اقتصاد دولي

السعوديون يلجأون لوظائف "الياقات الزرقاء" لتجنب البطالة

تهدد معدلات البطالة المرتفعة بإفقار طبقة وسطى كانت مدعومة من قبل بإنفاق الدولة- الأناضول
تهدد معدلات البطالة المرتفعة بإفقار طبقة وسطى كانت مدعومة من قبل بإنفاق الدولة- الأناضول

نشر موقع بلومبيرغ تقريرا، أشار فيه إلى التحدي المحلي الذي يواجهه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو خلق الوظائف، مع تنامي معدلات البطاقة بشكل كبير في المملكة، والتي أسهمت بتفقير الطبقة الوسطى.

 

وأورد الموقع نموذجا لأخصائي الحاسوب السعودي عبد اللطيف الجرفان، الذي يحمل درجة الماجستير من جامعة أمريكية، وبعد شهور دون عمل مستقر، ارتدى روب التخرج، وبدأ في بيع الشاي المنزلي على جانب الطريق.


وكان الشاب البالغ من العمر 32 عاما يأمل في أن تجذب حركته هذه الزبائن، ولكن خلال ساعات، انتشر مقطع فيديو له على وسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل جرفان وجه البطالة في السعودية.
قال: "كنت أتقدم للوظائف، وأنتظر انفراجة، لكن لم يكن بإمكاني الجلوس في المنزل.. كنت بحاجة للقيام بشيء ما".

 

وأوضح الموقع، أن خلق فرص العمل هو أكبر تحد محلي يواجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الوقت الذي يعيد فيه تشكيل اقتصاد لطالما اعتمد على تصدير النفط والعمالة المستوردة.

 

ووصلت البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 15% العام الماضي، عندما تسبب فيروس كوفيد في انتكاسة لخطة رؤية 2030 للحاكم الفعلي لتحويل المملكة الإسلامية المحافظة إلى مركز إقليمي للأعمال والسياحة.


تهدد معدلات البطالة المرتفعة بإفقار طبقة وسطى كانت مدعومة من قبل بإنفاق الدولة. ودون تغيير جذري، فإن المشكلة ستزداد سوءا مع تدفق التضخم الديموغرافي للشباب على سوق العمل، ما يزيد من احتمالية عدم الاستقرار الاجتماعي مع تزايد الإحباطات.


ومع ذلك، في حين أن الوباء ضاعف من التحدي، فقد أدى أيضا إلى تحفيز المسؤولين وتسريع التحول في العقلية بين الشباب السعودي، الذين يتولون بشكل متزايد وظائف الياقات الزرقاء التي كانوا يتجنبونها في السابق.

 

اقرأ أيضا: انكماش الاقتصاد السعودي.. وهبوط القطاع النفطي 8.5 بالمئة
 

وتابعت بأنه يمكن الآن رؤية العمال السعوديين في كل مكان، حيث يقومون بتوصيل الطرود، وتقديم قهوة الإسبرسو، والعمل على منصات النفط المتحركة. وقالت العديد من الشركات التي يعمل بها موظفون أجانب محاصرون في الخارج بسبب عمليات إغلاق الحدود المتعلقة بكوفيد-19، إنها سرعت خططها لتوظيف السكان المحليين. في الربع الثالث، عندما انكمش الاقتصاد بنسبة 4.6 بالمئة، ارتفع عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص بأكثر من 80 ألفا.


ونقل الموقع عن نواف التركي، نائب رئيس شؤون الشركات في مجموعة روابي القابضة، وهي مجموعة سعودية لخدمات حقول النفط تعمل بشكل متزايد على توظيف فنيين محليين، قوله: "كان على من لديه شكوك في أن السعوديين لا يريدون العمل أن يخضعهم للاختبار، وكان عليهم تسريع برامجهم التدريبية.. وبصراحة، لقد ارتقوا إلى مستوى التحدي".


وفي الواقع، آتت فترة عمل جرفان كبائع متجول ثمارها، حيث حصل على وظيفة في مجاله. وبعد ستة أشهر، يستعد لإطلاق تطبيق يسمى "طبخ بلدي"، يأمل أن يدفعه إلى الأمام بربط العملاء الجائعين بمطابخ منزلية غير رسمية في جميع أنحاء المملكة.

 

وأشار إلى أنه بينما تكافح العديد من البلدان مع البطالة بسبب كوفيد-19، تعود مشكلة السعودية إلى عقود، عندما وصلت أولى دفعات من المغتربين لتطوير صناعة نفطية ناشئة.


ويشكل الأجانب الآن ثلث السكان، البالغ عددهم 34 مليون نسمة، والحكومة هي المشغل الرئيسي للسعوديين -وهو نموذج لا تستطيع تحمله- بينما يعتمد باقي الاقتصاد على العمالة الرخيصة من الدول الآسيوية والعربية الأخرى، بحسب الموقع.

 

ولفت الموقع إلى أن ثلاثة أرباع العاملين في القطاع الخاص هم من الأجانب، وغالبا ما يكدحون لفترة أطول مقابل أجور أقل، ما يجعل من الصعب على السعوديين المنافسة.


وذكر أن السلطات فرضت منذ فترة طويلة نظام الحصص والحوافز لتوجيه المزيد من المواطنين إلى القطاع الخاص، وهي عملية أطلق عليها اسم "السعودة"، لكن النتائج لم تتوافق مع النمو السكاني.

 

ونوهت إلى أن البطالة كانت تتزايد بالفعل عندما أصبح محمد ابن سلمان وليا للعهد عام 2017. وبدأت في الانخفاض في عام 2019 مع ارتفاع النمو الاقتصادي. ثم جاء الوباء، ومع تلاشي أسوأ آثار الأزمة، أصبحت السعودية عند نقطة انعطاف. ويجب أن تجد طريقة لتوظيف السعوديين دون إبطاء النمو أو تنفير المستثمرين الأجانب الذين يلعبون دورا حاسما في إصلاحات الأمير محمد، لكن غالبا ما ينظرون إلى السعودة على أنها ضريبة.


ونقل عن إيمان الحسين، زميلة سعودية غير مقيمة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، "إنها معضلة.. لا أعتقد أنه سيكون هناك حل في أي وقت قريب".


وللحفاظ على معدل البطالة ثابتا، يجب على المملكة توفير 150 ألف فرصة عمل جديدة سنويا على مدار العقد المقبل، وفقا لبلومبرج إيكونوميكس. ويتطلب خفض بطالة المواطنين إلى النصف إلى 7 بالمئة بحلول عام 2030.

 

من جهته، قال طارق التركستاني، المؤسس الشريك لشركة البريد السريع السعودية ساعي: "يكافح للتكيف مع متطلبات جديدة لسعودة الوظائف المؤقتة في غضون ستة أشهر، حوالي 70 بالمئة من السعاة المستقلين الذين يعملون معه هم من الأجانب، واستبدال السعوديين بهم يعني رفع العمولات والأسعار".

 

ويجادل العديد من السعوديين بأن السعودة لن تنجح دون تغيير جذري في سياسة الهجرة. حيث إن التغيير التدريجي في اللوائح يولد حلولا بديلة جديدة، حيث توظف الشركات عددا كافيا من السكان المحليين بالحد الأدنى للأجور للوفاء باللوائح. وفي مجتمع مسلم حيث الزواج أمر حتمي، فإن هذا يجعل من الصعب الاستقرار.


قال فواز عيد، 30 عاما، طبيب الأسنان الذي قضى ثلاث سنوات عاطلا عن العمل: "إذا مرت حياتك، فلا يمكنك استعادتها". تم تعيينه أخيرا في تشرين الأول/ أكتوبر، لكن العيادة التي يعمل فيها تدفع  له أقل من 1200 دولار شهريا، وهذا لا يكفي لأسرة.

 

واعتبارا أنه من هذا الأسبوع، سيتمكن غير السعوديين من تغيير وظائفهم دون موافقة كفيل العمل. ويقول الاقتصاديون إن ذلك يجب أن يرفع أجور الأجانب، ويسهل عليهم ترك الوظائف السيئة، ما يقلل من تذمر أصحاب العمل بأنه يصعب الاحتفاظ بالموظفين السعوديين. ولكن ذلك لا يحل مشكلة عدم التوافق بين الباحثين عن عمل السعوديين المتعلمين والوظائف المتاحة التي تتطلب مهارات منخفضة إلى حد كبير.

 

وقالت وزارة الموارد البشرية، في بيان لموقع بلومبيرغ: "نواصل دراسة الإصلاحات والمبادرات لتقليص الفجوة بين السعوديين والأجانب". كما أنها تبحث في تقليل ساعات العمل القانونية، وكيفية توجيه سوق العمل نحو "مهارات وإنتاجية أعلى".

 

اقرأ أيضا: السعودية تمدد برنامجين ماليين لدعم القطاع الخاص ضد كورونا

وتشير الدلائل القولية إلى أن سوق العمل قد تحسن منذ الربع الثالث، الذي تشكل بياناته أحدث البيانات المتاحة.


وأورد الموقع قصة أخرى، للشاب حمد الرشيد "23 عاما"، بعد تخرجه في آب/ أغسطس، تقدم لشغل جميع أنواع الوظائف -بما في ذلك مقدم القهوة في مقهى، والتي لم يكن ليفكر فيها قبل بضع سنوات. مثل الجرفان، حتى أنه باع الشاي في الشارع. في شباط/ فبراير، حصل أخيرا على وظيفة صراف في بنك مقابل 8500 ريال (2270 دولارا) شهريا.


وقال الرشيد في مقابلة داخل مساحة عمل مشتركة في الرياض مليئة بالسعوديين: "أشعر أن الطريق أمامي جيد.. قبل بضعة أسابيع، لم يكن هناك حتى طريق".

التعليقات (0)