كتاب عربي 21

المآلات اليمنية بعد فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
في البدء ينبغي تأكيد حقيقة مهمة للغاية، وهي أنه ما من أحد في اليمن عقد الأمل بشأن إنهاء الحرب واستعادة السلام، بالنتائج التي ستفُضي إليها انتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي انتهت بالفعل بفوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن.

أقول ذلك رغم أنه من المرجح أن يعبر الرئيس بايدن - حينما يباشر مهامه رسميا في العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل - عن إرث أوباما، وعن القناعات ذاتها التي ترسخت لديه ولدى قادة حزبه حيال المنطقة العربية والدول الرئيسية المؤثرة في سياسة المنطقة، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية، خصوصاً أن تلك القناعات تأسست على وقع صراع حزبي غير مسبوق؛ انكشفت معه النخبة الأمريكية الحاكمة وارتباطاتها وارتهاناتها لجماعات الضغط في واشنطن، كما لم تنكشف من قبل، وعاشت معه أمريكا نفسُها اختبارا صعبا للقيم التي لطالما كرستها زعيما أوحد ومهيمنا ووصيا على العالم.

ومن المرجح أن تواجه السعودية صعوبة في إدارة حربها وربما في استمرار هذه الحرب على الساحة اليمنية، وسيمثل ذلك إن حصل، انعكاسا تلقائيا للموقف العدائي الذي تبناه قادة الحزب الديمقراطي تجاه السعودية طيلة السنوات الأربع الماضية من حكم الرئيس الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب، وردا على سياسة الممالأة مدفوعة الثمن التي اعتمدها حيال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومغامراته والتي كان أكثرها خطورة تصفية المعارض السعودي النبيل جمال خاشقجي، والتخطيط لتصفية قيادات سعودية عملت لحساب ولي العهد السابق.

وقع اليمن خلال الستة الأعوام الماضية تحت التأثير الطاغي للموقفين الإقليمي والدولي ولمقاربتهما السيئتين للحرب الدائرة على أرضه، ولسبل الإنهاء المفترض للانقلاب طبقا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، والتي مثلت التجلي الأكثر إيجابية للإرادة الدولية رغم أنها بقيت حبرا على ورق حتى الآن.

لقد بقي انقلاب الحوثيين وصالح في مأمن حتى اليوم، رغم أنه استهدف عملية التغيير العظيمة التي أنتجت في شباط/ فبراير 2012 سلطة توافقية منتخبة بعد عام من ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011 الشبابية الشعبية، وسمحت بدخول البلاد في عهد جديد ومشرق من حكم الشعب الذي أنعش الأمل، ليس لدى الشعب اليمني فقط، بل لدى المجتمع الدولي الذي تغنّى بتجربة انتقال السلطة وبالمزاوجة الرائعة بين الثورة والإرادة السياسية التي ضمنت حدوث هذا الانتقال بأقل الخسائر الممكنة.

الحزب الديمقراطي وإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كانا قد اختتما فترة حكمهما بمبادرة للحل السياسي في اليمن كادت أن تسلم السلطة والدولة للحوثيين، ضمن صيغة شراكة لم توفر أية ضمانات لنزع أسلحة الحوثيين وتجبرهم على أن يتحولوا إلى طرف سياسي مجرد من الترسانة الهائلة التي آلت إليه نتيجة انقلاب 21 أيلول 2014.

لقد عارضت السعودية عبر الحكومة الشرعية، مبادرة كيري، نسبة إلى الوثيقة التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، لأنها توخت بوضوح تمكين جماعة الحوثي المسلحة، التي تعتبرها الرياض ظاهرياً حزب الله آخر عند حدها الجنوبي.

ولأن موقفها من الحوثيين بقي ظاهريا، لم تعمل السعودية الكثير لأجل إنهاء الحرب في اليمن وفق التصور المثالي الذي انتظره ملايين اليمنيين، وهو إنهاء الانقلاب وعودة الشرعية وإعادة إطلاق العملية السياسية على قاعدة الشراكة الوطنية التي لا تستثني أي طرف؛ ما دام يتقيد بقواعد العمل السياسي ويتخلى عن السلاح.

وعلى العكس من ذلك، جاءت مقاربة السعودية أكثر خطورة حيث أدارت الحرب، بأيديولوجيا مراوغة، قياساً بنهج الدولة الثانية في التحالف وهي الإمارات، فلا هي حسمتها لصالح السلطة الشرعية ومكوناتها، ولا هي اتخذت موقفا واضحا من هذه السلطة، بينما عملت الإمارات ما وسعها وبشكل واضح على صياغة نهاية خاصة بها للحرب، تضمن من خلالها، وفي أحسن الأحوال، أن يستعيد اليمن سلطته الشمولية المتمثلة في التركة السياسية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وفي أسوأ الأحوال أن يُعاد تفكيك اليمن إلى أكثر من دولة، وأن يجري احتواء بل واستئصال الأحزاب التي دعمت التغيير وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح.

إن أسوأ ما أنتجته إدارة ترامب هي أنها وجهت جزءا من عنف الثورة المضادة وقذارتها، نحو الداخل السعودي نفسه، ما سمح بتسليم السلطة لشاب طموح لم يتردد في تلبية مطالب الدولة الأمريكية في تجلياتها الترامبية، والتي كانت ترى منذ الإدارات السابقة، خصوصا إدارة أوباما، أن ما تصفه بـ"الإرهاب الإسلامي" يتغذى من الفكر الوهابي، وهو أمر يقتضي إعادة صياغة عقيدة المملكة ونسف القيم التي تتأسس عليها.

استحقاق كهذا مر بطريق شائك للغاية، وقد استهله ابن سلمان بإقصاء ولي العهد الأمير محمد بن نايف، في تقويض عنيف للتراتبية الآمنة نسبيا لانتقال السلطة في المملكة، وتجريف لهيبة العائلة المالكة وتدمير لمصالحها وحقوقها، وإقصاء حاد لأبرز أمراء العائلة، وتوجيه جزء من عملية الإقصاء الحادة هذه نحو عائلة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان قد تبنّى سياسية لا هوادة فيها وسخّر إمكانيات بلاده من أجل القضاء على الربيع العربي.

وقد كان نصيب اليمن سيئا للغاية من التغيير الدراماتيكي في بنية القيادة السعودية، ووصول الأمير محمد بن سلمان إلى منصب ولاية العهد، حيث تحولت حرب التحالف من دعم الشرعية إلى تقويضها، بالحرب والانقلابات تارة،  وبالاتفاقات تارة أخرى.

واليمن بعد كل ذلك لا يزال بين احتمالين سيئين؛ الاحتمال الأول: أن يغض الرئيس المقبل جو بايدن الطرف عن سلوك السعودية، مكتفيا بالخطوات الجوهرية التي بذلتها هي وشريكتها في التحالف (الإمارات) للتقارب مع الكيان الصهيوني، وسط توقعات بأن يسارع ولي العهد السعودي لتقديم قربان التطبيع مع هذا الكيان على مذبح الرئيس الجديد.

أما الاحتمال الثاني والأكثر سوءا، فهو أن يمارس الرئيس المقبل الضغط على السعودية لحملها على القبول بتسوية تعيد إحياء نسخة أكثر سوءا من مبادرة كيري، وحينها سيصبح اليمن أمام خطر الانهيار الذي لا يمكن تداركه، إذ سيفقد معظم اليمنيين الأمل وسيتعمق الجرح الذي أصاب كرامتهم منذ أيلول/ سبتمبر 2014، وحينها لن يبقى أمامهم سوى خوض حرب أهلية مفتوحة وطويلة الأمد.

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)