كتاب عربي 21

الأعداء!

طارق أوشن
1300x600
1300x600

الأكيد أنه ليس للمغرب من عدو أكبر من نفسه ومسؤوليه وحاكميه. ففي الوقت الذي تواجه فيه البلاد حملة قوية تقودها إسبانيا، كدولة وأحزاب، لجر الاتحاد الأوروبي طرفا في الأزمة البينية بين البلدين، وهو ما سيتأكد بإصدار بيان البرلمان الأوروبي الذي يشير صراحة، في مسودته، إلى أن مدينة سبتة المحتلة "مدينة أوروبية" وحدودها حدود أوروبية وجب الدفاع عنها وحمايتها، مع تحميل المغرب مسؤولية استخدام الهجرة، وخصوصا القاصرين، كورقة ضغط على الأوروبيين كما سبق لتركيا الأردوغانية أن فعلت قبل سنوات، لم تجد وزارة الخارجية المغربية، من وسيلة لتقوية الجبهة الداخلية، الضامن الوحيد لمواجهة التحالف الأوروبي في غياب أي دعم إقليمي أو عربي، غير تحويل أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى "أعداء" أو "أبناء عاقين" يكفرون بالمغرب ومؤسساته، وهم الكتلة البشرية العظمى والقوة المغربية "الناعمة" القادرة على الضغط في سبيل التخفيف، على الأقل، على البلد الأم في المواجهة المعلنة مع بعض الدول الأوروبية واتحادها الإقليمي. 

 

عودة المهاجرين المغاربة

لقد أصدرت وزارة الخارجية المغربية، في يوم عطلة رسمية وفي ظلمة الليل، قرارا اعتبرته "إجراءات تدريجية جديدة لتخفيف القيود على تنقل المسافرين الراغبين في الولوج إلى التراب الوطني" بهدف "تسهيل عودة المغاربة المقيمين بالخارج إلى أرض الوطن". 

لأجل ذلك، قسمت دول المعمور إلى لائحتين، وفرضت على المواطنين المغاربة المقيمين في أكثر من سبعين بلدا استصدار "تراخيص استثنائية" للولوج إلى بلدهم في ضرب تام للدستور الذي يكفل حرية التنقل، ولمفهوم المواطنة والانتماء. هكذا صار المغربي ممنوعا عن بلده بقرار حكومي لا يستند إلى أساس قانوني أو علمي يمكنه أن يبرر ما لا يمكن تبريره شكلا ومضمونا.

الأدهى أن نفس البيان فرض على القادمين حجرا صحيا لمدة عشرة أيام بسبب ما اعتبره "انتشار السلالات المتحورة بها أو غياب إحصائيات دقيقة حول الوضعية الوبائية" عكس دول اللائحة الأولى التي "تتوفر على مؤشرات إيجابية فيما يتعلق بالتحكم في الحالة الوبائية". وإن كان للحكومة المغربية "سلطة" لفرض القيود على مواطنيها، فلا حق لها في تقييم دقة إحصائيات الدول الأجنبية وإصدار شهادات النجاح وصكوك التفوق في مواجهة فيروس كورونا من عدمه، وإلا اعتبر ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية للبلدان المعنية وغيابا للغة الديبلوماسية والاحترام المفروض في العلاقات، وهو ما يفتح المجال لخلق "عداوات" يمكن استغلالها للتأثير في القضايا المغربية المختلفة خصوصا عندما يتعلق الأمر بدول مجلس التعاون الخليجي التي بنيت العلاقات معها لعقود، لدرجة دعوة المغرب للانضمام لصفوفه قبل سنوات. 

ولأن الكوارث لا تأتي فرادى، فقد استثنى بيان الخارجية المغربية، المملكة العربية السعودية، دونا عن بقية بلدان الخليج، من الإجراءات مما قد يساهم في نكي جروح وإذكاء حزازات طالما سعى المغرب، حسب الخطاب الرسمي، لتطييبها وإخمادها. دعم دول الخليج العربي مهم للمغرب في وقت تخلى عنه فيه كثير من الأصدقاء والأعداء وتركوه وحيدا في مواجهة التكتل الأوروبي المتشكل ضده ولا يزال.

 

وقد آن الأوان للمغرب أن يختار الأصدقاء ويعلن عن الأعداء، وهو ما فعله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون صراحة ودون مواربة.

 

مواقف جزائرية

قبل أسابيع أصدرت الرئاسة الجزائرية قرارا بمنع المؤسسات الجزائرية من التعامل مع شركات أجنبية موالية لكيانات معادية للبلاد، وكان القصد وقتها شركات تجارية مغربية. وكان الاعتقاد سائدا أن القضية مجرد تنافس اقتصادي يحق لكل الدول أن تستخدم فيه أسلحتها القانونية تقليلا من الأضرار أو تعظيما للأرباح. لكن حوارا أجرته مجلة "لوبوان" الفرنسية مع الرئيس الجزائري أكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن العداء مستحكم بين البلدين الجارين. 

فعندما يقول الرئيس عبد المجيد تبون إنه "لا يمكن فتح الحدود مع طرف آخر يهاجمك بشكل يومي" وأن "المغرب كان دوما المعتدي"، وأن الجزائر "لن تهاجم جيرانها أبدا" لكنها سترد إذا تعرضت لـ "هجوم لكني أشك في أن يحاول المغرب ذلك في ظل ما هو عليه موازين القوى"، يصبح لكلماته وزن ولتعبيراته معنى لا يحتمل التأويل. 

لقد حددت الدولة الجزائرية، على لسان رئيسها، عدوا واضحا هو المغرب وإن استدرك في حواره وخصص العداء لـ "النظام الملكي"، بل زاد متحديا أن "المغاربة الذين يعيشون في الأراضي الصحراوية سيصوتون بالإيجاب لاستقلال الصحراء لأنهم لا يرغبون في أن يكونوا مجددا رعايا للملك". هو ذات الملك الذي أرضاه دونالد ترامب بتسليمه "أرضا بأكملها وبكافة سكانها"، قبل أن يؤكد أن الاعتراف الأمريكي ذلك هو والعدم سواء. بهذا الحوار انتقلت محاولات إهانة المغرب ورموزه من القنوات التلفزيونية والصحف الصفراء إلى أعلى هرم الدولة الجزائرية في تطور غير مسبوق ربما.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كان قد صرح في تموز (يوليو) 2020 لقناة "فرانس24" أن "صوت العقل كان دوما الأعلى في علاقات المغرب والجزائر"، وأنه بانتظار مبادرة مغربية لإنهاء الأزمة بين البلدين. وفي أيلول (سبتمبر) من نفس السنة صرح أنه "لا مشكلة مع المغرب الشقيق". 

 

يبدو أن التطورات على الأرض وفي المجال الديبلوماسي، الذي يقول المغرب إنه حقق فيهما نجاحات كبرى تمثلت في تطهير معبر الكركرات وتوالي فتح القنصليات بمدن الصحراء وخصوصا الاعتراف الأمريكي بـ "سيادته" على الصحراء في صفقة شملت البدء في عملية إعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني، غيرت الخطاب الجزائري وطبعته بحدة غير مسبوقة

 



ينسى الإخوة في الجزائر أن ملك المغرب كان مبادرا إلى اقتراح آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، وطالبت الحكومة السلطات الجزائرية في نفس الشهر بإعلان ردها الرسمي الذي لا يزال حتى اليوم مبنيا للمجهول. 

ويبدو أن التطورات على الأرض وفي المجال الديبلوماسي، الذي يقول المغرب إنه حقق فيهما نجاحات كبرى تمثلت في تطهير معبر الكركرات وتوالي فتح القنصليات بمدن الصحراء وخصوصا الاعتراف الأمريكي بـ "سيادته" على الصحراء في صفقة شملت البدء في عملية إعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني، غيرت الخطاب الجزائري وطبعته بحدة غير مسبوقة كان قد بدأها السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الشعبي، بخطاباته وتهديداته المبنية للمجهول وبياناته التلفزيونية المتوعدة، لتنتهي إلى رأس هرم الدولة. 

ولعل في "نجاح" المغرب في كشف خيوط عملية إدخال إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو إلى إسبانيا بجواز جزائري وهوية مزورة، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فسارع الإثنان لمعايدته بمجرد عودته "سالما غانما" في مشفى جزائري.

يعتبر كثيرون أن التصريحات الجزائرية مجرد محاولة متجددة للفت الانتباه بعيدا عن "أزمته السياسية الداخلية" وفشله في تسويق النظام "الجديد" ممثلا للحراك وبديلا عن حكم ما يسميه الرئيس بحكم "العصابة". ولعل في الحساسية الجزائرية المفرطة من هذا الموضوع ما يبرر مسارعة سفير البلاد في باريس إلى اتهام صحيفة لوموند الفرنسية بإظهار "عداء كبير" اعتمادا على عنوان افتتاحية اعتبره "فاضحا": (الجزائر في مأزق استبدادي). وكان لابد للسفير أن يدخل المغرب في احتجاجه، ولو لمزا، حين تساءل إن كانت الصحيفة تخدم المصالح الغامضة للجماعات المناهضة للعلاقة السلمية بين الجزائر وفرنسا. 

الرئيس تبون كان أكثر وضوحا في حواره مع مجلة لوبوان حين تحدث عن لوبي مضاد لمصالح بلاده واقع تحت التأثير المغربي "يجرم" التعامل مع الجانب الجزائري. لكن حدة الهجوم واستهدافه المباشر للنظام الملكي، بلغة تخلو من الديبلوماسية، دفع البعض إلى إعلان تخوفه من محاولات "افتعال حرب" خصوصا مع الحديث المتواتر قبل أشهر بخصوص بناء قاعدتين عسكريتين جزائريتين على الحدود ردا على خطوة مغربية مماثلة، أو طرد مزارعين مغاربة كانت الاتفاقات تحصنهم من مغادرة أراضيهم الفلاحية الواقعة داخل التراب الجزائري. 

إظهار "عدو خارجي" للبلاد كان دوما حلا لتصريف الأزمات الداخلية والالتفاف على المطالب المنادية بالإصلاح.

الأوضاع المتقلبة بمنطقة شمال إفريقيا وغيرها من مناطق العالم في إطار سعي محموم من القوى الكبرى لإعادة بناء التحالفات ورسم الخرائط، يجعل المغرب، الساعي حسب رسمييه للتحول إلى قوة إقليمية تتبنى الندية في علاقاتها الخارجية، مطالبا بتوسيع دائرة الأصدقاء، وتقوية الجبهة الداخلية واستغلال الفرص المتاحة وتحديد الأعداء بوضوح. إعطاء الفرصة لهؤلاء الأعداء للنفاذ ضد المصالح المغربية من أبواب وشبابيك يمكن تحصينها خطأ فادح يستوجب التصحيح أو المساءلة في حال التمادي فيه. 


عبد المجيد تبون أعرب، من خلال قناة الجزيرة قبل أيام، أنه لا مشكلة للجزائر مع المغرب لكن يبدو أن الرباط من لها مشكلة مع بلاده، واقترح الجلوس على طاولة حوار..


التعليقات (1)
المغربي
الخميس، 10-06-2021 06:11 م
السيد أوشن, أنا من القراء المتابعين لمقالاتك. المشكل هو نظام العسكر الحاكم فيما يسمى بجمهورية الجزائر, هذا لم يعد رأيا بل قناعة عند كل العقلاء و المنصفين في بلاد المغرب الكبير. صحيح, يمكن إنتقاد المملكة المغربية في مسائل تتعلق بالسياسة الداخلية (خصوصا بعد إقالة السي بنكيران) في الأربع سنوات الأخيرة, لكن في علاقتها بالجزائر فالمملكة على حق, بل بالعكس إنها في منتهى الرزانة و الكياسة أمام صفاقة و شرور العسكر الحاكم في الجزائر التي وصلت حد دعم و تمويل جماعة مسلحة إرهابية ضد الوحدة الترابية للمملكة و هذا منذ عشرات السنين. بالله عليك من يقبل هكذا صرفات من جاره؟