قضايا وآراء

كلوب هاوس ونقاشات الحالة المصرية

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
على مدار الأيام الماضية تجولت مستمعا في غرف متعددة على تطبيق كلوب هاوس للمحادثات الصوتية تناقش الحالة المصرية منذ ثورة يناير 2011 مرورا بانقلاب تموز/ يوليو 2013، وصولا لحالة التخبط والوهن الشديد التي تعاني منها أطياف المعارضة المصرية في الداخل والخارج.

سألني صديق فلسطيني مقيم في لندن سؤالا مفاجئا: لماذا أشعر أن النشطاء المصريين قد توقف بهم الزمن عند الأيام التي أعقبت انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013؟ سألته متعجبا: لماذا قلت ذلك؟ فأخبرني عن تلك الغرف التي كنت حاضرا فيها وكيف تعجب من الحماس والتعصب الذي تحدث به كثير من المشاركين حول الأسباب والمآلات والنتائج التي حدثت منذ سبع سنوات وحتى الآن.
النقاشات المصرية أغلبها يصل إلى ذات النقطة حول من أخطا في حق من، ومن تسبب في ضياع الثورة

حقيقة الأمر أنه لم يكن مخطئا، النقاشات المصرية أغلبها يصل إلى ذات النقطة حول من أخطا في حق من، ومن تسبب في ضياع الثورة، من باعونا في محمد محمود ومن خذلونا في رابعة والنهضة، الإخوان من عينوا السيسي وزيرا للدفاع ووصفوه بأنه وزير بنكهة الثورة، والعلمانيون والليبراليون هم من استدعوا العسكر للانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في التاريخ المصري.. وهكذا استمرت النقاشات وكأننا نعيش الأيام الأولى بعد مذبحة رابعة؛ يوم كان كل طرف يلقي بالتهمة على الآخر وكل طرف يعاير الآخر بما كسبت يداه.

ولكن لماذا؟ لماذا تستمر النقاشات بنفس القدر من الحدة والانفعال في كل مرة بعد مرور هذه السنوات الطويلة؟

كي نتمكم من الإجابة فيجب أن نعود معا إلى الوراء قليلا وتحديدا إلى استفتاء آذار/ مارس 2011، يوم نجح المجلس العسكري في تقسيم قوى الثورة المصرية حول إشكالية الدستور أم البرلمان وأيهما أولا، ثم امتد هذا الانقسام إلى ثنائية الشرعية للبرلمان أم الميدان، وصولا لما حدث في ذكرى الثورة الأولى؛ وهل هي احتفالية أم استكمال للثورة، وبينهما محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو والعباسية وأحداث المجمع العلمي.. انقسامات مختلفة باعدت بين قوى الثورة وعمقت الانقسام الثوري بين رفقاء ميدان التحرير، حتى وصل الأمر إلى ذروته في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي بعد الإعلان الدستوري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 وما جرى بعده من أحداث دامية في الاتحادية.

تلك الانقسامات تجلت يوم الانقلاب العسكري وما تلاه من استغلال السيسي للانقسام المجتمعي، وطلبه التفويض من قطاع من المصريين لقتل قطاع آخر من المصريين، وكان حينها شعار المرحلة "احنا شعب وانتو شعب". منذ ذلك الحين أعلن كل طرف مقاطعة الآخر، وبات كل طرف ينظر للآخر نظرة الضحية إلى الجاني، وباتت كل مجموعة تحمّل الآخرى مسؤولية ما حدث، دون النظر إلى ما وقعت فيه من أخطاء.
على مدار سبع سنوات، أغلق كل طرف على نفسه، وبات الحوار مع الطرف المخالف أمرا مستبعدا وصعبا، أصبحت كل مجموعة تتحدث مع أنصارها وفقط

على مدار سبع سنوات، أغلق كل طرف على نفسه، وبات الحوار مع الطرف المخالف أمرا مستبعدا وصعبا، أصبحت كل مجموعة تتحدث مع أنصارها وفقط.. من اختلفوا معا على فيسبوك أو تويتر أنهوا علاقتهم بضغط زر اسمه "بلوك"، وأصبح كل تيار يغني لأنصاره على اللحن والنغمة والكلمات التي يطلبها المستمعون.

ولكن ما علاقة كل هذا بتطبيق كلوب هاوس؟

إنها المرة الأولى يا سادة منذ سبع سنوات أن يجد الفرقاء أنفسهم أمام بعضهم البعض البعض في غرف مفتوحة؛ يسمعها من يشاء ويخرج منها من شاء، باتت الفرصة حقيقية وتلقائية أيضا للجميع.. ادخلوا وشاركوا وناقشوا وعبروا عن غضبكم من الآخر، ولكن كلوب هاوس يعطيكم الفرصة كي تستمعوا إلى الآخر أيضا؛ لا إلى نفس الأصوات التي تعودتم الاستماع إليها على مدار سبع سنوات.
هناك حالة جديدة تتم صناعتها عبر هذا التطبيق، هناك نقاشات حقيقية ومراجعات فكرية يقدمها رموز ونشطاء كثيرون وهناك قواعد من كافة التيارات تسمعي وتعي وتقيم وتراجع أنفسها

الأيام الماضية كانت تفريغا لشحنة من الغضب والإحباط من الجميع في وجه الجميع؛ لأنها المرة الأولى التي يجدون فيها أنفسهم وجها لوجه مع التيارات الأخرى دون مراجعة لتغريدات قبل كتابتها أو تدقيق لمنشور على فيسبوك، هذه المرة الكلمة التي تخرج لا تمكن مراجعتها ويسمعها الجميع.

من خلال الغرف التي حضرتها أستطيع القول إن هناك حالة جديدة تتم صناعتها عبر هذا التطبيق، هناك نقاشات حقيقية ومراجعات فكرية يقدمها رموز ونشطاء كثيرون وهناك قواعد من كافة التيارات تسمع وتعي وتقيم وتراجع أنفسها.

كلوب هاوس ومع الهجوم الشديد من النظام المصري عليه مؤخرا؛ أتوقع أن يلعب دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر بين التيارات المختلفة في الساحة المصرية، وربما يساهم في صناعة نخب حقيقية عبر النقاش المفتوح والمستمر، والذي لا يبدو أنه سينتهي قريبا.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأحد، 28-02-2021 07:05 م
*** نختلف مع الكاتب في تقديره "لحالة التخبط والوهن الشديد التي تعاني منها أطياف المعارضة المصرية في الداخل والخارج"، فالكاتب يخلط بين ما يسمى بالمعارضة المصرية، وبين المقاومة الحقيقية للانقلاب، وشتان بينهما، فالأولى الموصوفة بالمعارضة في الداخل والخارج، هي كيانات مصطنعة ومعارضة مزيفة وقيادات ورقية تابعة وليست متبوعة، أوجدتها سلطة الانقلاب وسمحت لها بالتواجد والحركة، لكي تلهي الجماهير، ولتضفي طابعاُ ديمقراطياُ خادعاُ على الحكم الانقلابي الفاسد، كما أن أولئك المعارضين معترفين بشرعية انقلاب 2013م على الرئيس المنتخب وعلى الحكومة المدنية الثورية ومؤسساتها التشريعية الشرعية، وتلك المعارضة المنبطحة تحت أقدام سلطة الانقلاب، والمشاركة لها في خداع جماهير الشعب، هي جزء من المنظومة الانقلابية الواجب إزاحتها، كما أن كافة تيارات مقاومة الانقلاب الثابتة منذ عشر سنوات، لم تكن في يوم من الأيام على تلك الدرجة من وضوح الرؤية، وقوة الدفع، وتمييز العدو من الصديق، وتوحد الأهداف والمسارات الثورية، ولا يعيبها ولا يوهن منها عدم وجود قيادة موحدة لها أو تنظيم واحد واجب الطاعة والاتباع، فالثورات الشعبية تتحرك جماهيرها في مسارات ثورية متوازية، وتبتكر أدواتها ووسائلها، وتنبع قياداتها الميدانية من أوساطها، وصديقك الفلسطيني المقيم في لندن قد أخطأ مثلك بقوله بأن "المصريين قد توقف بهم الزمن.."، فالثورة المصرية ونشطائها ليسوا بمعزل عن الاتجاه العام لثورات الربيع العربي المتحركة إلى الأمام، والتي قطعت مساراُ طويلاُ حافلاُ بالتضحيات، ولينظر صديقك الفلسطيني إلى ما يسمى بالسلطة الفلسطينية وجماعتي عباس ودحلان المتنافستين على رضا الكيان الصهيوني، فهما حلفاء لعصابة بن زايد وبن سلمان والسيسي في قمع شعوبهم، ولن يسقطوا إلا معاُ، وقد اشتعلت الخلافات بينهم، بعد انفضاح عمالتهم وفسادهم وفشلهم، ودع جانباُ أولئك الذين ما زالوا يثرثرون على المواقع من أدعياء الثورية، إلهاء للجماهير وتشتيتاُ لهم، وإيقاعاُ للخلافات بينهم، فأمرهم قد فضح، وإن غداُ لناظره قريب.