قضايا وآراء

النهضة والإخوان.. استهداف رغم تباين المسارات

قطب العربي
1300x600
1300x600
ما إن أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد انقلابه على الدستور التونسي بتعطيل البرلمان، وإقالة الحكومة، وتولي مسؤولية النيابة العامة.. حتى اعتبر الكثيرون من أنصار الثورات المضادة والتيارات العلمانية، وحتى بعض الأصوات الإسلامية، الأمر انقلابا على حركة النهضة يجتثها من جذورها. وبدلا من إدانة الانقلاب وجهوا سياطهم إلى الحركة التي وصفوها أولا بأنها إخوان تونس، وأن إخوان تونس يكررون أخطاء إخوان مصر، وأن الإخوان سيظلون هكذا أغبياء ينتقلون من فشل إلى فشل!! وكأن القوى الأخرى الليبرالية أو اليسارية حققت نجاحات سياسية منقطعة النظير!!

والسؤال الآن: هل لحركة النهضة علاقة فعلية بالإخوان المسلمين؟ وهل تسير على خطاها؟ وهل ستواجه نفس مصيرها؟

الحقيقة أن حركة النهضة التي نشأت ضمن فكر وتنظيم الإخوان المسلمين منذ أواخر الستينات تخلت عن هذا الفكر والتنظيم تدريجيا، حتى انفصلت عنه بشكل كامل، وأعلنت ذلك بشكل واضح في مراجعاتها التي أعلنتها في العام 2016، حيث كان قرارها الاستراتيجي بالفصل بين العمل السياسي والدعوي، حاصرة نشاطها في الأول وتاركة الثاني للجمعيات الأهلية. كما أعلنت أنها محض حركة مدنية وطنية تونسية ذات مرجعية إسلامية، وتكرر على لسان عدد من قادتها أن علاقة الحركة بالإخوان ليست علاقة مرجعية بل محض علاقة صداقة.
حركة النهضة التي نشأت ضمن فكر وتنظيم الإخوان المسلمين منذ أواخر الستينات تخلت عن هذا الفكر والتنظيم تدريجيا، حتى انفصلت عنه بشكل كامل، وأعلنت ذلك بشكل واضح في مراجعاتها التي أعلنتها في العام 2016، حيث كان قرارها الاستراتيجي بالفصل بين العمل السياسي والدعوي

والحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين - وخاصة قيادتها التنظيمية الحالية - تعاملت بكثير من التحفظ مع حركة النهضة، خاصة بعد تلك المراجعات التي أعلنتها، وبعد جملة من المواقف العملية التي اتخذتها النهضة واعتبرتها الحركة الأم خروجا على ثوابت إسلامية، وتنازلات في غير محلها، وإن ظلت الكثير من القواعد والقيادات الإخوانية تعتبر النهضة جزءا أساسيا من التيار الإسلامي في المنطقة العربية، كما تحترم خصوصية تجربتها السياسية.

لكن الحقيقة الثالثة أيضا أن كلتا الجماعتين تنتميان للمرجعية الإسلامية وإن بدرجات متفاوتة، كما أنهما نالتا الكثير من العسف والقمع على يد الأنظمة الحاكمة؛ وصل إلى حد قتل وإعدام بعض قياداتهما ووفاة الكثيرين منهم في السجون المصرية والتونسية تحت التعذيب، وتشريد عشرات الآلاف في المنافي.

ظلت حركة النهضة بشكل علني أو خفي جزءا من الإخوان المسلمين، وكان رئيسها عضوا بالتنظيم الدولي لبعض الوقت، حتى فكت الحركة ارتباطها بالإخوان بشكل تام بعد انقلاب 2013 في مصر. ورغم أن الظرف التاريخي قد يوحي بأن الحركة فعلت ذلك للنأي بنفسها عما يحدث للإخوان في مصر، ولتجنب نفسها أي تداعيات بعد تصاعد الجهود لتصنيف جماعة الإخوان "إرهابية"، لكن الحقيقة أن الحركة كانت تتباعد فكريا وحركيا عن الجماعة الأم بشكل تدريجي منذ الثمانينات، حتى وإن ظلت جزءا من تنظيمها الدولي ولو في الحدود الشكلية.

ومن يتابع كتابات راشد الغنوشي، مؤسس ورئيس وعقل الحركة (له أكثر من 20 كتابا) يلحظ التباعد الكبير بين فكره وفكر الإخوان خاصة في القضايا الجدلية الفقهية والسياسية، حيث ينتمي الغنوشي لفئة المفكرين الإسلاميين الأكثر انفتاحا ومرونة، ويسميه البعض "الأكثر براجماتية" وقبولا للتنازلات، بينما تنتمي جماعة الإخوان خاصة في العقدين الأخيرين إلى الفكر الإسلامي المحافظ عموما، وإن كان هناك بعض الاجتهادات.
في التعامل مع الثورتين التونسية والمصرية قدمت كلتا الجماعتين نموذجين مختلفين في الأداء، وإن تشابهتا في بعض المظاهر بشكل عفوي، كحصول كل من حزب الحرية والعدالة في مصر والنهضة في تونس على 42 في المائة من الأصوات لكل منهما في أول انتخابات برلمانية عقب الثورتين، لكن ما عدا ذلك كان التباين واضحا بين الجماعتين

في التعامل مع الثورتين التونسية والمصرية قدمت كلتا الجماعتين نموذجين مختلفين في الأداء، وإن تشابهتا في بعض المظاهر بشكل عفوي، كحصول كل من حزب الحرية والعدالة في مصر والنهضة في تونس على 42 في المائة من الأصوات لكل منهما في أول انتخابات برلمانية عقب الثورتين، لكن ما عدا ذلك كان التباين واضحا بين الجماعتين.

ففي مصر حدث الاستقطاب السياسي سريعا عقب الثورة، ووجد الإخوان أنفسهم في اصطفاف مع القوى الإسلامية في مواجهة القوى العلمانية (اليسارية والليبرالية)، وبلغ هذا الاستقطاب مداه عند صياغة دستور الثورة، ثم تواصل بل تصاعد عقب وصول الرئيس مرسي إلى القصر الرئاسي، وظل كذلك حتى حدث الانقلاب في تموز/ يوليو 2013. أما في تونس فقد نجحت النهضة مبكرا في تجاوز الاستقطاب عبر تحالفات سياسية مع خصوم تاريخيين لها، وعبر تقديم تنازلات ضخمة ، كان أبرزها التنازل عن حقها في تشكيل الحكومة رغم أحقيتها الدستورية والانتخابية بذلك في بعض الفترات، بل إنها تخلت عن رئاسة الحكومة التي شكلتها لتجنب مواجهات شعبية واستقطاب سياسي عقب اغتيال زعيمين سياسيين تونسيين (شكري بلعيد ومحمد براهمي). فرغم ظهور الاستقطاب السياسي إلا أن المرونة السياسية للقوى الرئيسية نجحت في تجاوزه لمدة عشر سنوات حتى وقع الانقلاب الأخير.

كانت النهضة هي النموذج الذي يحتفي به الكثيرون باعتباره النموذج الإسلامي الأمثل الذي ينبغي على الجميع تقليده، وخاصة جماعة الإخوان في مصر التي تلقت نصائح عديدة من النهضة نفسها ومن غيرها بضرورة الاقتداء بسياسات النهضة في تونس. هذه النصائح التي وإن وجدت صدى خافتا لدى بعض الأطر الإخوانية، إلا أنها وجدت صدودا من قيادة الجماعة التي ترى نفسها أمينة على المشروع الإسلامي وفقا لقناعتها. ثم جاءت الهجمة الأخيرة على حركة النهضة لتثبت أن تلك التنازلات الواسعة التي قدمتها في سبيل التوافق الوطني لم تمنع تآمر الثورة المضادة؛ التي نجحت في دفع رئيس الجمهورية للانقلاب على الدستور بهدف تشويه النهضة وإقصائها عن المشهد السياسي بتهمة تعكيره، على طريقة الذئب والحمل في القصة المشهورة.
الانقلاب (حال اكتماله) على النهضة رغم كل تنازلاتها سيمنح الأصوات المحافظة في التيارات الإسلامية طاقة جديدة، كما سيدفع الأصوات المرنة نفسها لمراجعة حساباتها وخطواتها بعد أن رأت أمام أعينها نتيجة تنازلات النهضة

التجربة السياسية في تونس بعد الثورة كانت ملهمة لعموم قوى التغيير في المنطقة، وتجربة حركة النهضة كانت ملهمة للكثير من القوى الإسلامية، لكن الانقلاب (حال اكتماله) على النهضة رغم كل تنازلاتها سيمنح الأصوات المحافظة في التيارات الإسلامية طاقة جديدة، كما سيدفع الأصوات المرنة نفسها لمراجعة حساباتها وخطواتها بعد أن رأت أمام أعينها نتيجة تنازلات النهضة.

لا تقتصر آثار انقلاب قيس سعيد على الداخل التونسي، بل ستتعداه إلى عموم المنطقة، حيث سيمثل حال اكتماله نجاحا جديدا ومهما لمحور الثورة المضادة، وقد يدفع بعض الشباب العربي للكفر بالديمقراطية والتغيير السلمي مجددا والانضمام إلى التنظيمات الجهادية المسلحة، حيث أصبح في المقابل نموذج طالبان التي قاومت الاحتلال الأمريكي ونجحت في طرده من بلادها؛ نموذجا ملهما جديدا في مواجهة نماذج الثورات السلمية الفاشلة. هذا لا يعني دعما لتلك الأفكار العنيفة والمرفوضة، بل هو تحذير من توسعها الذي يمثل خطرا ليس على المنطقة فقط بل على العالم كله.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)