قضايا وآراء

هل يُفسّر صراعُ "الإسلاميين" و"العلمانيين" وحده ما يجري في تونس؟

امحمد مالكي
1300x600
1300x600

تَعدّدت آراء المحللين وكثُرت تفسيراتهم لما أقدمت عليه الرئاسة في تونس يوم 25 تموز/ يوليو 2021، بيد أن المشترك في ثنايا كل ما نُشر من متابعات لهذا الحدث أن المستهدف من الإجراءات الاستثنائية يظل أولا وأساسا "حركة النهضة"، ومن يُقاسمها النظر والطريق. والدليل انقسام الشارع التونسي خلال الأيام الأولى التي أعقبت قرارات الرئيس بين مؤيد لهذا الأخير، ومعارض له، ناعت تأويله للدستور (الفصل 80) بغير الشرعي، وانقلابا على المسار الديمقراطي في تونس.

والحال أن التصريحات الرئاسية التي توالت لاحقا تُنبه إلى أن "حركة النهضة" توجد في قلب قضية الفساد التي أسس عليها الرئيس شرعية لجوئه إلى إعمال بعض أحكام الفصل الثمانين، وأن رؤوسا منها ومن تنظيمات أخرى، حدد الرئيس عددها في 460 اسما وشخصية، ستنال الجزاءات التي ما انفك الرئيس التشديد على ضرورتها في أكثر من مناسبة.

"الإجراءات الاستثنائية" التي اتخذها الرئيس التونسي على أساس الفصل الثمانين من دستور 2014 تطرح أكثر من تساؤل، وتفتح باب الاختلاف حول شرعيتها الدستورية واسعا. وفي غياب قضاء دستوري ناظم للتفسير وتوضيح حدود توزيع الاختصاصات بين المؤسسات، يزداد المشكل تشعبا وتعقيدا، غير أن ما نود التركيز عليه في هذا المقام هو المصادر العميقة التي أوصلت تونس إلى ما وصلت إليه. فالراجح في تقديرنا أن ما أقدم عليه رئيس البلاد كان أمرا لا مندوحة عنه من زاوية تسلسل الأحداث في تونس، منذ انطلاق سيرورة الانتقال الديمقراطي عام 2011، وتحديدا منذ الاقتراع الرئاسي لعام 2019.

فمما يبدو واضحا لدينا، وما أكدت عليه العديد من مراكز الأبحاث المتابعة للتطور الديمقراطي في تونس منذ العام 2011، أن صراع "الإسلاميين" و"العلمانيين" معادلة ضاغطة على سيرورة التطور السياسي في تونس، وأن الأحكام المسبقة المتبادلة بين الطرفين، ولا سيما من قبل "العلمانيين" تجاه "الإسلاميين"، تشكل عامل توتر وانقسام مزمن، إذا لم تتغلب عليه إرادات إعادة بناء الثقة، وتغليب المصالح العليا للبلاد، والبحث الجدي والمشترك للأطراف لما فيه خير تونس وصالح التونسيين عامة.

ونرجح أن فجوة ضعف الثقة أو انعدامها، والتي غذتها وحرضت عليها أطراف إقليمية ودولية، مسؤولة بشكل رئيس عن تفسير دورة التوترات التي ضغطت على مسار تطور الديمقراطية ونجاحها في تونس. ثم إن أحداثا سياسية عاشتها تونس منذ الحكومات التي أعقبت أول انتخابات تشريعية بعد سقوط النظام عام 2011، ساهمت، بشكل دوري، في تأجيج هذا الصراع، لعل أبرزها اغتيال كل من المناضلين القياديين "شكري بلعيد" (2 شباط/ فبراير 2013)، و"محمد براهمي" (25 تموز/ يوليو 2013)، وهما الحدثان السياسيان اللذان أعادا الصراع بين "الإسلام" و"العلمانية" إلى الواجهة، حيث اتُّهمَت حركة النهضة بوجودها غير بعيدة عما حصل، وهي التي ساهمت في تخفيف إجراءات الترخيص لبعض الأحزاب السلفية وظهور التنظيمات الجهادية وتمدّدها في أحزمة الفقر في تونس (حزب "الأصالة" و"حزب الرحمة"، ودمج حزب التحرير القومي الإسلامي الراديكالي في العملية السياسية).

والواقع أن قدرا من الالتباس وعدم الوضوح الكافي طبع علاقة حركة النهضة بتنامي تيارات الإسلام المتشدد، التي استغلت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التونسية، وقامت بتغذية ميولات العنف في المحافظات الموسومة بكثافة الفقر والهشاشة.

تدعو الموضوعية إلى التأكيد على أن "العلمانيين" لم يكونوا "ملائكة"، كما يود بعضهم تقديم أنفسهم وأن غيرهم من "الإسلاميين" "شياطين" و"رجعيون"، فهم بدورهم، أو على الأقل عدد منهم، تحكمهم طباع "الانتهازية"، والبحث عن الفرص والمنافع، والتحامل بغير حق على "الإسلام" والعقيدة. بل إن منهم من لا يقبل مساحة الاختلاف وقبول الآخر، المختلف عنه.

لذلك، ظلت معادلة صراع "الإسلاميين" و"العلمانيين" محكومة بثقافة الإقصاء والإقصاء المتبادل، وقد شكلت لحظة التوافق من داخل مؤسسات الدولة في تونس لحظة قصيرة خلال الائتلاف الأول الذي جمع المكونات الثلاثة (الترويكا)، وسرعان ما ضعف وتفككت أواصره، ودخلت تونس دائرة التجاذب بين "الإسلام" و"العلمانية" من جديد.

شكل الاقتراع الرئاسي عام 2019 لحظة فاصلة في تطور سيرورة الانتقال الديمقراطي في تونس. فمن جهة ثمة امتعاض عام للمجتمع التونسي من أداء الحكومات المتعاقبة، ونفور شبه كامل من التنظيمات السياسية بمختلف ألوانها، وهو ما مكّن الرئيس "قيس سعيد"، الوافد من الجامعة وغير المنتسب لأي هيئة سياسية، من صياغة خطاب يروم التشكيك في كل مكونات المجال الحزبي والسياسي التونسي، ويقدم نفسه، من حيث يدري أو لا يدري، البديل المنشود والمطلوب. وقد أسهم ذلك في اكتساب الجسم الانتخابي والفوز بـ72 في المئة من الأصوات المعبر عنها، أي المشاركة فعلا في الاقتراع. لذلك، يُعتبر فوز رئيس بهذه المواصفات، وفي مثل هذا السياق، نقطة تحول في سيرورة الانتقال الديمقراطي في تونس. وإذا أضفنا إلى ذلك خبرة الرئيس الدستورية، وهو الذي شارك في الحوارات المواكبة لصياغة الدستور الجديد (2014)، فإننا نُدرك لماذا كان تشديده على أن تكون لمؤسسة الرئيس المكانة اللائقة بها، أي المنسجمة مع التأويل الإيجابي والواسع لأحكام الدستور، وقد ساعده على ذلك عدم قيام المحكمة الدستورية وتنصيب أعضائها.

ثمة مصدر آخر لا يقل أهمية عن صراع "الإسلاميين" و"العلمانيين" الأيديولوجي، يتعلق بالتموقع داخل مؤسسات السلطة والاستمراء في التلذذ بمنافعها. فقد كشفت وقائع التطور السياسي في تونس اتساع شهية الجميع للسلطة، والسعي إلى التحكم في مفاصلها بالقانون، وفي أحيان ضد حكم مؤسساته. لذلك، وجدت النهضة، كما وجد "العلمانيون" أنفسهم يغوصون في أوحال جاذبية السلطة، وحين تضعف ممارسة السلطة بالقانون وحكم المؤسسات، ينحرف أصحابها، فيحصل الشطط في ممارستها، وهو ما وقع للكثير من الأطراف المتصارعة في تونس، ولم تساعد لا قيم الإسلام (الأمانة) ولا متطلبات "العلمانية" (المسؤولية) في تجنب مستنقع الفساد.

 

التعليقات (1)
adem
الإثنين، 09-08-2021 10:28 م
انتهى زمان المجاملات الإسلاميون ضحايا الدولة العميقة و أدواتها و منهم معظم العلمانيين يسارا كانوا أم يمينا هذه هي الحقيقة المؤلمة ، مصر و تونس نموذجان ، لم و لن يقبل هؤلاء الرّهط بحكم الصندوق فالنتيجة محسومة مسبقا لما ؟ هؤلاء الأوغاد لا يملكون ولا يستطيعون تقديم أيّ شيئ لمجتمعاتهم ان على مستوى الرّجال أو الأفكار ، زد على ذلك الجميع يعلم أنّ أغلبيتهم كلاب كلاب-الدولة العميقة - أسيادهم و مشغّليهم الاقليميين و الدوليين ماالحلّ الآن ؟ الحلّ بيد الشعوب إمّا أن تثق في الإسلاميين و تقف معهم ومع المخلصين و الصبر معهم و الثبات لما ؟ لأنّ الاستعمار و وكلاؤه الدّاخليون لن يبقوا مكتوفي الأيدي ولنا في التجربة التركية درس لمن أراد يتّعظ أو العيش عيشة الأنذال وموت موتة العبيد تحت سياط الاحتلال ، بالنسبة للفساد نقول أنّ الفساد لا دين ولا لون ولا إيديولوجية له ، التّاريخ الوقائع و الأحداث تثبت مما لا شكّ فيه أنّ الآفة منتشرة أكثر عند العلمانيين بمختلف توجهاتهم و لا يمكن نفيها عن الإسلاميين و لكن بنسبة أقلّ ، يكفي فخرا أنّ الانقلاب في مصر و كلابه العلمانيين و بعد سبع سنوات لم يتهم و لم يثبت على الإخوان تهمة فساد واحدة