ملفات وتقارير

من هم المشاركون والمقاطعون بانتخابات برلمان الجزائر؟

تتجه أغلب التيارات اليسارية والمحسوبة عليها لمقاطعة الانتخابات التشريعية- جيتي
تتجه أغلب التيارات اليسارية والمحسوبة عليها لمقاطعة الانتخابات التشريعية- جيتي

أفصحت أغلب الأحزاب الجزائرية، عن موقفها النهائي من الانتخابات التشريعية المبكرة، المزمع إجراؤها في 12 حزيران/ يونيو المقبل، مع تباين شديد في النظرة لهذا الموعد بين التيارات السياسية الكبرى في البلاد.


ومع قرار الرئيس عبد المجيد تبون استدعاء الهيئة الناخبة التي تعنى بانطلاق المرحلة القبلية للانتخابات، فقد بدأت الأحزاب بتنظيم لقاءاتها الداخلية وإعلان مواقفها تباعا مع ضبط أجندتها السياسية في الفترة المقبلة.


وبلغ إلى حد الآن، وفق رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، عدد الأحزاب المشاركة أكثر من 40 حزبا قامت بسحب 700 استمارة ترشح، بينما سحب المترشحون الأحرار 300 استمارة.


المشاركون

 
وباعتماد التقسيم السياسي الشائع في الجزائر، يلاحظ أن قرار المشاركة يشمل التيارين الإسلامي والوطني، بينما ستنحصر المقاطعة لدى التيار الديمقراطي الذي يضم في عمومه أحزابا يسارية بحساسيات مختلفة.


وفي الواقع، كانت قرارات أغلب الأحزاب في التيارين الإسلامي والوطني محسومة بالمشاركة حتى قبل حل البرلمان وإعلان تنظيم الانتخابات، بالنظر إلى انخراطها الكامل في المسار الانتخابي منذ الانتخابات الرئاسية في كانون الأول/ ديسمبر 2019.


ويبرز من المشاركين في التيار الإسلامي، حركة مجتمع السلم التي كانت تشكل القوة المعارضة الأولى في البرلمان السابق، إضافة إلى حركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية وحركة الإصلاح الوطني، وهي تشكيلات سياسية تنتمي فكريا إلى تيار الإخوان المسلمين.


وقد يكون استثناء المشاركة عند الإسلاميين، محصورا في أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهي حزب تم حله في سنوات التسعينيات خلال الأزمة الأمنية واحتفظ بمواقفه الراديكالية من النظام السياسي.


أما من التيار الوطني، فعبرت مختلف الأحزاب عن حماسها لدخول الانتخابات، مثل حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والتحالف الوطني الجمهوري المحسوبة على الرئيس السابق، إضافة إلى أحزاب مثل جبهة المستقبل.


وفي تبريره لقرار المشاركة، يقول ناصر حمدادوش مسؤول الإعلام في حركة مجتمع السلم، إن "حزبه يؤمن بالتغيير المتدرج، وبتراكمية الكفاح السياسي من أجل التغيير".


وأوضح حمدادوش في تصريح لـ"عربي 21"، أن حزبه يعتقد بأن "المقاطعة هي مجرد موقف سياسي وليست مشروعا سياسيا، خاصة عندما تفتقر إلى أدوات التغيير الحقيقي".


وتابع النائب السابق في البرلمان، يقول إن المقاطعة في رأيه "هي التي تضمن نصاب بقاء النظام السياسي، وهي التي تزيد في جريمة التزوير، التي تضر بالدولة قبل السلطة".

المقاطعون

لكن هذه المبررات، يراها المقاطعون للانتخابات عكس ذلك، غير واقعية، بالنظر إلى أن كل المؤشرات حسبهم، تدل على استمرار السلطة في ممارساتها التي ستفضي إلى برلمان على المقاس.


وفي صدارة من أعلنوا المقاطعة، يوجد حزب العمال ذو التوجه اليساري التروتسكي الذي دأب على المشاركة المنتظمة منذ الانتخابات البرلمانية لسنة 1997.


وبررت لويزة حنون زعيمة الحزب موقفها، بأن تنظيم الانتخابات التشريعية في الظروف الحالية لن يؤدي حتما إلى تفكيك النظام الحالي بل سيكون وسيلة لإنقاذه واستكمال واجهته.


وتعتقد حنون أن نتائج الانتخابات ستكون محسومة مسبقا، بفعل الممارسات التي تشير إلى تحضير السلطة لما يسمى المجتمع المدني لاكتساح البرلمان، ناهيك عن استمرار الغلق المطلق للإعلام، بما لا يسمح بالمناظرة السياسية.


ومن بين دوافع حزبها في المقاطعة، تضمن الدستور الجديد أحكاما تورط حسبها البرلمان في مشاركات عسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة أو الجامعة العربية، تحت ذريعة المشاركة في أعمال حفظ السلم.


أما الحزب الآخر الذي أعلن المقاطعة، فهو التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي أوضح في خطابه الأخير أن السلطة القائمة تدفع لمهزلة انتخابية جديدة بعد أن تلقت بحسبه، صفعتين بسبب المقاطعة الواسعة في الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور.


وحذت مختلف الأحزاب المشكلة لتكتل البديل الديمقراطي الداعي لإطلاق مسار تأسيسي، حذو المقاطعة مثل الحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب العمال الاشتراكي والاتحاد من أجل الرقي والتغيير.

 

اقرأ أيضا : التهميش يحول الجنوب الجزائري لـ"قنبلة موقوتة" بوجه الدولة


وبعد نحو أسبوعين، سيقرر حزب جبهة القوى الاشتراكية، موقفه الذي يسير بنسبة كبيرة نحو المقاطعة، علما بأن هذا الحزب هو الأقدم في تاريخ المعارضة الجزائرية.


وسعت السلطة في الفترة الأخيرة لاستمالة هذا الحزب، حيث عقد لقاء بين الرئيس عبد المجيد تبون وقيادته، لكن قواعد الحزب تبدو رافضة بالمطلق لخيار المشاركة في الانتخابات.


المجتمع المدني

 
لكن الرئاسة رغم رغبتها في استقطاب الأحزاب للانتخابات، إلا أنها تبدو مراهنة بشكل أكبر على منظمات المجتمع المدني في تنشيط هذا الموعد، وذلك ما يظهر في تحركات مستشار الرئيس المكلف بالمجتمع المدني نزيه برمضان.


وأنشئ لحد الآن تكتلان كبيران، هما "المسار الجديد" و"نداء الوطن"، مشكلان من جمعيات ومنظمات، في خطوة تهدف إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية ضمن توجه الرئيس لدعم المجتمع المدني.


ويقول الأستاذ الجامعي رابح لونيسي وهو من المنخرطين في المسار الجديد، إن هذا الفضاء الذي ينتمي إليه ليس هدفه الدعاية للسلطة كما يروج عن ذلك، بل هو فضاء تشاوري يضم عددا كبيرا من الحراكيين وأيضا نخبا وفاعلين في المجتمع المدني ومناضلين في أحزاب مختلفة.


وأوضح لونيسي في تصريح لـ"عربي 21"، أن هدف هذا التنظيم هو إيجاد نوع من النقاش بين كل هذه الأطراف لإيجاد حلول وخلق آليات تغيير سلس وتدريجي ومدروس، ولم لا يتم التوصل إلى مشروع مجتمع لمواجهة كل التحديات التي تواجهها الجزائر، في ظل عجز الحراك عن تنظيم نفسه ودفعه من طرف البعض إلى التطرف ونوع من العدمية دون أي آفاق، حسبه.


لكن الكثيرين ينظرون بعين الريبة إلى هذه الجمعيات التي يتم إنشاؤها، حتى إن هناك سياسيين مثل لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، وصفوها بأنها تمثل نموذج الأحزاب الداعمة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بشكل آخر.


موقف الحراك

 
وضمن كل هذا الزخم الجاري، فقد وضع الحراك الشعبي الذي عاد إلى الشارع قبل شهر تحديدا، نفسه خارج معادلة الانتخابات تماما، في استمرار لموقفه الرافض للحلول التي تقترحها السلطة منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة.


ويرفع المتظاهرون كل جمعة، شعارات واضحة تعلن مقاطعة الانتخابات، كما عاد الهتاف الشهير "لا انتخابات مع العصابات"، ويصر المتظاهرون بالمقابل على مطلب التغيير الجذري للنظام السياسي.


وشبه الناشط البارز في الحراك الشعبي عبد الغني بادي، أن الانتخابات التشريعية ستكون نوعا من المغامرة الحقيقية بالبلاد، كونها ستزيد من توسيع الهوة بين السلطة والمواطن.


وأوضح بادي في تصريح لـ"عربي 21"، أن المواطن يعلم أن ما تقوم به السلطة من خلال هذه المحطات الانتخابية ليس سوى عملية بناء على أسس غير صحيحة قد تشكل خطرا أكبرا على استقرار البلاد.


وأبرز المحامي والحقوقي أن النظام يعلم أن الانتخابات الرئاسية أو الاستفتاء الذي لم تتعد نسبة المشاركة فيه الـ23 بالمائة كان بمثابة رسالة واضحة لتدارك أخطائه، لكنه من وراء إصراره على تنظيم التشريعيات يريد فرض أمر واقع لا يختلف عما جرى نهاية سنوات بوتفليقة، وقد يكون ذلك، حسبه، باعثا أساسيا لتأزيم الوضع أكثر.

 

 
التعليقات (0)