آراء ثقافية

قصة جائزة "البوكر".. الرواية المجبولة بعرق العبيد

خلال أكثر من نصف قرن كرّست "البوكر" نفسها واحدة من أهم الجوائز الأدبية ذات الصدى العالمي- أرشيفية
خلال أكثر من نصف قرن كرّست "البوكر" نفسها واحدة من أهم الجوائز الأدبية ذات الصدى العالمي- أرشيفية

خلال مباراة وديّة في الغولف، اتّفق الصديقان البريطانيان "جوك كامبل" رئيس شركة "بوكر للتجارة والشحن البحري"، و"إيان فيلمنغ" صاحب دار النشر التي تحمل اسمه، على شراء الشركة الأولى حصة النصف زائد واحد من أصول الشركة الثانية، التي تعدّ من كبريات الشركات العالمية في صناعة الكتب، وكانت آنذاك تملك حقوق النشر لأعمال "آجاثا كريستي" و"هارولد بنتر"، وغيرهما من الكتاب المشهورين. 

جرى الاتفاق بين رجلي الأعمال عام 1964، وبعده بأربع سنوات أعلن "كامبل" ودار "فيلمنغ" عن إطلاق جائزة "البوكر" للأدب الروائي. وظلّت الجائزة تُمنح سنوياً لأفضل رواية مكتوبة باللغة الإنجليزية، ومنشورة في المملكة المتحدة وإيرلندا، ابتداء من عام 1969 حتى اليوم.

لم يكن تعظيم الأرباح هو الدافع الوحيد وراء اقتحام الشركة، المتخصصة في الشحن وتجارة المنتجات الزراعية والتأمين، عالم صناعة الكتب البعيد عن مجالات عملها. 

لقد أراد "كامبل" أن يرفع بعض الحرج عن التاريخ الاستعماري السيّئ لشركة "بوكر"، وذلك من خلال إطلاق جائزة أدبية تهدف إلى تمتين الروابط بين بريطانيا ومستعمراتها السابقة، وتدعيم جسور التواصل الثقافي بين بريطانيا وفضائها الإنجلوفوني. 

تعود بدايات الشركة إلى عام 1815 عندما ركب "جوسياس بوكر" البحر من مدينة ليفربول الإنجليزية، متجهاً إلى مستعمرة غويانا البريطانية الواقعة على ساحل الكاريبي شمال شرق القارة الأمريكية اللاتينية. وكان ذلك بعد ثماني سنوات من القرار الذي أصدرته الإمبراطورية البريطانية العظمى بإلغاء تجارة العبيد.


شهية المستعمر البريطاني الشاب كانت مفتوحة للعمل في تجارة السكّر والقطن في حوض نهر "ديميريرا"، فتولّى إدارة شركة "بروم هال" لصناعة القطن.

"جوسياس" كان ترتيبه الثاني بين سبعة إخوة لأب يعمل طحّاناً في مدينة "لانكشير" الريفية شمال غرب إنجلترا. وسرعان ما انضمّ إليه أخواه "وليام" و"جورج". وأسس الأخوة الثلاثة شركة للشحن والتصدير في تجارة السكر والقطن والأخشاب، الواعدة بأرباح وفيرة

ألغيت تجارة العبيد، لكنّ العبودية ظلّت الأساس للتجارة الاستعمارية في غويانا. واستمرّ آل "بوكر" في استغلال جهود مئتين من العبيد "المحررين" في أعمالهم التجارية.

وفي عام 1827 عاد "جوسياس" إلى ليفربول ليتزوج، وتولّى "وليام" إدارة الشركة، بينما أصبح "جورج" عضواً منتخباً في إدارة المستعمرة. ونشط الأخوان في توسيع أعمال الشركة العائلية. 

لم يتخلّ آل "بوكر" عن استخدام العبيد إلا في 1834، بعد صفقة مع الحكومة البريطانية، اشترت بموجبها حصة من أعمال الشركة بمبلغ 2,884 جنيها (تعادل 378,000 جنيه حالياً). وسُجّلت الشركة الجديدة باسم "شركة بوكر للتجارة والشحن البحري".

ونصت الاتفاقية على أن تتخلّى شركة "بوكر" عن استغلال العبيد في أعمالها في غضون أربع سنوات. وخلال المدّة المتفق عليها، استبدلت الشركة بنظام العبيد نظام العمل بالسخرة، واستمرّت لمدة أربع سنوات، في استخدام العبيد الأفارقة المحررين من دون أن تدفع لهم أجراً بوصفهم عمالاً متدربين.

وفي العام 1838، استحدثت الإمبراطورية الاستعمارية نظاماً يسمح بتسييل الإيدي العاملة مجاناً بين مستعمراتها، فاستقدمت شركة "بوكر" آلاف العمال من مستعمرة الهند الشرقية للعمل في مزارع السكر والقطن في غويانا. 

وبحلول عام 1917 صار العمال القادمون من شرق الهند يشكلون أكبر مجموعة عرقية في غويانا، إلى جانب الأفارقة، والهنود الأمريكيين، والصينيين، والبرتغاليين.

رفعت بريطانيا وصايتها عن غويانا عام 1966. وغادرت منطقة الكاريبي مخلفة خليطاً عرقياً معقداً وغير متجانس، وكثيراً من الأخطاء والعذابات الناجمة عن سياساتها الاستعمارية الطويلة هناك. 

أرق الضمير من ماضيها الاستعماري، كان الدافع وراء الاحتفاء الكبير في بريطانيا، بفوز الكاتب الترينيدادي الكاريبي من أصول هندية "فيدجارد بينبول" بجائزة "البوكر" في نسختها الثالثة عام 1971، عن روايته " في بلاد حرة". 

وعبّر القائمون على الجائزة عن إدراك مؤسسها "كامبل" للآثار الفادحة الناجمة عن تاريخ العبودية في منطقة الكاريبي. ومن جهته كتب "بينبول" يصف واقع الحال في بلاده خلال جولاته في الساحل، قائلاً إن كل شيء هنا مطبوع بالظلّ الثقيل الذي خلّفته عائلة "بوكر" في كل أنحاء البلاد، ووصف تلك الآثار الاستعمارية بأنها ماض لا يمكن محوه أو إصلاحه.

وفي الخطاب الذي ألقاه الكاتب البريطاني "جون برغر" بمناسبة فوزه بجائزة "بوكر" عام 1972، قال إن الحضارة الأوروبية الحديثة قامت على أكتاف العبيد، الأمر الذي يشكّل معضلة بينه وبين الثقافة التي ينتمي إليها. وأنهى كلمته بأمنية أن يتحول الصراع القديم بين العبيد والأسياد، إلى فرصة ممكنة للمساواة التامة بين أحفاد الطرفين. 

في عام 1976 أمّمت جمهورية غويانا المستقلة كل الأصول التجارية التابعة لعائلة "بوكر". لكنّ البلد ظل جزءاً من الكومنويلث البريطاني، ويعيش أكثر من 40% من سكانه تحت خط الفقر. 

في عام 2002 استقلت جائزة "بوكر" عن الشركة الأم ذات الماضي الاستعماري الراعية لها. وأنشئت جهة مستقلة غير ربحية لإدارة الجائزة ورعايتها باسم مؤسسة "مان". ولم يجد مجلس الإدارة الجديد بدّاً من احتفاظ الجائزة باسمها الذي عُرفت واشتهرت به خلال ثلاثة وثلاثين عاماً من عمرها، لكنه أضاف اسم المؤسسة الراعية الجديدة إلى الاسم القديم، فصارت تحمل اسم "مان بوكر". 

واستمرّ الحال على ما هو عليه حتى العام 2019، عندما تولّت مؤسسة جديدة إدارة شؤون الجائزة، هي مؤسسة "كرانكستارت"، فأعادت للجائزة اسم "بوكر" من غير زيادة. 

واختار "مايكل موريتز" مدير المؤسسة الجديدة الراعية للجائزة، أن يركّز على المعنى الأدبي "للبوكر"، فكتب يقول "لا أحد يستطيع أن يتخيل انقضاء يوم واحد من حياته، لا يخصص فيه وقتاً لقراءة الكتب". 

وأضاف يحدد أهداف الجائزة بأنها "وسيلة لنشر الرؤى والاكتشافات والمتع النابعة من الأدب العظيم". 

خلال أكثر من نصف قرن كرّست "البوكر" نفسها واحدة من أهم الجوائز الأدبية ذات الصدى العالمي، واستحدثت فرعاً عالمياً للأدب المترجم إلى الإنجليزية المنشور في بريطانيا، واستُنسِخت في روسيا والعالم العربي. لكنّ خدماتها الجليلة للأدب المعاصر ستظل تحمل في جيناتها مورّثات القبح الاستعماري، وكل جنيه تنفقه الجائزة من رأسمالها الأصلي يبقى مدموغاً بعار العبودية.


التعليقات (2)
سلوم الرابع عشر
الخميس، 15-04-2021 02:27 ص
الشيطان الأوروبي الأبيض يجيد التخفي والتملص من ماضيه الأسود المقيت ، لكنه مهما حاول ذلك فهو ملتصق به ولصيق به داخلياً ، يستحلون عرق الآخرين وأرواحهم أحيانا ، وورثهم الصهاينة في هذا .
sandokan
الثلاثاء، 13-04-2021 11:54 ص
^^ دعوة لحفظ الشعر مع أغنية إيطالية ^^ ( أدب ) هل يمكن حفظ الشعر عن ظهر قلب بأهمية حفظ جداول الضرب و تواريخ الأحداث و المناسبات ؟ بعض التربويين الانكليز يعتقدون ذلك . و قد وجهوا مؤخراً الدعوة لحفظ الشعر عن ظهر قلب و عديمة النفع في نظر الأجيال المتعلمة في بريطانيا . و يعزو التربويون عزوف الناس عن حفظ الشعر إلى أسباب عديدة شتى منها وصفهم حفظ الشعر بعملية ميكانيكية خالية من أي قيمة تربوية ، و قد يثير تفوق البعض فيها الغيرة و الحسد بين صفوف الطلبة . وأوضحت صحيفة '' الأوبزرفر '' في دراسة شيقة حول هذا الموضوع الفرق بين عملية الحفظ عن ظهر قلب و الحفظ دون استيعاب للمعنى ، و أشارت إلى ضرورة الأثنتين ، فأحياناً الأولى تتبع الثانية . في الماضي كانت علاقة الشعر بالموسيقى متينة و لا يمكن الفصل بينهما '' الشعر هو موسيقى اللغة ، و الموسيقى هي شعر الصوت '' ، الا أن الشعر اكتسب بمرور الزمن استقلالية متزايدة لتلاوته بطريقة تشبه دندنة مقطع موسيقي مع انفسنا تعبيراً عن مزاج عابر . فالأسطر الشعرية المتلاة تمنع متعة مماثلة . و يختلف الأمر عندما نقرأ الشعر من كتاب . هذا جانب يفهمه الممثلون جيداً . فان المامهم بالمسرحية يفوق المام الجمهور المستمع لأنهم يعيشون العالم الداخلي للأسطر و يفهمون كل خلجاتها بنفس الطريقة التي يشعر بها من يحفظ قصيدة ما عن ظهر قلب . فهم يخوضون التجربة من الداخل ، يتذوقون نكهتها الأصيلة أكثر من القارئ العادي . و يساعد الايقاع و القوافي نسبياً في عملية الحفظ ، خصوصاً إذا حصل ذلك في مراحل مبكرة من الحياة . ينبغي التدرب بالتدريج منذ الطفولة على قصائد بسيطة يتصاعد تعقيدها بتقدم العمر . المراهقة تعتبر أفضل مرحلة للحفظ ، فمرونة الدماغ تجعل من السهل تقبل الأبيات الشعرية و تمتلها لتكون عوناً لا غنى عنه في اثراء رؤيتهم للعالم في الكبر . و من الضروري البدء بأناشيد الأطفال ثم الانتقال إلى الشعر الجاد الذي يخاطب كل الأجيال .. لكن بعض المدرسين الانكليز يدعون خطأ بصعوبة فهم طلبتهم الشباب و استيعابهم للشعر الجاد المعاصر . ان ما يعلق في الذاكرة سيكون حتماً بعض أبيات و مقاطع و أسطر من قصيدة أو جمل مفردة ، تؤلف كلها ثروة نستطيع أن نستمد منها المتعة و العون في لحظات السعادة و المرح أو الحزن و الألم . و تذكر '' الأوبزرفز ' ' أنه طلب مرة من '' كلمنت اتلي '' زعيم حزب المعاضة السابق في البرلمان البريطاني أن يكتب مقالة عن الأذواق الأدبية في مجلة تعنى بشؤون الفن و الأدب . و قد فاجأ الزعيم السياسي المجلة بعمل أدبي مؤثر و رائع يعكس روحاً رومانتيكية مرهفة تخالف مظهره الباهت ، '' روحاً أغتنت عبر الحياة بولع حقيقي في الأدب و الشعر . خلال لحظات المعاناة و الكفاح السياسي كانت تلاوة الأبيات الشعرية ـ مثل مقاطع من '' الفردوس المفقود '' لملتون ـ عوناً له في رفع معنوياته . كان محظوظاً بحق لامتلاكه ثروة شعرية كهذه في متناول اليد داخل دماغه و في أعماق قلبه '' ! . ( بيلا تشاو ) هذا الصباح ... من نومي صحوت ... وداعاً يا حبيبتي الحلوة ، وداعاً ياحُلْوَتي ... وداعاً ... وداعاً .. هذا الصباح ... من نومي صحوت وجدت '' بلدي '' مُحتلاً غَازْياً .. أيها المناضل ، خدني معك .. فأنا '' تحت نِير الاحتلال '' أشعر بالموت كل حين .. لما لا أمُت إذن و أنا أناضل ؟ ... وداعاً يا حبيبتي الحلوة ، وداعاً يا حُلْوَتي ... وداعاً ... وداعاً لما أمُت إذن و أنا أناضل ؟ .. وصيتي إليك عندها '' يا حُلْوتي '' أن تدفينيني واريني الثرى هناك أعلى الجبل .. وداعاً يا حبيبتي الحلوة ، وداعاً يا حُلوتي .. وداعاً .. وداعاً .. و أريني الثرى هناك أعلى الجبل .. في ظلال زهرة جميلة .. سيمر الناس أمامها .. وداعاً يا حبيتي الحلوة ، وداعاً يا حلوتي .. وداعاً ... وداعاً .. سَيَمُرُّ النَّاسُ أمامَها و سيقولون لكِ : كم هي جملية تلك الزهرة .. قولي لهم إنها زهرة '' الشهيد المناضل '' وداعاً يا حبيبتي .. قولي لهم إنها زهرة '' الشهيد المناضل '' ضحى بحياته من أجل الحرية .