قضايا وآراء

تزامناً مع تنصيب بايدن.. تعويم إيراني لداعش في العراق

ماجد عزام
1300x600
1300x600
بالتزامن مع تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن، أعادت إيران تعويم تنظيم داعش في العراق بشكل دموي مريب وممجوج اللعبة الإيرانية. ستلاقي بالتأكيد هوى الساكن الديمقراطي الجديد في البيت الأبيض وفريقه تماماً، كما حصل قبل سبع سنوات مع الديمقراطي أيضاً باراك أوباما.

كانت إيران قد رعت في 2014 تمدد تنظيم داعش في العراق وسوريا أيضاً تحت أعين إدارة باراك أوباما لتحقيق نفس الأهداف التي تريد تحقيقها الآن، في ما يخص علاقاتها مع أمريكا كما هيمنتها في البلدين والمنطقة بشكل عام.

في العام نفسه سهّل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي سيطرة داعش على الموصل وإقامة إمارته الإسلامية المزعومة فيها، عبر إصدار أوامر مباشرة للجيش العراقي بالانسحاب من المدينة وبشكل مريب، كما من الحدود العراقية مع السعودية، الأمر لم ينل حتى الآن ما يستحقه من اهتمام. المالكي سهّل في السياق، وبناء على تعليمات إيرانية طبعاً، استيلاء داعش على مستودعات هائلة للسلاح الأمريكي الجديد وغير المستعمل، كما على مئات ملايين الدولارات من بنوك الموصل والمنطقة.

فعل نوري المالكي ذلك بصفته أحد أدوات إيران، وبناء على أوامر صريحة من طهران، علماً أن الجنرال قاسم سليماني القائد الفعلي للحرس والسياسة الإيرانية بالمنطقة كان هدّد قادة عراقيين - مسلمين عربا سنّة - بتدمير مدينتهم ومناطقهم بشكل عام عقاباً لهم على رفض الخضوع والانصياع للهيمنة الإيرانية، كما أن المالكي قام بإبادة سياسية لقادة ورموز الموصل ومحيطها بمن فيهم وزراء ومسؤولون وقادة منتخبون.

الأهداف الإيرانية كانت واضحة تماماً، وتضمنت خلط الأوراق لإجهاض الانتفاضة العراقية الشعبية - مركزها الموصل - المتماهية مع الثورات العربية ضد الطبقة الطائفية السياسية الخاضعة للاحتلالين الأمريكي والإيراني، ولتهيئة الظروف لاجتراح فكرة الحشد الشعبي كنسخة عراقية من الحرس الإيراني وفرض معادلة الاستقرار أو داعش بوجود الطبقة الطائفية نفسها مع تغيير في الشخوص والتضحية – شكلاً - بالمالكي، وتعويضه بمنصب آخر كنائب الرئيس لحمايته وتحصينه من المساءلة في ملفات فساد ضخمة، ناهيك عن إدانته في تقرير رسمي للجنة برلمانية لمسؤوليته المباشرة عن تسليم الموصل لداعش.

إيران كانت قد وسعت معادلتها الشيطانية الدموية إلى سوريا أيضاً لتصبح بشار الأسد أو داعش بهدف شيطنة الثورة وإفشالها، ووضع نفسها في صلب التحالفات الأمريكية الروسية - وحتى الإسرائيلية - القائمة على إبقاء نظام بشار الأسد.

الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما تماهت عن برود ولؤم وسبق إصرار مع الخطة الإيرانية، وشكلت تحالفا لقتال داعش على الأرضية التي تصورتها للمنطقة بالتحالف الضمني مع إيران وحلفائها، حيث استعانت واشنطن في المعركة ضد التنظيم بإرهابيين موصوفين في العراق وسوريا حسب تعريفها هي نفسها. وبالمشهد العام كان القتال المشترك لداعش جزءا من الاعتراف بالهيمنة الإيرانية في البلدين مقابل الاتفاق النووي سيء الصيت، شرط عدم تجاوز الخطوط الحمر الأمريكية الثلاثة؛ المتمثلة بالحفاظ على حدود سايكس بيكو، وحرية الملاحة وتصدير النفط، وعدم تعريض أمن إسرائيل للخطر، وقد عوّضها أوباما بحزمة مساعدات عسكرية غير مسبوقة هي الأضخم في تاريخ البلدين وصلت إلى 38 مليار دولار لعشر سنوات. الحزمة التي تم تمديدها أيضاً من قبل خلفه دونالد ترامب.

وبناء عليه، فقد قادت أمريكا فعلياً الحرب ضد داعش، وكل ما يقوله الحشد الشعبي الإعلامي الناطق باسم إمبراطورية الدم والوهم الفارسية عن محاربة التكفيريين غير صحيح، علماً أن الرئيس الإيراني السابق هاشمي رافسنجاني، أحد قادة الثورة والذي قتلته الطبقة الإيرانية الحاكمة بطريقة بشعة، كان قد قال ذات مرة عنهم: "متطرفونا لا يقلون خطراً عن التكفيريين".

ثمة ثلاثة شواهد على المشهد السابق الذي عشناه بأنفسنا، حيث تجاهل مبعوث أمريكا إلى التحالف الدولي برت ماكغورك سيطرة فصيل حزب الله العراقي (تصنفه أمريكا كإرهابي) المنتمي للحشد الشعبي؛ على دبابات أمريكية لشهور طويلة، بينما قال مسؤول الجناح السوري لتنظيم بي كا كا (تصنفه أمريكا إرهابيا أيضاً) أن ماكغورك أبلغه بضرورة ترتيب العلاقة مع نظام بشار الأسد بعد الانتهاء من الحرب ضد داعش، والتي وصفها قاسم سليماني نفسه بعبارات كاشفة وفاضحة: "السماء للأمريكيين والأرض لنا".

الرئيس المنصرف الجمهوري دونالد ترامب تعاطى مع إيران بشكل مختلف لعدة أسباب؛ تتضمن تحقيقها المطلوب منها لجهة مساعدة الغزاة على تدمير حواضرنا الكبرى في العراق وسوريا، أو تجاوزها حدودها وفق الاتفاق النووي السيء الذي لقي - وما زال - معارضة واسعة سياسية في أمريكا، وعجز عرّابه باراك أوباما عن تمريره في الكونغرس بمجلسيه، كما استغلال الممارسات الإيرانية التوسعية لعقد صفقات سلاح، وإطلاق عجلة التطبيع بين دول عربية وإسرائيل بذريعة مواجهة إيران.

أما خلفه بايدن فقد اصطحب فريق أوباما إلى البيت الأبيض، وتحدث علناً عن رفع العقوبات والعودة للاتفاق ثم التفاوض على إصلاح عيوبه وسد ثغراته الواسعة.

بالتزامن مع تنصيب بايدن حصلت عدة حوادث ومستجدات لافتة، حيث عادت التفجيرات الدموية المنسوبة لداعش إلى العراق، كما عمليات التنظيم المميتة ضد الحشد الشعبي، ثم جاء تصريح وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف عن استعداد بلاده للتنسيق والتعاون مع أمريكا أمنياً ونفطياً رغم ما أسماها الخلافات بين الجانبين.

تفجيرات بغداد الأخيرة بدت مفاجئة، خاصة أنها جاءت بعد فترة من التوقف، وتم الحديث عن تراخ أمني حال دون منعها مع تسريبات عن قدوم داعشيين من سوريا رغم سيطرة إيران ومليشياتها التامة على الحدود العراقية السورية، ثم جاءت العمليات ضد الحشد لحرف الانتباه عن التراخي الأمني تحت ستار وقوع ضحايا حشديين، بينما رد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بإقالة مسؤولين أمنيين موالين لإيران وتعيين موالين أيضاً بدلاً منهم، لكنه شرع ولإرضاء الحشديين في تتفيذ إعدامات لمعارضين مدانين بتهم إرهابية، رغم افتقاد محاكماتهم إلى أدنى معايير النزاهة والشفافية القضائية.

عموماً؛ أكمل تصريح ظريف الجانب السياسي للعمليات الأمنية وفضح من يقفون خلفها بتصريحه عن الاستعداد للتعاون الأمني مع إدارة بايدن بحجة مواجهة داعش ووقف العمليات، وسيكون ذلك مدخلاً طبعاً للنقاش حول العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية الصارمة ضد إيران.

في كل الأحوال، تسعى إيران للعودة إلى المعادلة السابق مع أمريكا- أوباما- بايدن؛ المتضمنة التضحية أو تجميد مشروعها النووي، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها وغض النظر عن هيمنتها الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبقاء أدواتها في السلطة التي تقبل كما مشغليها في طهران العمل ضمن القواعد والخطوط التي يرسمها الغزاة (أمريكا في العراق، وأمريكا وروسيا في سوريا).
التعليقات (0)