كتاب عربي 21

الولايات المتحدة تستحوذ على ربع الاقتصاد العالمي

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
تبدو الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية مستندة إلى قوتها العسكرية، وإلى قوة اقتصادها الذي يصل حجمه إلى حوالي ربع الاقتصاد الدولي، ونصيبها الكبير من التجارة السلعية والتجارة الخدمية الدولية، وكبر نصيبها من الاستثمار الدولي سواء المباشر أو غير المباشر، وهيمنة عملتها الدولار على المعاملات الدولية، وكبر حجم تحويلات العمالة منها لبلدان العالم، وضخامة المعونات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية.

وخلال العام الماضي بلغ الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 21.4 تريليون دولار، بنسبة 24.4 في المئة من الناتج الإجمالي الدولي البالغ 87.8 تريليون دولار، لتحتل المركز الأول بين بلدان العالم. وخلال السنوات الماضية لم يقل نصيبها من الاقتصاد الدولي عن نسبة 22 في المئة، رغم احتلالها المركز الثالث دوليا بعدد السكان البالغ 333 مليون نسمة، بعد الصين والهند، والمركز الثالث في المساحة البالغة 9.8 مليون كيلومتر مربع بعد روسيا وكندا.

وفي العام الماضي بلغ نصيب الفرد الأمريكي من الدخل القومي 65 ألف و760 دولار، محتلة المركز السابع دوليا في نصيب الفرد من الدخل القومي بين بلدان العالم، حتى أنها فاقت نصيب الفرد في قطر الدولة المُصدرة للنفط والغاز الطبيعي.

ومع ارتفاع دخول الأفراد وارتفاع الميل الاستهلاكي لديهم، وتوافر وسائل التمويل لكافة الاحتياجيات الاستهلاكية السلعية والخدمية، أصبحت صاحبة أكبر قيمة للواردات السلعية والواردات الخدمية بين دول العالم، وصاحبة أكبر عجز تجاري سلعي بين دول العالم.

ولقد ظلت الولايات المتحدة تحتل المركز الأول في الصادرات السلعية بين دول العالم حتى عام 2002، لتزيحها ألمانيا عن مكان الصدارة منذ ذلك العام، لكن صادرات الصين تخطت صادرات ألمانيا منذ عام 2009، ليتراجع مركز الولايات المتحدة إلى الثالث دوليا بعد الصين وألمانيا لمدة ثلاث سنوات، لتعود منذ عام 2010 وحتى العام الماضي لاحتلال المركز الثاني في الصادرات السلعية مع استمرار الصين في المركز الأول.

مكانة بارزة بالاستثمارات الدولية

وأثر ذلك على مركز الولايات المتحدة في التجارة السلعية الدولية التي كانت تتصدره، لتصبح في المركز الثاني بعد الصين منذ عام 2013، ورغم استعادتها للصدارة للتجارة الدولية عامي 2016 و2017، لكنها عادت في العامين الأخيرين لتحتل المركز الثاني بعد الصين بنصيب 11 في المئة من التجارة السلعية الدولية، رغم استمرارها بمكان الصدارة في الواردات، نظرا لكبر حجم الصادرات الصينية.

أما في التجارة الخدمية الدولية، فما زالت الولايات المتحدة تحتفظ بالمركز الأول، سواء بالصادرات الخدمية أو بالواردات الخدمية، وبالتالي بالتجارة الخدمية بين دول العالم، بنصيب 12 في المئة من التجارة الخدمية الدولية.

وفي العام الماضي بلغت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد للولايات المتحدة 246 مليار دولار، بنسبة 16 في المئة من الاستثمار الوارد لبلدان العالم البالغ 1.5 تريليون دولار، لتحافظ على احتلالها مكان الصادارة خلال السنوات العشر الأخيرة، فيما عدا عام 2014 حين احتلت المركز الثالث بالاستثمارات الواردة لبلدان العالم.

أما بالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة منها، والتي بلغت في العام الماضي 125 مليار دولار، وتمثل نسبة 9.5 في المئة من الاستثمارات الخارجة من بلدان العالم، فقد احتلت بها المركز الثاني بعد اليابان، وهي المرة الثانية التي تتخلى فيها عن مكان الصادرة بقيمة الاستثمارات الخارجة بدول العالم خلال السنوات العشر الأخيرة. ويشير حجم الاستثمارات الخارجة الضخمة إلى مدى تأثيرها على الإنتاج والتشغيل في الدول المستقبلة لتلك الاستثمارات الأمريكية.

كما تشير بيانات البنك الدولي لوجود 47.5 مليون شخص من العمالة الأجنبية داخل الولايات المتحدة، وهؤلاء بلغت قيمة تحويلاتهم لبلادهم الأصلية في العام الماضي حوالي 72 مليار دولار. وعندما يذكر البنك الدولي أن هناك 11.6 مليون مكسيكي يعملون في الولايات المتحدة و2.4 مليون هندي، و2.1 مليون صيني، و1.9 مليون من كل من الفلبين وبورتريكو، و1.4 مليون من كل من سلفادور وفيتنام، و1.3 مليون كوري جنوبى، و1.1 مليون من الدومينيكان، إلى غير ذلك من العديد من الجنسيات، يمكن تصور مدى تأثير تلك التحويلات الأمريكية على معيشة ملايين البشر في تلك البلدان.

معونات لفتح الأسواق واستمرار التعامل

كذلك عندما تبلغ المعونات الأمريكية في عام 2018 نحو 46.8 مليار دولار، مقسمة ما بين معونات اقتصادية بلغت 33.1 مليار دولار، ومعونات عسكرية بلغت 13.7 مليار دولار، يمكن تصور تأثير تلك المعونات في الدول المستقبلة لها، وهي المعونات التي يتم توظيفها لفتح الأسواق والحفاظ عليها وتحقيق أغراض سياسية وعسكرية تضمن الهيمنة الأمريكية دوليا، وفرض النموذج الليبرالي ونمط الثقافة الغربي.

وعندما يبلغ عدد السياح الخارجين من الولايات المتحدة لدول العالم عام 2018 نحو 93 مليون سائح، يمكن تصور مدى تأثير هؤلاء على إيرادات الدول المستقبلة لتلك السياحة، والتي يزيد حجمها على السياحة الوافدة للولايات المتحدة والتي بلغت 80 مليون سائح في نفس العام.

وهكذا يمكن الاستمرار في ذكر المجالات الاقتصادية التي تهيمن الولايات المتحدة عليها. ففي المجال الزراعي، هي الدولة الأولى في إنتاج الذرة والأولى بتصديرها، والثانية بمخزون الذرة بعد الصين، وفي القمح هي الخامسة بالإنتاج والثالثة في المخزون والثانية بالتصدير بعد روسيا، وفي فول الصويا هي الثانية بالإنتاج وبالتصدير بعد البرازيل، وفي إنتاج زيت الصويا هي الثانية بعد الصين. وفي إنتاج السكر هي السادسة وبمخزونه الخامسة، وفي القطن هي الثالثة بالإنتاج بعد الهند والصين والرابعة بالمخزون والأولى بالتصدير، وفي الأسمدة النتروجينية والأسمدة الفوسفاتية هي الثانية بالإنتاج بعد الصين، وفي الأخشاب المستديرة هي الأولى بالإنتاج، وفي الخشب المنشور هي الثانية بالإنتاج بعد الصين، وفي إنتاج الألواح الخشبية وفي لب الخشب هي الأولى بالإنتاج دوليا.

وفي مجال المعادن هي الرابعة في إنتاج الذهب بعد الصين واستراليا وروسيا والثالثة في تصنيعه بعد الصين والهند، وبالنحاس هي الخامسة بإنتاج الخام والرابعة بإنتاج المكرر، وفي إنتاج الصلب الخام هي الرابعة بعد الصين والهند واليابان، وفي الرصاص هي الرابعة بإنتاج الخام والثانية بإنتاج المكرر بعد الصين، وفي الزنك هي الرابعة بإنتاج الخام.

وفي مجال الطاقة هي الأولى دوليا في إنتاج النفط الخام وإنتاج المشتقات وتصدير المشتقات، وفي الغاز الطبيعي هي الأولى بالإنتاج، وفي الفحم هي الثالثة بالإنتاج بعد الصين وإندونسيا، وفي إنتاج الكهرباء هي الثانية بعد الصين.

من كل ما سبق يتضح عظم الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الاقتصاد الدولي، وهيمنتها التي تحول دون تمكين أي دولة نامية من إنتاج غذائها أو دوائها أو سلاحها، أو حتى بترولها مثلما فعلت مع فنزويلا وإيران. ولعل نموذج السودان خير شاهد، حيث يمكن له من خلال المقومات الزراعية لديه توفير الغذاء للعالم العربي، ليتم إشغاله بالحرب مع جنوب السودان ثم بالنزاع في دارفور، حتى أنه أصبح يستورد القمح منذ سنوات عديدة.

كذلك تمكنها من تحصيل إيرادات من رسوم استخدام الملكية الفكرية في العام الماضي بلغت 117 مليار دولار، وحربها التجارية مع الصين، وضغوطها التجارية على دول الاتحاد الأوروبي، وتشجيعها بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، وضغوطها على كل من كندا والمكسيك لتعديل شروط اتفاقية التجارة الحرة التي تجمعها معهما.

وانسحابها من اتفاقية المحيط الهادئ للشراكة الاقتصادية، وتعليقها المفاوضات في اتفاقية الشراكة الأطلسية مع الاتحاد الأوروبي، إلى غير ذلك من الممارسات التي تتنافي مع قواعد منظمة التجارة العالمية الخاصة بحرية التجارة، دون أن تجد من يستطيع التصدي لممارساتها.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الإثنين، 16-11-2020 12:43 م
*** رغم وجود بعض الاختلافات الإحصائية، فالمؤكد أن نسبة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة مقارنة بالناتج العالمي ككل، يتجه إلى التناقص بشدة، فهو الآن أقل من نصف ما كان عليه عند انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وهو بعد تعديله وفقاً لمؤشر القوة الشرائية GDP (PPP)، قدر في عام 2019 بما يعادل 15% فقط من اقتصاد العالم، وتلك النسبة يتوقع تناقصها باطراد، وذلك يعود إلى أن متوسط نسبة الزيادة السنوية في الناتج المحلي للولايات المتحدة أقل من تلك المتحققة في بلدان العالم الأخرى، والواقع أن الدول المتقدمة عموماُ يقل متوسط الزيادة الكلية السنوية في ناتجها القومي عن تلك التي تحققها الدول النامية، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى تناقص نسبة الزيادة السكانية في الدول المتقدمة التي تكاد أن تصل إلى الصفر، لتغير أنماط السلوك الاجتماعي فيها، وبما يعنيه ذلك من نقص فعلي في إجمالي عدد السكان، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع نسبة كبار السن فيها، بما اصبح يهدد مختلف أنشطة قطاعاتها الاقتصادية، وزيادة الأهمية النسبية لدول العالم النامي في تحقيق التنمية العالمية، رغم بقاء متوسط الدخل الفردي في غالبيتها أكثر تدنياُ بكثير من متوسط الدخل بالدول المتقدمة والغنية، ويعود ذلك إلى الحكومات الفاسدة المنعدمة الكفاءة، وليس إلى سيطرة الاقتصاديات المتقدمة الكبيرة، حيث أن اقتصاديات الدول الاستبدادية توجه إلى كفالة مصالح الطبقات الحاكمة فيها، وإهمال التنمية البشرية الحقيقية للطبقات الفقيرة، الكفيلة وحدها بتحقيق تنمية فعلية لمستويات معيشة غالبية الطبقات الشعبية.