبيه باعتباره شخصًا غير طبيعيّ، ويتدخل مارتشلّو مُصَدِّقًا على كلامهما بأن ينسُب جريمة قتل القطّ إلى أبيه، فتُعَلِّق الطاهية بأنّها سمِعت مخدومتَها – أُمّ مارتشلّو – تقولُ إنّ زوجَها سيقتلُها ذاتَ يوم، وإنّ الأمر يبدأ بقتل قِطّ وينتهي بقتل إنسان.

تَعلَق الجملة الأخيرة بذهن مارتشلّو وينتظر تطوُّر اللعنة إلى اللحظة التي يقتلُ فيها إنسانا. خلال ذلك نرى زملاءه في المدرسة دائمي التنمُّر له والسخرية من ملامحه الناعمة وطرائقه الأنثوية، إلى أن ينجحوا ذات يومٍ بعد انتهاء الدوام المدرسيِّ في إجباره على ارتداء تنُّورةٍ في شارعٍ شبه مهجور، ولا ينقذه من بين أيديهم إلا وصولُ رجُلٍ غريب الأطوار يُدعى (لينو)، يعمل سائقًا خاصًّا لسيدةٍ أمريكيةٍ مُسافرة. يَدعو (لينو) مارتشلّو لركوب السيارة إلى جواره، ويَعِدُهُ بإهدائه المُسدَّسَ الذي يرغبُ فيه إن هو صَحِبَه إلى البيت. لكنّ لينو ينقلِبُ على وعدِه حين يصلان إلى غرفة نومه ويحذّر مارتشلّو من الانصياع مرّةً أخرى لدعوته إذا هو عاوَدَ دعوتَه إلى البيت! وبعد يومين يعاود لينو انتظار مارتشلّو في نفس البقعة التي تقابَلا فيها، ويَجِد الأخيرُ نفسَه يلعبُ راضيًا دورَ الفتاة الغَنِجَة ليُطمِعَ (لينو) فيه أكثرَ وأكثر، لكنّ لينو هذه المرّة حين يصلان إلى غرفة نومه يُظهِر شذوذه صريحًا ويحاول إجبارَ مارتشلّو على الانصياع لرغباته، لكنّ مسدّسَ لينو ينزلق منه ويختطفُه مارتشلّو ويصوّبُه تجاهَه. وحين يصيحُ به لينو "اقتُلني مثل كلب" يُطلِقُ مارتشلّو النار ويصيبُ لينو بالفعل ثم يهرب.

تقفز بنا الرواية إلى مارتشلّو في سِنّ الثلاثين، متصفّحًا المجلاّت القديمة في إحدى المكتبات العامّة ليَقِفَ على حقيقة ما حَدثَ للينو، ويتأكّد من موت الأخير، وأنّ التحقيقات عَزَت موتَه إلى رصاصةٍ انطلقَت خطأً من مسدسِه بينما يقوم بتنظيفِه. بعد ذلك نكتشف أنّ مارتشلّو مُقدِمٌ على الزواج من (جوليا) الحسناء التقليديّة التي لا يَعتبر نفسَه واقعًا في غرامها، وأنه يعمل في البوليس السرّي لحكومة موسّوليني الفاشيّة. تُصِرّ جوليا على أن يَخضع مارتشلّو لطقس الاعتراف المهمّ لإتمام زفافهما الكاثوليكيّ، ورغمَ إلحادِ مارتشلّو إلاّ أنه يُقنِع نفسَه بضرورةِ أن يقدّمَ اعترافًا حقيقيًّا للقسّ كخطوةٍ مهمّةٍ في رحلة بحثِه المُضني عن أن يكون (مواطنًا طبيعيًّا) بمقاييس مجتمعِه، هروبًا من لعنة الطفولة الشاذّة التي طارَدَته. يعترفُ مارتشلّو للقسّ بجريمة قتل لينو وبأنه كان مُوشِكًا يومها على ممارسة الشذوذ الجنسيّ. يَصدِمُ الاعترافُ القَسّ لكنّه يعاملُ مارتشلّو بلُطفٍ ويرهن خلاصَه بشعورِه بالندم وتوبته. أمّا ما يُحجِم مارتشلّو عن الاعتراف به فهو المهمة التي كُلِّف بها من الدولة، والتي تتعلّق بتسهيل تصفية الپروفيسور كوادري المناهض للفاشية والمقيم في پاريس.

يتزوج مارتشلّو ويصطحب عروسَه إلى پاريس لقضاء شهر العسل، وهناك يتقرّب من كوادري الذي كان أحد أساتذته في الجامعة. خلال ذلك تَظهر (لِينا) زوجة كوادري الحسناء ذات السلوك الرُّجولي، ويقع في غرامها مارتشلّو، لكنها تعاملُه بازدراءٍ وتصرّح له بأنها وزوجَها يعرفان حقيقة انتمائه إلى پوليس الفاشيّة السّرّي، وفي الوقت ذاتِه تتقرّب (لينا) من العروس جوليا ويتّضِح أنها ذاتُ مُيولٍ سِحاقيّة، لكنّ جوليا ترفض محاولاتِ لينا لإغوائها. في العَشاء الذي يجمع الأُسرَتين في أحد مطاعم پاريس، يُعطي مارتشلّو الإشارةَ لمرؤوسِه (أورلاندو) العميل السّرّي، بأنّ (كوادري) المطلوب تصفيتُه هو الشخص الذي صافحَه أوّلاً، وفي صباح اليوم التالي بينما كوادري وزوجتُه (لينا) في طريقهما إلى منزلهما الريفيّ، يقوم أورلاندو ومُساعِدُه باغتيالِهما قُرب إحدى الغابات.

تقفز الرواية قفزةً أخيرةً لتُرِيَنا مارتشلّو وزوجتَه وابنتَهما ذات الأعوام الستة عَشِيّة سقوط موسّوليني عام 1943. يسيطر القلق على مارتشلّو وتصارحه زوجته بأنها شكّت منذ البداية في أنّ له يدًا في اغتيال كوادري. يقرران أن يأخذا جولةً في شوارع روما لمشاهدة احتفالات الشعب بسقوط الفاشيّة. وحين ينتحيان ركنًا مظلمًا بأحد المتنزّهات ويقرران ممارسة الحُبّ يَقطَعُ خَلوتَهما اقترابُ حارس المتنزَّه الذي ينادي مارتشلّو باسمِه. نكتشف أنّ هذا الحارس هو لينو، وأنه لم يَمُت جرّاء الرصاصة التي أطلقها عليه مارتشلّو، وإنما نجح الأطبّاء في إنقاذه، وأخطأَت الجريدة التي نقلَت خبرَ وفاته.


تنتهي الرواية بمحاولة مارتشلّو وأُسرتِه الهربَ مِن وجهِ الثُوّار إلى مدينة تالياكوتسو حيث بَيتُ الجَدّة، لكنّ السيّارة تمُرّ قُرب غارة جوّيّة تُمطِرها بالرصاص، فتموت جوليا والطفلة، ويخرج مارتشلّو من السيارة متأثرًا بجروحه منتظرًا عودة الطائرة لتقضي عليه. 

كيف تصنعُ فاشِيًّا:


الأثر الأبرز الباقي في الأدب العالميّ من هذه الرواية هو تشريحُ موراڤيا المذهل لنفسية ذلك البطل المأزوم الذي يسعى إلى أن يكون مواطنًا طبيعيّا. وهو يبدأ تشريحه من طفولة مارتشلّو.

هناك سحرٌ خاصٌّ للروايات التي تبدأ بطفولة أبطالِها، وهو سِحرٌ مرَدُّه جزئيًّا إلى تلك الهُوّة بين الأدب المكتوب للكبار وأدب الأطفال، حيث يكاد الأخير يستأثر بالأبطال الأطفال، بينما يبدو الكبار محرومين بدرجةٍ كبيرةٍ من النظر إلى الطفولة عبر منظار الأدب السردي. هكذا تبدو رواياتٌ مثل (التابع Der Untertan) لهاينريش مان و(عن القيد الإنسانيّ Of Human Bondage) لسومرست موم - فضلاً عن الرواية التي بين أيدينا – عابرةً لهذه الهوّة، ولعلّه ليس محض المصادفة هو ما دعا الروائيين الثلاثة إلى إفراد شطرٍ كبيرٍ من رواياتهم هذه لطفولة أبطالهم، فهناك ملمحٌ آخَر يشترك فيه أبطال الروايات الثلاث، وهو أنّهم ظلُّوا مُطارَدِين طوال حياتهم بما يمكننا تسميتُه عُقَدًا نفسيّةً تكوَّنَت في طفولتهم، أي أنّ البيئة التي نشأوا فيها والطريقة التي تربَّوا بها انعكسَت بوضوحٍ على المَسلَك الذي اتّخذوه فيما بعد. لكن بينما يتابع بطل (القيد الإنساني) شبابَه بعيدًا عن هموم السياسة، غارقًا بين اهتماماته بالفنّ ونزواته الجنسية، ينغمس (التابع) في طموحه السياسي تحت ظِلّ القيصر الألمانيّ ڤلهلم الثاني، وكذلك يفعل مارتشِلُّو كْلِريتشي في رواية (الملتزِم). وهناك تشابُهٌ بين الروايتين الأخيرتين، وإن كُنّا لا ندري إن كان موراڤيا قد قرأ روايةَ (مان) وتأثَّر بها أم لم يفعل. لكن يَجنَح (مان) إلى تناوُل أفعال بطله (ديدرش هسلنغ) من بعيدٍ، فتبدو لنا مصطبغةً بالكوميديا بدرَجةٍ ما، بينما يغوصُ (موراڤيا) في دوافع ومشاعر وأفكار مارتشلّو من اللحظة الأولى، فهو طفلٌ يتميز بوعيٍ حادٍّ، واستبصارٍ نفسيٍّ عميقٍ، لعلّه وسيلتُه لتعويض نقص التعبير عن العاطفة الذي ابتُلِيَ به جرّاء نشأته في هذا البيت، فلا يكاد القارئ يرى فِكاكًا من التوحُّد مع مارتشلّو، وهكذا ينسِجُ موراڤيا المأساةَ مُحكَمة.

في الصفحة الأولى يحدّثنا موراڤيا عن متعة التملُّك عند بطلِه الطِّفل، تلك المتعة التي كانت تستثيرُه للاحتفاظ بجذاذاتٍ من أي شيءٍ احتَكَّ به داخل المنزل، لكنه كذلك عاني بسببها كما يعاني أحدُهم بسبب عادةٍ تمتلكُه لدرجةِ ألاّ تسمحَ له بوقتٍ يشعرُ فيه بتأنيب الضمير! هكذا يَصِفُ كاتبُنا متعة الامتلاك كأنه يشير من طرفٍ خفيٍّ – وعلى طريقة فرويد- إلى ممارسة العادة السِّرِّيَّة، أو كأنّ لذّة التملُّك هي الامتداد الطبيعيّ للذّة المرحلة الشرَجيّة من مراحل التطور الجنسي في الأطفال عند فرويد! ويستطردُ موراڤيا فيُطلِعُنا على أهم الأغراض التي كان مارتشلّو الطفل يستمتع بتملُّكِها، وهي الأسلحة الحقيقية، وذلك منذُ أَراهُ أبوهُ مسدَّسَه في دُرج مكتبِه. أصبحَ مارتشلّو لا يرى متعةً في أسلحة الأطفال، وإنما ارتبطت المتعة لديه بالإمساك بمسدّس حقيقي مرتبط بحتمية الموت والتدمير. هكذا هيَّأنا الكاتبُ لِلّحظة المصيريّة التي سيُطلِقُ فيها بطلُه النارَ على أحدِهم، مستغلاًّ مبدأ (بندقيّة أنطون تشيخوف) الشهير "قُم بإزالة كُلّ ما ليس له صلةٌ بالقصة. فإن ذكرت في الفصل الأول أن هناك بندقيةً معلقةً على الحائط، فعليكَ أن تستعملَها في الفصل الثاني أو الثالث، وإلاّ فلا تَضعها هناك." والمهمّ أن امتلاك آلة القتل كان المحرِّك الذي زرعَه القدَر في طريق مارتشلّو لارتكاب جريمة القتل التي غيَّرَت مجرى حياتِه وأخضَعته لوسواس البحث عن الحياة الطبيعية.


والملاحَظ أنّ أسلوب حياة مارتشلّو الذي انطوى على رغبةٍ عنيفةٍ في ترتيب وتصنيف كلِّ شيءٍ، فضلاً عن حياته الذهنيّة المتّقدة على الدوام بالبحث في التفاصيل واكتناه حقيقة مشاعره وأفكاره– تلك التي جعلَته يرُدّ على عروسه جوليا حين سألَته عن سِرّ قلقِه الدائم بأنّ طبيعتَه ألاّ يخلُو أبدًا من التفكير – هذه الحياة بأسلوبِها تكاد تكون نموذجًا صارخًا لما سمّاه فرويد (الشخصيّة الشرجية)، أي تلك التي لم تكَد تبرح المرحلة المذكورة آنفًا من مراحل التطوُّر الجنسي في الأطفال. وسواءٌ اتَّفَقنا مع فرويد أم اختلَفنا معه، فإنّ المهمّ هو انطباقُ نموذجه على شخصيّة مارتشلّو. ولدينا إيحاءُ موراڤيا المتكرر بأنّ بطلَه كان بالفعل يستمرئُ دورَ الفتاةِ في غَورٍ عميقٍ من نفسِه خلال خبرتِه القصيرة مع لينو، وهي خبرةٌ كادت تتكرر يومَ لقائه بكوادري في پاريس حين قابلَه عجوزٌ شاذٌّ ظنَّه شابًّا يشاركه الشذوذ فأركبَه معه سيارتَه الفارهة وعرض عليه ممارسةَ الفاحشة. ولعلّ هذا الإيحاءَ يختبئ كذلك وراء انجذابِ مارتشلّو العنيف إلى (لينا) ذات المسلَك الرجوليّ في ميولِها السِّحاقيّة، والتي يبدو اسمُها معادلاً أنثويًّا لاسم (لينو) صاحب الغواية الأولى. هذا الإيحاء المتكرر يقترحُ فكرةَ اعتماد موراڤيا على المفهوم الفرويديّ المذكور في بناء شخصيّة بطلِه المُنساق وراء النظام الفاشيّ.

ومن الدّالِّ أنّ مارتشلّو لم يشعر أبدًا بحماسٍ حقيقيٍّ للفاشيّة، فهو في قرارة نفسِه متأكّدٌ من الفساد المهيمِن على حكومة موسّوليني، وهو يحتقرُ الوزيرَ وسكرتيرَه الذي يكلّفه بمهمّة اغتيال (كوادري)، لكنّه رغم ذلك مأخوذٌ برغبته في إنجاح الأنظمة الفاشيّة، وهو يأخذ صفَّها كذلك في متابعة الصراعات الأوربية خارج إيطاليا، فينحاز للجنرال فرانكو دكتاتور إسپانيا مثَلاً، وهو في كل ذلك يسعى إلى رؤية الجماهير كُتلةً واحدةً متجانسةً لا ينِدُّ منها فردٌ عن الآخَرين ولا ينفردُ واحدٌ برأيٍ، ومَن يجرؤ على الاختلاف فهو يستحقُّ الإبعادَ وصولاً إلى الاغتيال.


هكذا يبدو أنّ موراڤيا يقولُ لنا إنّ أصل انحياز الفرد إلى الفاشيّة يكمُن في تربيةٍ لا تُلقي بالاً للعواطفِ، وتُسرِعُ إلى العقاب ولا تأبَه بالتشجيع ولا الإثابة على الصواب، وهو في سبيل ذلك رسم لنا نموذجًا فرويديًّا صارخًا للشخصيّة الشرَجيّة Anal Personality وجعلَها أساسًا للمُواطن الفاشيّ.

ماذا كانت بدائلُ موراڤيا للفاشيّةِ إذَن؟


قُرب نهاية الرواية نرى مَشاهِدَ احتفالات الإيطاليين بسقوط الطاغية ونظامه الفاشيّ. وبشكلٍ شخصيٍّ شعرتُ أثناء مُطالعتِها أنني أقرأُ وصفًا لاحتفالات المصريين يوم 11 فبراير 2011، يوم تنحّي الرئيس الراحل حسني مبارك. فالجماهير تتحلّق حول كُلّ مَن صعد منصّةً للخَطابة، وهنا وهناك تجدُ مَن يُغَنُّون ويرقصون، والمحسوبون على النظام المباركي يتحركون بحذرٍ، تمامًا مثلَ مارتشلّو، ولكن لا هدفَ حقيقيًّا يُجمِع الناسُ عليه، ولا خُطّة للمستقبل تبدو مرتسِمةً بوضوحٍ في ذهن أية جماعة. تُبدي (جوليا) امتعاضَها من تصفيق الناس لسقوط موسّوليني وقد كانوا يصفّقون لخُطَبِه، وامتهانِهم تماثيلَه النصفيّة التي كانت إلى وقتٍ قريبٍ كافيةً لبعث الخشية في النفوس، فأتذكّرُ القول المنسوبَ للإمام عليّ: "وهَمَجٌ رِعاعٌ أتباعُ كُلِّ ناعقٍ، يَميلون مع كُلّ رِيح."

والحَقُّ أنّ الطريقة التي رسمَ بها موراڤيا هذا المَشهَد تشكِّكُنا في إيمانه بالثورة والحلّ الديمقراطيّ. وهو لا يَرى التدخُّلَ الأجنبيَّ (طيران الحُلفاء حسب سياق الرواية) كفيلاً بتحقيق أية عدالةٍ، فهاهي الطفلة البريئةُ تموتُ برصاص المُغِيرين في المَشهَد الأخير مع أُمِّها التي لم ترتكب أيةَ جريمةٍ باستثناء اللامبالاة بالسياسة.


ولعلّ هذا المشهد الأخير يذكّرنا برواية إرنست همنغوِاي (وداعٌ للسلاح) التي ظهرَت عام 1929، فقد دارَت أحداثُها بالكامل على خلفية الحرب العالَميّة الأولى في الجبهة الإيطالية. وإن كانت روايةُ همنغوِاي أكثر إبرازًا لعبثية الحرب، فقد تدارَكَت مَشاهِدُ (الملتزِم) الأخيرةُ هذا الأمرَ، فأظهرَت العبثَ في الموقف الإنسانيّ برُمَّتِه مِن خلالِ انقلاب الجماهير على موسّوليني، وسقوط جوليا وابنتها، وقبلَ ذلك من خلالِ اكتشاف مارتشلّو أنّ الجريمةَ التي قضى شبابَه محاولاً التكفيرَ عنها بالانخراط في كُتلةٍ جماهيريّةٍ متجانسةٍ هي جريمةٌ لَم تَتِمّ!

لكن بينما تموت (كاثرين) الزوجة الإنجليزية في رواية همنغوِاي وهي تضعُ طفلَها الميّت، ويتضرّع زوجُها (هنري) بطلُ الرواية إلى الله ليُنقِذَها من الموت، لا يجدُ مارتشلُّو هنا وقتًا من الأساس ليلجأ إلى الله. والحقيقة أنّ (هنري) في التحليل الأخير يبدو شخصيّةً مُسَطَّحةً تفتقرُ إلى الاستبطان العميق الذي يمتاز به (مارتشلّو)، وبينما لا يُناقَشُ الدِّينُ كثيرًا في (وداع للسلاح)، نجدُه هنا هاجسًا مسيطرًا في قسوةٍ على أفكارِ مارتشلّو. فنحن نعرف من حديث (لينو) عن نفسِه أنه قَسٌّ مُبعَدٌ من مهامّه الكنسيّة بسبب سلوكه الشائن، ثم نواجه في منتصف الرواية مشهدَ مارتشلّو خارجًا من الكنيسة بعد الاعتراف، ينظر إلى كل ركنٍ فيها وهو يودّع بقايا عالَمٍ قدمٍ كان يتمنى الانتماء إليه لكنه يعلَم أن خُطاه تأخذُه بعيدًا عنه وألاّ سبيل لاستعادته، وهو مشهدٌ موغلٌ في الكآبة والقسوة، ولدينا بعد ذلك المشهدُ الجبّار للزفاف الكاثوليكي، حيث يرفع مارتشلّو عينيه إلى نقش الآب السرمديّ The Eternal Father على جدران الكاتدرائيّة فيرى فيه وجه الشحّاذ الملتحي الذي أطلَّ برأسه من نافذة السيارة - بينما هو وعروسُه في طريقهما إلى الزفاف – طالبًا بعضًا من كعك العروسة، ثُمّ لاعنًا مارتشلّو حين رفضَ إجابتَه إلى طلبه. هنا تذكّر مارتشلّو تلك الآيات من سِفر التكوين التي يعاتبُ فيها الربُّ قايين/ قابيل على قتلِه أخاه ويتوعّدُه بلعنةٍ أبديةٍ وعلامةٍ للّا مِساس إلى يوم مماتِه، وهي تلك الآيات التي وقع بصرُه عليها حين فتح الكتاب المقدسَ يومًا بعد أن قتلَ (لينو) فشعر بأنها أُنزِلَت من أجلِه، وأنّ جريمتَه هذه جعلَته ملعونًا بقَدر ما جعلَته مٌقَدَّسًا لا يَمَسُّه بَشَر!

هكذا تُطِاردنا علاقة مارتشلّو المتوتِّرة بالله، فهو يحِنُّ إلى اليقين بوجودِه والرُّكون إليه، لكنّ كآبةً سوداء ثقيلةً تَحولُ بينَه وبين الله، وهو يُعامِلُ لاإلهيّته باعتبارِها أمرًا مفروغًا منه لا داعِيَ لمناقشتِه، لكنّه في إطار حرصِه على الانتماء إلى الكتلة الشعبية المتجانسة التي تشجّعُها الفاشيّة يذهب لأداء طقس الاعتراف صادقا. ولعلّ تكرار الإشارة إلى خواء الكنيسة من المُصَلِّين في مشهد الاعتراف يُوحي برؤية موراڤيا للموقف الحقيقي لمجتمعه من الدِّين، حيث يبدو أنه لم يَبقَ منه إلا ديكور يُكمِل تجانُس هذه الكتلة عديمة الملامح من الجماهير، لكنّه مرفوعٌ من الصُّدور على وجه الحقيقة.

وهناك أمران يتجاوبان وهذه العلاقة المتوترة بالله، أولُهما محضُ الموقف الأخلاقيّ لمارتشلّو، فهو يزدري السقوط الأخلاقيّ والانحلالَ ولا يُطيقُ رؤيتَهما، لاسيّما حين يصطدمُ بهما في أُمِّه ذات العلاقات الغراميّة الآثمة منذ شبابِها، وهو يفكّر في هذا الازدراء باعتباره نتيجةً لحرصه على تجانُس الكتلة الجماهيرية وطبيعيّتها، لكنّه يتقبّل اعترافَ (جوليا) له بعد الزفاف بفقدانِها عذريّتها تحت ضغط المحامي صديق أبيها الذي تكفّل بأعبائها الماليّة منذ وفاة أبيها واستغلّها جنسيًّا، ولا يشعرُ بالازدراء على وجه التحديد هنا وإنما الدهشة لأنه لم يتصوّر هذا الأمر. ولعلّ مشهد اعتراف العروس يذكّرنا مشهدًا مماثلاً في رواية (تِس سليلة دربرفيلّ Tess of The d'Urbervilles) لتوماس هاردي، حيث تعترف البطلةُ لزوجها (أنجيل كلِار) اعترافًا مماثلاً، لكنّه يشعر بصدمةٍ أخلاقية وحُزنٍ بالغ. هكذا يتوافق بطلُ رواية هاردي مع منظومة أخلاقية متّسقة، بينما يتابع مارتشلّو تمزُّقَه الأخلاقيّ كامتدادٍ لتمزق عاطفته الدينية وتوتُّر علاقتِه بالله/ المصدر النهائيّ للأخلاق.

الأمر الثاني المتجاوب مع العلاقة المتوترة بالله هو العلاقة المتوترة بالأب، فهو هنا رجُلٌ شديد الصرامة لا يعرف من علاقة الأب بابنه إلا العِقاب، وفي لحظةٍ ما يشُكُّ في أُبوَّته لهذا الابن وينسبُه إلى أحد عُشّاق زوجته الخائنة – كأنه رَبٌّ يفقد إيمانَه بربوبيّته وقُدرته على الخلق - ويحملُه جنونُه على تشويه صورة الزوجة والابن برسم خيطين من الدم تحت عينَي كُلٍّ منهما. يتصالح الابن مع فكرة جنون أبيه بمجرّد أن يسمعها لأول مرّة، وفي نهاية الجزء الأول من الرواية يصطحبُ أُمّه لزيارة أبيه في المصحّة العقليّة التي أُودِعَها، ويرى أباه مستغرقًا في ضلالةٍ عميقةٍ، فحواها أنّه أحد كبار مستشاري موسّوليني، غير عابئٍ بزيارة زوجته ووحيدِه، منشغلاً بكتابة رسالةٍ طويلةٍ لا معنى لها موجَّهَةٍ إلى الدوتشي ثُمّ إلقائها في حماسٍ مجنونٍ على جماهيرَ من خَلق هلاوسِه.

هكذا سَجنَ موراڤيا بطلَه المأزوم في عالَمٍ تخلَّصَ من الأبُوّة والربوبيّة معًا، فسقطَت بالتالي أية محاولةٍ إنسانيّةٍ فيه لإقامة منظومةٍ أخلاقيّةٍ متّسِقةٍ في ذاتِها. لذا بدا الفشلُ السياسيُّ للفاشيّة في رواية (الملتزِم) فشلاً لا بديلَ له، فالمحاولةُ عبثٌ مُطلَق، والتزام مارتشلّو المُشارُ إليه في العنوان هو التزامٌ بأوهامٍ اجتماعيّةٍ وأخلاقيّةٍ تسقُطُ مع أول اختبارٍ حقيقيٍّ لها، سواءٌ بالمشاركة في قتل الأستاذ أو بالوقوع في الخيانة الزوجيّة أو غير ذلك. ولعلّ امتلاء الرواية بثلاث حكاياتٍ للمثليّة الجنسيّة يُشيرُ إلى شعور موراڤيا القويّ بأنّ مجتمعَه على شفا حفرةٍ، وأنه لا فكاك له من الوقوع فيها. والسؤال الآن، هل يتأسّس الانحياز الفرديُّ لفاشيّات عالمنا المُعاصِر على أسبابٍ نفسيةٍ قريبةٍ ممّا اقترحَه موراڤيا؟! وهل للأبوّة والربوبيّة الحقيقيين دورٌ يَحولُ دُون وقوع الإنسان الحدث فريسةً لأوهام الفاشيّة؟ السؤالُ متروكٌ للقرّاء بالطبع.

وتبقى رواية موراڤيا عملاً أدبيًّا صادمًا عنيفًا بقدر ما هو جليلٌ

التعليقات (1)
sandokan
الأربعاء، 14-10-2020 08:49 ص
^^ ما بعد الحقيقة ^^ يعود مصطلح “ما بعد الحقيقة” إلى بداية الحرب العالمية الأولى. والبعض يرجعه إلى سنة 2015 حيث تضاعف استخدام البشر للشبكة الإلكترونية العالمية. أما البعض الآخر فيرد أصول هذا التعبير إلى الزمن الذي تلى مباشرة 11 سبتمبر 2001. ربما حقيقة نشوء وتبلور هذا المصطلح تعود إلى أبعد من ذلك بكثير. تعود إلى الزمن الذي وجِد فيه الإنسان على الأرض برفقة إنسان آخر لا يريده ندا مهما كلف الأمر، بل يريده خاضعا له. خاضعا له في البداية بالقوة الجسدية والعسكرية ثم من خلال ما استحدثه من مَرافق متطورة وما ابتكره من أساليب إقناع و”أشياء مُسالمة” نمت في بيئة افتراضية/ مُصطنعة لم يعد من الممكن إلاّ اعتبارها “الجغرافيا” الجديدة. حيّز يسكنه جميع البشر بدرجات نفوذهم المتفاوتة جدا. ومن تلك الابتكارات “المُطوّعة” أو المستعمرة لبعضنا الآخر نذكر الآلات الذكية، والكائنات الافتراضية ذات الملامح البشرية. اليوم، يقف الإنسان المعاصر قاتلا ومقتولا وسط ضوضائه ووجها لوجه مع “كائناته” المصنعة. يقف في قبضة “زمن ما بعد الحقيقة” المخملي الذي عكف على صناعته ونحت قوانينه منذ الآلاف من السنين، وشارك بطريقة أو بأخرى بإرسائه صيغة لعيش يتشارك فيه المزيّف مع الحقيقي دون نزاع يُذكر، ويحظر فيه الاصطناعي مع البشري ربما حتى فناء الأخير. باختصار، وكي لا يصبح استخدام مقولة “زمن ما بعد الحقيقة” استخداما فولكلوريا، كما يحدث في العديد من الكتابات الصحافية، نورد الجانب الذي يعنينا مباشرة من تعريفها “زمن ما بعد الحقيقة، هو مصطلح للدلالة على الظرف الذي تفقد فيه الحقيقة مرجعيتها، وتصبح بلا جدوى أو أي تأثير”. كما هناك رأي يتشاركه الكثير من علماء الاجتماع حول مواصفات هذا الظرف معتبرين أنه تظهير لـ”غرق الاجتماع السياسي العالمي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه في عوالم افتراضية مبنية على المعلومات والصور الزائفة”. ويحيلنا هذا الكلام إلى الرائي والمفكر جان بودريارد في كتاباته المتمحورة حول موت الواقع الحقيقي تحت وطأة تمثيلاته ونسخته غير الأصلية أو تحت النماذج المتخيلة. هذا “الظرف” أفرز فنونا تستخدم إما تقنيات ديجيتالية وتفاعلية أو توظف أفكارا تمظهرت في اللوحات وجوها بشرية هي أقرب إلى المخلوقات الفضائية المتخايلة أو الكائنات الغرائبية ذات الملامح المخيفة ببرودتها أو بمآسي تحولاتها إلى غير ما كانت عليه قبل أن تحل لعنة “الظرف” الفارض عليها شروطا للحياة. وهنا، نذكر على سبيل المثال أعمال الفنان صفوان داحول والفنان صادق الفراجي من جهة، والفنان خالد الحجار والفنان أكرم زافي من جهة أخرى. مؤخرا بات هذا الظرف الذي “فقدت فيه الحقيقة مرجعيتها” منسجما مع السعي لابتكار آلات ذكية تفوق ذكاء الإنسان وقوته ليكون بعضها أكثر شبها به وبعضها الآخر ذا ملامح اصطناعية يتباهى باصطناعيتها كنسخة أفضل من النسخة الإنسانية قلبا وقالبا. كما ازداد الاهتمام بتمويل برمجة شخصيات افتراضية مضللة ذات ملامح إنسانية فائقة الدقة. ولعل فيلم “سيمون” للمخرج أندرو نيكول هو من الأفلام الأكثر تعبيرا عن خاصية “النسخ” غير الأصلية التي تجتاح عالمنا مثيرة فيه البلبلة وتبدّل جوهره في الصميم. يبدو الفيلم أشبه بفيلم رعب معاصر يستعرض حالة الزيف والتكاذب المستفحلة في المجتمعات ويبحث في ثنايا اللقاء مع الافتراضي الذي صنعه الإنسان كي ينجو من كبواته، فإذا به سجين له. كما يأخذنا هذا الفيلم إلى أعمال الفنان السوري بشر كوشاجي، لاسيما في اللوحات التي رسم فيها شخوصا بوجوه مشفرة مشطوبة وكأنها بيانات ديجيتالية. وعن هذه اللوحات يقول بشر كوشاجي “هي تعبير عن محاولاتي استرجاع ذكرياتي عن أشخاص عرفتهم في حياتي قبل اندلاع الحرب السورية”. ويضيف أنها تشكل بالنسبة له بحثا فلسفيا في معنى الملامح البشرية وقد خصّبها الزمن المفتوح وبعثر خصائصها البشرية المعهودة. فيلم “سيمون” وباختصار يدور حول مخرج سينمائي لفيلم تخلت عن التمثيل فيه البطلة وفقد اهتمام الجمهور بأفلامه، غير أن هذا المخرج عاد إلى ذروة شهرته عندما استعان ببرنامج ديجيتالي مكنه من ابتكار امرأة/ ممثلة حطمت الأرقام القياسية في عالم السينما لتصبح “معبودة الجماهير”. الفيلم يبحث بذكاء متوقّد في العلاقة التي جمعت المخرج بممثلته الافتراضية وصولا إلى مواقف دراماتيكية أفضت إلى قضايا تجريم وقتل متعمد، أُتّهم فيها عندما أراد لاحقا التخلّص منها. ويسلط كلام مخرج فيلم “سيمون”، أندرو نيكول الضوء على عدة أفكار شديدة المعاصرة، إذ يقول “قدرتنا على صناعة الزيف تفوق قدرتنا على التعرّف عليه. نحن في حقيقتنا لم نعد مهتمين إن كان ما نراه زيفا أم لا.. يقول المخرج في الفيلم لممثلته الافتراضية: أنت أكثر حقيقية من الجمهور المأخوذ بك، وهنا تكمن المشكلة”. ويضيف أندرو نيكول قائلا “يجب أن تعلموا بأنني في معظم أفلامي أستخدم الخدع البصرية في تشكيل ملامح الممثلين، أخفي الشوائب وأضيف أخرى.. سيأتي زمن لن يميّز فيه الجمهور ما بين الحقيقي والمزيّف. والأفظع من ذلك أنه حينها لن يبالي بالفارق ما بين الاثنين”. البلبلة والنهايات التراجيدية للقاء الافتراضي بالحقيقي ليست جديدة إطلاقا، فالأساطير، لاسيما الإغريقية تعج بالقصص التي تبرز للمآسي الناشئة عن لقاء البشر بأنصاف الآلهة أو بالكائنات الخارقة، لذلك يصبح اليوم للإجابة عن هذا السؤال أهمية كبرى: إلى أي درجة نحن مستعدون لقبول الاصطناعي أو الافتراضي على أنه حقيقة لنتصرّف نحوه على هذا الأساس؟