مقابلات

مفكر سوري: تدهور الأوضاع في سوريا يقود لـ"ثورة جياع"

لؤي الصافي مفكر سوري- عربي21
لؤي الصافي مفكر سوري- عربي21

- عودة الحراك الشعبي مؤشر إيجابي على إصرار السوريين على التغيير السياسي

 

- الانتخابات لن تغير من الواقع شيئا ولن تحول دون المطالبة بإنهاء الاحتلال الخارجي

 

- لا أرى بوادر لتحركات دولية قريبا فبلادنا تحتل مرتبة متدنية في أولويات الغرب

 

- النظام لن يتمكن من العودة إلى مرحلة ما قبل الثورة.. ويجب التصدي لمحاولات تعويمه

 

- الدول النافذة حوّلت الأرض السورية إلى ساحة معركة لتصفية حسابات جيوسياسية

 

- تشتت المعارضة أدى إلى تراجع الأصوات المتعاطفة مع الثورة في المجتمعات الديمقراطية

 

 
قال المفكر والأكاديمي السوري، لؤي صافي، إن عودة الحراك الشعبي في سوريا خلال إحياء الذكرى العاشرة للثورة "مؤشر إيجابي على إصرار السوريين على التغيير السياسي، ورسالة واضحة لمَن كان يعتقد أنه قادر على إطفاء إرادة الشعب السوري الحر"، مُحذّرا من أن "استمرار الأوضاع الراهنة دون القيام بتغيير سياسي حقيقي سيؤدي إلى اندلاع ثورة جياع".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أنه لا توجد "بوادر لتحركات دولية قريبا؛ فسوريا ما زالت تحتل مرتبة متدنية في أولويات الديمقراطيات الغربية"، مستدركا بأن "النظام لن يتمكن من العودة إلى مرحلة ما قبل الثورة".

وأشار صافي، الذي شغل سابقا منصب المتحدث باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض، إلى أن "تشتت الفعل السياسي المعارض للنظام أدى إلى تراجع الأصوات المتعاطفة مع الثورة السورية في المجتمعات الديمقراطية، وزيادة نفوذ القوى السياسية التي وجدت في جهود التغيير السياسي في سوريا خطرا على المنظومة السياسية الإقليمية المتماهية مع التوجهات الدولية في المنطقة".

ودعا صافي السوريين إلى "المبادرة برص الصفوف والالتفاف حول القوى الوطنية لا القوى المدعومة دوليا. فلا بد من الوقوف صفا واحدا أمام محاولات تعويم النظام وتمكينه"، مشدّدا على ضرورة "العمل على الأرض ومن خلال مؤسسات وطنية تتعاطى مع مشاكل الشعب وعدم الاقتصار على التصريح والبيان والتعليق والنقد والاستجداء والتنديد كما حصل خلال السنوات الماضية".

وفي ما يأتي نص المقابلة كاملة:

كيف تابعتم عودة الحراك الشعبي مؤخرا في سوريا؟ وما مدى تأثر النظام بمثل تلك التحركات الشعبية في ظل اتجاهه نحو انتخابات رئاسية خلال فترة قصيرة؟ وهل النظام لم يعد يبالي بأي حراك أو انتقادات أو غيره؟

الحراك الشعبي مؤشر إيجابي على إصرار السوريين على التغيير السياسي في وطنهم ورفضهم لاستمرار نظام الأسد الذي قتل المواطنين السوريين ودمر المدن السورية وحول سوريا إلى دولة ضعيفة مستلبة للتغول الطائفي الإيراني والأطماع الروسية.

والتحرك الأخير رسالة واضحة لمن كان يعتقد أنه قادر على إطفاء إرادة الشعب السوري الحر الذي سئم من استخفاف أسرة الأسد والعصابات المحيطة بها بإدارته ومقدراته.

النظام يسعى جاهدا لشرعنة منطق القوة والاستقواء بالقوى الخارجية التي أصبحت هي صاحبة القرار الأول، والتي تعتقد واهمة بأن الانتخابات في أجواء العدوان الخارجي يمكن لها أن تشرعن النظام.

وثمة من يعتقد واهما أن بإمكانه عبر حركات بهلوانية إبعاد السوريين عن مطالبهم في الانتقال إلى دولة الحريات والقانون التي تستمد سيادتها من مواطنيها لا من أصحاب المشاريع التوسعية. لكن الانتخابات لن تغير من واقع الأمر شيئا، ولن تحول دون مطالبة السوريين بإنهاء الاحتلال الخارجي لسوريا والقيام بانتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها القوى السياسية السورية لا قوات الاحتلال.

ونؤكد أن الانتخابات لن تجلب الأمان للسوريين، ولن تطعم الجائعين، ولن تقنع أحدا بأن نظاما دمر مجتمعا يمكن أن يستمر بحكمه؛ فمنذ نصف قرن ونظام الأسد ينظم انتخابات شكلية، والشعب السوري يدرك أن الانتخابات صورية مزورة تشرف عليها أجهزة النظام الأمنية، وهو يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن مؤسسات الدولة الرسمية مختطفة من قِبل أسرة وطغمة حاكمة تفرض نفسها على السوريين بالحديد والنار.

هل تعتقد أنه ستكون هناك تحركات دولية لمحاولة إنهاء الأزمة السورية قبل إجراء تلك الانتخابات الرئاسية أم لا؟

لا أرى بوادر لتحركات دولية قريبا، فسوريا ما زالت تحتل مرتبة متدنية في أولويات الديمقراطيات الغربية. ولكن النظام لن يتمكن من العودة إلى مرحلة ما قبل الثورة. إنهاء الأزمة يرتبط بالدرجة الأولى بالقوى الوطنية السورية التي هي صاحبة القرار الأساسي في طبيعة المرحلة القادمة، ويتوقف بالتحديد على قدرة السوريين على توحيد صفوفهم والتعاون في بينهم لإنهاء النظام، والوقوف صفا واحدا أمام محاولات تعويم النظام وتمكينه.

عقب اندلاع الثورة، عُقدت عشرات الاجتماعات والمسارات السياسية التي لم تكلل بالنجاح على الإطلاق.. فما السبب في ذلك؟


السبب الأول هو موقف الدول النافذة التي حوّلت الأرض السورية إلى ساحة معركة لتصفية حسابات جيوسياسية فيما بينها على حساب الشعب السوري. والسبب الثاني هو مهارة النظام في توظيف التباينات العقدية والطائفية والقومية بين السوريين للتغطية على جرائمه والادعاء أنه وحده المتماسك داخليا. وأخيرا تساهم في ذلك حالة الشرذمة بين قوى المعارضة نتيجة لتقديم مشاريع حزبية ومناطقية وأيديولوجية وشللية أيضا على المصلحة العامة.

القوى الدولية المتداخلة في سوريا.. ما أوجه الخلاف بينهم؟ وهل هناك تفاهم وأمور مشتركة بينهم جميعا؟

 
القوى الدولية النافذة في سوريا متفقة على محاربة الحركات المتشددة التي تسعى لإقامة دولة دينية أممية على الأرض السورية، ومختلفة في كل شيء آخر. ثمة مخاوف بدأت مع دخول داعش بجناحيها العراقي والسوري إلى الساحة السورية، وهي التي وحدت روسيا وأمريكا بالدرجة الأولى. ثم هناك المخاوف الإسرائيلية والأمريكية من انهيار نظام الأسد وقيام نظام سياسي مناوئ للسياسات الإسرائيلية والغربية في المنطقة دفعت الحليفين التاريخيين إلى التعاون مع روسيا في الملف السوري.

من ناحية أخرى، أدى تشتت الفعل السياسي المعارض للنظام، وتعدد الرؤوس ممن وضع نفسه في خدمة دول إقليمية إلى تراجع الأصوات المتعاطفة مع الثورة السورية في المجتمعات الديمقراطية، وزيادة نفوذ القوى السياسية التي وجدت في جهود التغيير السياسي في سوريا خطرا على المنظومة السياسية الإقليمية المتماهية مع التوجهات الدولية في المنطقة.

هناك مساع لتشكيل كيان تحالفي سياسي جديد، يحمل اسم "الجبهة الوطنية الديمقراطية- جود".. فكيف ترى فكرة استمرار الإعلان عن كيانات وأجسام سورية جديدة؟

اتحاد السوريين في تجمعات أكبر مفيد طالما أدى إلى تعاونها لمواجهة النظام ولم تتحول هذه التنظيمات إلى قوى متصارعة على كعكة موهومة. المشكلة الأساسية في هذه الكيانات أنها تكرر الأشكال والمنهجيات السياسية التي اعتمدتها المعارضة في بدايات الثورة، والتي أظهرت فشلها بسبب إمكانية توظيفها لتحقيق مصالح القوى الإقليمية الداعمة لها.

وما تحتاجه الثورة اليوم هو تعاون بين مؤسسات مدنية وحقوقية وسياسية فاعلة على الساحة السورية ودول الجوار، والتعاون كذلك مع المنظمات التي أنشأتها الجاليات السورية الفاعلة في أوروبا وأمريكا. هذا النموذج الذي يعتمد بالدرجة الأولى على قوى سورية وطنية فاعلة، وعلى علاقات تكامل مرنة لا هرمية إدارية مركزية لم يتم تجربته حتى الآن، وهو في تقديري الأنجع. فكما تعلم قدرة المنظمات السياسية تستمد دائما من فاعلية مكوناتها.

هل هناك محاولات دولية وإقليمية لإعادة صياغة المعارضة السورية في الوقت الراهن؟ ولماذا لم تنجح المعارضة في التوحد بشكل حقيقي؟

كما ذكرت آنفا فإن عدم نجاح المعارضة في التوحد هو نتيجة لاعتمادها على حلول للصراع السوري نابعة من حاجات ومصالح دول خارجية، ربما نتيجة انعدام الثقة بالقدرات الوطنية وسوء فهمها لمحركات القرار السياسي في الدول النافذة في المسألة السورية.

والدول ليست جمعيات خيرية تعمل لتحقيق مصلحة المعارضة، بل قوى ذات مصالح تعمل على توظيف تحالفاتها لتحقيق مصالحها الخاصة. وعندما تفتقد المنظمات المعارضة رؤية وطنية واضحة فإنها تتحول إلى أدوات في يد الداعم الخارجي.

إلى أي مدى تعتقد أن هناك مخاطر حالية قد تؤدي إلى تقسيم سوريا؟ أم إن سيناريو التقسيم بات مستبعدا للغاية؟

لا أعتقد أن هناك مخاطر من التقسيم حاليا، لعدم قدرة المناطق السورية الخاضعة لمليشيات مناطقية على الاستمرار انطلاقا من قدراتها الذاتية، وكذلك بسبب استمرار الصراعات البينية بين قياداتها. الخطر الأكبر اليوم هو في انهيار المجتمع السوري بصورة كاملة، واستمرار التهجير لفترة طويلة يجعل عودة الكفاءات السورية التي فرط بها النظام أمرا صعبا بسبب تكيّفها مع المجتمعات الجديدة التي انتقلت إليها. هذا يعني احتمال تحول سوريا إلى دولة فاشلة لعقود قادمة، كما حدث في بلدان مرت بتجارب مشابهة مثل الصومال وأفغانستان.

هناك ثلاث حكومات حاليا داخل سوريا، هي: حكومة النظام السوري، وحكومة "الإنقاذ" في إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، و"الحكومة المؤقتة" في ريف حلب الشمالي.. فضلا عن "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سوريا.. كيف تنظر لهذا الأمر؟

الحكومات الثلاث تحوّلت بسبب اعتمادها الكامل على الدعم الخارجي المباشر إلى حكومات تصريف أعمال. وهي ربما تقدم بعض الخدمات التنظيمية الضرورية، ولكنها غير قادرة بسبب ارتباطاتها الخارجية وضعفها الداخلي على تلبية حاجات السوريين في تحقيق عيش كريم وتنمية الموارد البشرية والطبيعية.

ما مدى نجاح النظام في استغلال مزاعم "الحرب على الإرهاب" ومواجهة "الإسلاميين" و"الطائفيين"؟

الإرهاب هو الورقة التي عمل النظام على توظيفها بإخراج القيادات الدينية المتشددة من السجون السورية، وبتسهيل دخول داعش إلى الأراضي السورية لمحاربة قوى المعارضة. لعبة محاربة الإرهاب وتوظيف الإرهاب لتحقيق مصالحه لعبة يتقنها النظام ويستخدمها منذ عقدين لتعقيد المشهد السوري والإقليمي ومنع أي تحرك دولي ضده.

هل المحاولات الروسية لإنقاذ نظام الأسد ستنجح؟ وهل ما زالت هناك رغبة دولية في إبقاء الأسد في السلطة؟

لا أرى إمكانية نجاح المساعي الروسية لإعادة تأهيل النظام أو لخلق حالة سلم أهلي، والوضع داخل مناطق النظام سيؤدي قريبا إلى حالة غليان داخلي إذا استمر عجز النظام عن خدمة المناطق السورية التي تقع تحت سيطرته.

ولذلك، نرى اليوم الروس يتحركون على الساحة الدولة بحثا عمن يقبل بتمويل النظام. ولكنها جهود غير مثمرة بسبب المستوى غير المسبوق الذي وصل إليه النظام في الإفراط في القتل والتدمير، وبسبب أيضا الوضع الاقتصادي الدولي المتدهور بسبب جائحة كورونا التي شلت الاقتصاد العالمي، وعجز حلفاء النظام العرب عن كسر القيود التي وضعها قانون قيصر لمنع تمويل النظام.

المفكر السوري برهان غليون قال: "إذا لم ننجح في الأشهر القليلة المقبلة في دفع الدول إلى الالتزام الجدي بالعمل على الحل وإنهاء المحنة السورية، فينبغي أن نحضر أنفسنا لانتفاضة جوع سلمية جديدة".. فما فرص نجاح قيام انتفاضة أو ثورة جياع؟


أتفق مع برهان في أن استمرار الحالة السورية دون القيام بتغيير سياسي حقيقي سيؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي في سوريا، وإلى ثورة جائعين. مَن يستطيع تحريك عجلة الاقتصاد السوري منفي خارج البلاد بسبب دموية نظام الأسد وامتلاكه أداة وحيدة في جعبته، وهي المطرقة التي يضرب بها كل حراك سياسي يهدف إلى حل سياسي يخرج سوريا من مأزقها التاريخي.


كيف تنظر للموقف الأمريكي من أزمة سوريا في ظل إدارة بايدن؟ وهل يمكن أن يتطور "قانون قيصر" ويتحوّل إلى تحرك عسكري أمريكي واتخاذ إجراءات أشد صرامة أم لا؟

أستبعد أن نرى أي حراك عسكري حقيقي لمواجهة النظام ودعم المعارضة. فالولايات المتحدة مرتبطة منذ سنوات بجملة من التفاهمات والتحالفات التي تضم إسرائيل وروسيا ستجعلها غير قادرة على التحرك بمفردها.

كما أن الوضع الصحي والاقتصادي داخل الولايات المتحدة سيبقي إدارة بايدن مشغولة حتى منتصف عام 2022 على أقل تقدير في معالجة التحديات الداخلية. والصين وروسيا، لا سوريا، هما أولوية إدارة بايدن.

البعض يدعو إلى وجود أفكار وحلول من خارج الصندوق لإنهاء الأزمة السورية.. فكيف يمكن إنهاء تلك الأزمة الآن برأيكم؟

سوريا تحتاج إلى أفكار جديدة للخروج من المأزق الحالي، وهذه الأفكار يجب أن تدور حول البحث عن تقاطعات مع القوى السياسية العابرة للمكونات السورية جميعا، بما فيها قوى موجودة داخل مناطق النظام ومناطق قسد.


وتحتاج بلادنا إلى تعاون مع منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية المعارضة في الدول المتدخلة في المسألة السورية لمواجهة حملات التضليل التي يقودها حلفاء النظام واليمين المتطرف الذي يتابع بارتياح الصراع المستمر في المنطقة، والذي يزيد المجتمعات المشرقية تفتتا وضعفا.

في تصورك، إلى متى سيستمر نظام الأسد في موقعه؟

ممكن أن يستمر الوضع إلى وقت طويل يصعب تحديده بدقة. الحالة السورية لم تظهر من عدم، بل نتيجة شروط اجتماعية وسياسية موضوعية، وستبقى المنطقة على حالها طالما استمرت هذه الظروف.

وتقليص مدة المعاناة يتطلب أن يتوقف السوريون عن توجيه إصبع الاتهام إلى خارج الوطن، رغم استفادة أعداء الوطن مما يجري، وتحمل مسؤولية الواقع الذي آلت البلاد إليه. 

المطلوب من السوريين المبادرة لرص الصفوف والالتفاف حول القوى الوطنية لا القوى المدعومة دوليا، لأنها تحقق بسلوكها ومنطقها مصالح داعميها.

والمطلوب كذلك العمل والمبادرة على الأرض ومن خلال مؤسسات وطنية تتعاطى مع مشاكل السوريين وعدم الاقتصار على التصريح والبيان والتعليق والنقد والاستجداء والتنديد كما حصل خلال السنوات الماضية.

التعليقات (0)