كتاب عربي 21

غموض حول أسباب تصفية أكبر شركة حديد حكومية مصرية

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
لم يكن الأمر مفاجئا لبعض المتابعين لبرنامج الخصخصة المصري، بصدور قرار الجمعية العمومية غير العادية لشركة الحديد والصلب المصرية، في الحادي عشر من شهر كانون الثاني/ يناير الحالي بتصفية الشركة بعد 63 عاما من بداية نشاطها، حيث جرت مسبقا بعض الشواهد التي دفعت لتوقع مثل هذا القرار.

فمع بدء برنامج خصخصة شركات قطاع الأعمال العام عام 1991، توقف ضخ استثمارات جديدة بتلك الشركات، والتي كان عددها وقتها 314 شركة وأصبح أقل من 115 شركة، بعد بيع بعضها لمستثمر رئيس أو من خلال البورصة أو تصفية شركات أخرى، أو دمج بعض الشركات في شركات أخرى تابعة لقطاع الأعمال العام.

وشركة الحديد والصلب المصرية التي بدأت الإنتاج عام 1958 بتكنولوجيا ألمانية، ثم تحولت لاستخدام تكنولوجيات روسية خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت بحاجة ماسة للتطوير بعد أن تقادمت معداتها التي تحتاج لكم كبير من الطاقة ومن العمالة، بما يزيد من تكلفة الإنتاج ويقلل من تنافسية أسعار منتجاتها، خاصة بعد دخول شركات خاصة كبيرة السوق بمعدات وتكنولوجيا وطرق تسويق أحدث، بعد أن كانت تنفرد بتلبية احتياجيات السوق المحلي من منتجات الحديد خلال الستينيات من القرن الماضي.

ورغم بعض الإضافات الجزئية التي جرت في الشركة، واعتمادها على العمرات لتحسين قدرة المعدات القديمة جزئيا، ومع تراجع كميات الإنتاج عن الطاقة التصميمية للآلات، فقد ظلت بحاجة ماسة إلى التجديد الشامل.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، أصدر رئيس الوزراء هشام قنديل قرارا بطرح عملية تقييم وإعادة تأهيل الشركة على عدد من المكاتب الاستشارية، وتأخر تطوير الشركة حتى جاء عام 2014 عرض من شركة تاتا ستيل لتطوير الشركة، ورفع طاقتها الإنتاجية إلى طاقتها التصميمية البالغة 1.2 مليون طن سنوي. وفي أواخر 2016 تم طرح مناقصة دولية لتطوير الشركة وتقدمت لها تسع شركات عالمية.

إلغاء المناقصة الدولية للتطوير 2018

وجرى بالفعل فض المظاريف الفنية لعروض تلك الشركات في أيلول/ سبتمبر 2017، تمهيدا لفض المظاريف المالية لتلك الشركات لاختيار أنسبها سعرا، إلا أنه في آذار/ مارس 2018 ألغت وزارة قطاع الأعمال العام التي تتبعها الشركة تلك المناقصة الدولية، بمبرر قِدم الدراسة التي تمت عليها تلك المناقصة، وقيل إنه تم عرض الشركة على المستثمرين الرئيسيين فقامت خمس جهات بشراء كراسة الشروط، لكنه لم يتقدم منها سوى عرض وحيد لم يتم التعاقد معه.

ومن هنا وفي ظل استمرار الشركة في الخسارة منذ عام 2010 وما بعدها، فقد تحول التوجه إلى التخلص من الشركة بدلا من تطويرها، خاصة بعد تراجع كميات إنتاجها ومبيعاتها لأرقام ضعيفة لا تفي بتكلفة الخامات والعمالة والتمويل والتسويق، فقام وزير قطاع الأعمال العام في أيار/ مايو 2019، بتشكيل لجنة لتقييم أصول الشركة لتقسيمها إلى شركتين، إحداهما للإنتاج للمنتجات الصناعية الحديدية وهي الشركة الحالية، والأخرى لاستخراج الخامات المعدنية.

وواكب ذلك تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل لتقرير مصير الشركة والتي اتجهت للتصفية، وهي التوصية التي أرسلتها الوزارة إلى القيادة السياسية لحسم مصير شركة الحديد والصلب، حسب تصريح لوزير قطاع الأعمال في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، لصحيفة المال الاقتصادية.

ومع رفض مجلس إدارة الشركة الاتجاه لتقسيم الشركة، فقد تم تغيير مجلس الإدارة واستدعاء الجمعية العمومية للشركة التي وافقت على التقسيم لشركتين في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وهو أمر ميسور حيث تمتلك الشركة القابضة المعدنية التي تتبعها شركة الحديد 83 في المئة من أسهمها، وتتوزع نسبة 17 في المئة المتبقة ما بين أفراد وشركات ومصارف، بعضها شركات ومصارف حكومية.

وهكذا تم استدعاء الجمعية العامة غير العادية في الحادى عشر من الشهر الحالي لاتخاذ قرار التصفية، الذي بررته إدارة الشركة في بيان لبورصة الأوراق المالية بأنه يعود إلى عدم استطاعة الشركة تدبير أجور العاملين فيها، مع انخفاض مبيعاتها إلى أقل من 108 ألف طن في العام المالي الأخير (2019/2020)، بنقص 4 في المئة عن المبيعات في العام المالي الأسبق، وهي المبيعات التي تمثل نسبة 31 في المئة فقط من الموازنة التخطيطية تلك المبيعات، وكلها مبيعات في السوق المحلية، حيث لم تستطع التصدير لأية كميات خلال عامها المالي الأخير.

وأدى تراجع متوسط سعر طن المنتجات إلى 7886 جنيه مقابل أكثر من عشرة آلاف جنيه للطن في العام المالي السابق؛ إلى تراجع إيراداتها إلى 1.1 مليار جنيه مقابل 1.24 مليار جنيه، وبلوغ قيمة خسائرها 983 مليون جنيه خلال العام الأخير، حيث بلغت تكلفة الأجور فيها 827 مليون جنيه.

6 في المئة معدل الزمن المتاح للإنتاج

ونظرا لأن قرار التصفية قد تقرر منذ عامين، كما قال الوزير حين ذكر أن القرار تأخر لعامين، فقد ظل السجال خلال تلك الفترة وحتى الآن ما بين أنصار التصفية وأنصار استمرار النشاط. فأنصار التصفية يرون أن الخسائر المتراكمة للشركة بلغت 8.5 مليار جنيه حتى نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، بينما يبلغ رأسمالها حوالي مليارى جنيه.

كما بلغت ديون الشركة المتراكمة حوالي ستة مليارات جنيه، منها 1.5 مليار لشركة إنتاج الكهرباء، و241 مليون جنيه لشركة فحم الكوك، و165 مليون جنيه لمرفق المياه، و116 مليون جنيه لهيئة السكة الحديد، و539 مليون للضرائب والتأمينات الاجتماعية.

وإن تقادم معداتها قلل من قدرتها الإنتاجية، كما تسببت عدم قدرتها المالية على شراء الكميات الكافية من فحم الكوك، في بلوغ معدل إنتاجها من الحديد الزهر 34 في المئة فقط من الكميات التي كان يمكن إنتاجها.

كما شكل تعطيل وإيقاف العمل بالأفران خلال العام المالي الأخير نسبة 96 في المئة من الزمن المتاح للإنتاج، بحيث لم تبق سوى نسبة 6 في المئة من الزمن لاستغلالها، إلى جانب أن نسبة 81 في المئة من الصلب المنتج غير مطابق للمواصفات.

وعلى الجانب الآخر يرى أنصار استمرار النشاط أن الشركة تملك أصولا وخامات تكفي لسداد ديونها واستيعاب خسائرها، متمثلة في 790 فدانا من الأراضي بمنطقة التبين (مقر الشركة)، إلى جانب 45 فدانا من الأراضي مشتراة بنفس المنطقة، و654 فدانا بمنطقة الواحات البحرية حيث المناجم، و19 ألف متر تمثل محاجر الشركة بمحافظة السويس.

ويرون أن الدولة ساهمت في خسائر الشركة مع تعويم سعر الجنيه عام 2016، وزيادة سعر فحم الكوك 200 في المئة، والكهرباء 50 في المئة، والغاز الطبيعي 80 في المئة، والمياه 40 في المئة، وبقرار وقف البناء خلال العام الماضي، وعدم إلزام شركة فحم الكوك الحكومية بتدبير احتياجات شركة الحديد قبل التصدير.

وأن تأخر ضخ استثمارات بالشركة لسنوات طويلة هو السبب الرئيس لتراجع قدراتها الإنتاجية، خاصة وأنها الشركة الوحيدة التي تنتج جميع أشكال قطاعات الحديد، طولية ومسطحة، وأنها الوحيدة التي تعتمد على خامات محلية لكامل إنتاجها، وترتبط بنهر النيل والسكة الحديد والطرق الرئيسية، إلى جانب عمالتها المتخصصة.

ويذكر هؤلاء أن استهداف الحصول على أراضي الشركة الضخمة هو السبب الرئيس لتصفيتها، مثلما حدث سابقا مع الشركة القومية للأسمنت والتي تمتلك أراضي مساحتها 2.5 مليون متر، وأراضي شركة كفر الدوار للغزل والنسيج بمدبنة كفر الدوار التي تم الاستيلاء عليها ونقل مقر الشركة منها، وهو ما حدث مع أرض مصنع السماد بالمنصورة الذي تم الاستيلاء عليه ونقل جزء من عمالة الشركة للسويس والتخلص من غالبيتها.

والاستيلاء على 32 فدانا بشركة الدلتا للصلب وتحويلها من النشاط الصناعي إلى النشاط العقاري، بعد أن أضافت الشركة القابضة المعدنية - التي تتبعها شركة الحديد والصلب - النشاط العقاري إلى مجالات نشاطها في كانون الثان/ يناير 2019. وأضاف آخرون أن الجيش بعد أن أصبحت لديه مصانع منتجة للحديد، وحصوله على احتياجاته منه من مصانع القطاع الخاص بأسعار مميزة، لم يعد بحاجة لإنتاج شركة الحديد والصلب المحدود.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (1)
rr
الإثنين، 18-01-2021 01:52 ص
ياعم الحج...من المسفيد من البيع...البائع سيحصل على رشوه كبيره جدا...وسيكون شريك المشترى بنسبه معينه فى المشاريع التى ستقام على ارض الحديد والصلب