سياسة دولية

طالبان تسيطر على أفغانستان.. هل تصمد كابول؟ (خريطة)

وصف وزير التنمية الدولية السابق روري ستيوارت انسحاب القوات بأنه "خيانة تامة"- تويتر
وصف وزير التنمية الدولية السابق روري ستيوارت انسحاب القوات بأنه "خيانة تامة"- تويتر

سقطت، الجمعة، مدينة قندهار، كبرى مدن أفغانستان بعد العاصمة، بيد مقاتلي حركة طالبان، الذين باتوا يسيطرون على أكثر من نصف عواصم ولايات البلاد، وسط مسارعة عواصم غربية لإجلاء رعاياها من كابول، ما يشير إلى تقديرات بسقوطها خلال أيام قليلة.

 

وخلال أسبوع واحد، انتزعت طالبان 18 عاصمة ولاية في مختلف أرجاء البلاد، من أصل 34، بعد أن كانت الحركة تتجنب خوض معارك للسيطرة على المدن الكبرى، إلى حد بعيد، على مدار سنوات الاحتلال الأمريكي للبلاد.

 

وسقطت أول عاصمة ولاية بيد طالبان يوم الجمعة الماضي، 6 آب/ أغسطس، وكانت مدينة زرنج مركز ولاية نمروز، على الحدود مع إيران، ليتوالى بعد ذلك سقوط العواصم واحدة تلو الأخرى بشكل خاطف، وفي عموم البلاد مترامية الأطراف.

 

وتعد قندهار، جنوبا، وهرات (ثالث أكبر مدينة أفغانية)، غربا، أهم العواصم التي سيطرت عليها الحركة، وتحقق لها ذلك خلال الساعات الـ24 الماضية، فضلا عن مدينة لشكركاه، عاصمة ولاية هلمند، جنوبا؛ والتي خاضت الحكومة معارك ضارية لمنع "المتمردين" من السيطرة عليها.

 

وتحدثت الحركة عن استسلام مئات الجنود لقواتها في قندهار، وفرار آخرين، فيما تجدد مشهد تحرك عناصر طالبان على متن مركبات عسكرية أمريكية الصنع، سقطت بأيديهم أثناء المعارك.

 

 

 

سقوط كابول "مسألة وقت"؟

 

ورفض متحدثون باسم الحكومة الأفغانية الإجابة على أسئلة "عربي21"، بشأن قدرتها على الصمود في كابول، أو استرجاع مدن رئيسية فقدتها خلال الأيام الماضية، وعما إذا كانت تنتظر دعما أجنبيا في هذا الإطار.

 

وفي تسريب مثير، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن الولايات المتحدة طلبت من طالبان تجنب سفارة واشنطن في كابول، خلال المعركة "القادمة" للسيطرة على العاصمة الأفغانية، في تسليم ضمني بسقوط قريب للمدينة بيد مقاتلي الحركة، وتخلّ عن الحكومة التي أنشأها الغزو قبل 20 عاما.

 

 

لكن مسؤولا سياسيا، رفض الكشف عن هويته، أعرب عن ثقته بقدرة كابول على الصمود في وجه طالبان، في إشارة إلى التحصينات التي تحظى بها، وانسحاب آلاف الجنود من عموم البلاد للتمترس فيها.

 

وفضلا عن تصاعد العزلة على الأرض، تجد كابول نفسها في مأزق مع توالي قرارات العواصم الغربية إجلاء رعاياها وإغلاق بعثاتها الدبلوماسية، على وجه السرعة، دون حديث عن سبل إنقاذها.

 

ويشير ذلك أيضا، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، إلى استعداد العواصم الغربية لتلقي نبأ سقوط كابول خلال أيام قليلة.

 

"طالبان لا تريد إسقاط كابول"

 

وفي حديث لـ"عربي21"، استبعد الأكاديمي والخبير بالشأن الأفغاني، مصباح الله عبد الباقي، أن تسقط كابول بيد طالبان، لكنه أرجع ذلك إلى عدم رغبة الحركة بذلك.

 

وأوضح عبد الباقي أن "طالبان بحاجة للاعتراف الدولي، وهو مرتبط بتشكيل الحكومة الجديدة من خلال مباحثات سلمية وبمشاركة جميع الأطراف".

 

وتابع بأن استيلاء طالبان على الحكم بالقوة يعني أنها "ستعاني من العزلة الدولية التي عاشتها إبان حكمها البلاد في التسعينيات".

 

لكن الخبير الأفغاني أكد أن اجتياح كابول والسيطرة عليها ليس صعبا على طالبان من الناحية العسكرية، إذ إنها تحاصرها بالفعل وتسيطر على مديريات تابعة لها.

 

وبشأن جدية طالبان فعليا بالوصول إلى حل سلمي مع الحكومة في كابول، قال عبد الباقي إن الأمر يعتمد كذلك على جدية الطرف الآخر، مشيرا إلى أن سقف الحركة تغير في ضوء الحقائق على الأرض.

 

وأوضح أن الحديث كان يدور، بعد توقيع اتفاق السلام بين طالبان وواشنطن، العام الماضي، على أن تفاوض الحركة على تولي 50 بالمئة من المناصب الحكومية.

 

لكن الأمر تغير اليوم، بحسب الخبير الأفغاني، إذ إن الحركة، التي باتت على أبواب كابول، قد ارتفع سقفها، بغض النظر عما إذا كانت هي من بادر بالعمل على التوسع على الأرض، أم أن الحكومة فوتت فرصة التفاهم السلمي قبل أن تجد نفسها محاصرة في العاصمة.

 

الخريطة أدناه تظهر المشهد على الأرض في أفغانستان، بحسب رصد مجلة "FDD's Long War" الأمريكية حتى نهاية يوم الخميس 12 آب/ أغسطس (الأعداد أسفل الخريطة هي للمديريات التي تتكون منها ولايات البلاد الـ34):

 

 

  

للمقارنة بما كان عليه الحال عام 2017:

 

 

 

لندن تحمل واشنطن مسؤولية "الهزيمة"

 

وفي ضوء ذلك المشهد، انتقدت بريطانيا انسحاب القوات الأمريكية، الذي شارف على الانتهاء في الواقع، معتبرة أن سيطرة طالبان قد تخلق أرضا خصبة للمتطرفين ما يشكل تهديدا للعالم. 


وأعلن وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، الخميس أن حوالي 600 جندي سيساعدون في إجلاء رعايا المملكة المتحدة من أفغانستان، مقدرا عددهم بنحو ثلاثة آلاف.

 

اقرأ أيضا: "أسد هرات" يستسلم لطالبان بعد شهر على تعهده بقتالها (شاهد)

لكن الوزير قال لشبكة "سكاي نيوز" إن قرار الولايات المتحدة سحب قواتها "يترك مشكلة كبيرة جدا على الأرض"، ما يعطي زخما للمتمردين. 

وتوقع أن ذلك سيكون مفيدا لتنظيم القاعدة الذي منحته طالبان ملاذا آمنا قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر التي نتج عنها تورط الغرب لمدة 20 عاما في أفغانستان. 

وقال: "بالطبع ستعود القاعدة على الأرجح"، محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى "تهديد أمني لنا ولمصالحنا".

 

 

من جهته، وصف وزير التنمية الدولية السابق روري ستيوارت انسحاب القوات بأنه "خيانة تامة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة"، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية بين أمراء الحرب المتنافسين الذين يقاتلون حاليا طالبان. 

أما النائب عن حزب المحافظين ووزير المحاربين السابق الذي خدم في أفغانستان، جوني ميرسر؛ فاعتبر الانسحاب "وصمة عار". 

وقال لإذاعة تايمز: "أعتقد أنه أمر مهين للجيش البريطاني والعائلات التي فقدت أفرادا هناك، لكنه قبل كل شيء مأساة كبيرة لشعب أفغانستان الذي عانى الأمرين على مدى سنوات عديدة." 

وأضاف: "لقد اخترنا هذه الهزيمة وهذا أمر مخز". 

"الناتو" يجتمع

 

ويترقب المسؤولون في كابول نتائج اجتماع لحلف شمال الأطلسي، على مستوى مبعوثي الدول الأعضاء.

 

لكن الاجتماع المرتقب يرجح أن يناقش القضايا المتعلقة بإجلاء الرعايا الغربيين، لا سبل إنقاذ الحكومة المحاصرة في كابول، بحسب عدة وسائل إعلام غربية، بينها وكالتا "رويترز" و"فرانس برس".


وأعلنت واشنطن ولندن مساء الخميس مساعيهما لسحب موظفي سفارتيهما ومواطنين آخرين بسرعة من العاصمة، وإرسال قوات مخصصة لتنفيذ تلك المهمة.

 

وبالفعل، مساء الجمعة، ذكرت قناة "الحرة" الأمريكية (رسمية) أنه تم رصد "وصول الدفعة الأولى من القوات الأمريكية إلى مطار كابول"، دون الإشارة إلى عدد أفرادها، علما أن البنتاغون كان قد تحدث عن إرسال 3 آلاف جندي لتسهيل عمليات إجلاء الأمريكيين، والمواطنين الأفغان الذين يخشون على مصيرهم لعملهم مع الغزاة.


وفي السياق، قالت الوزارة إنه تم نقل 4500 جندي أمريكي إلى قطر، وخمسة آلاف إلى الكويت، ليتولوا مهمة تسريع إصدار التأشيرات للأفغان الذين عملوا مترجمين، وغير ذلك من الوظائف التي كانت مرتبطة بجيش الولايات المتحدة ودبلوماسييها في أفغانستان طوال السنوات الماضية.

 

تحذيرات من أزمة إنسانية

 

والجمعة أيضا، حذرت وكالات تابعة للأمم المتحدة من كارثة إنسانية في أفغانستان بعد نزوح عشرات الألوف من منازلهم إثر تقدم حركة طالبان مع انتشار الجوع.


وقال تومسون فيري من برنامج الأغذية العالمي في إفادة للأمم المتحدة: "ما نخشاه هو أن الأسوأ لم يأت بعد... موجة جوع كبرى تقترب بسرعة... الموقف يحمل كل السمات المميزة لكارثة إنسانية".


وبدورها، قالت شابيا مانتو من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 250 ألفا اضطروا للرحيل منذ أيار/ مايو، 80 بالمائة منهم من النساء والأطفال. وأفاد كثيرون بتعرضهم للابتزاز من الجماعات المسلحة في طرق السفر مع اضطرارهم إلى المراوغة والالتفاف حول الطرق الرئيسية لتفادي العبوات الناسفة.


وقال مسؤول آخر بالأمم المتحدة إن الآلاف يفرون من المناطق الريفية إلى العاصمة كابول وغيرها من المراكز الحضرية بحثا عن ملاذ آمن.


وقال ينس لايركه المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "إنهم ينامون في العراء بالمتنزهات والأماكن العامة... الشغل الشاغل لنا الآن بكل بساطة هو العثور على مأوى لهم".


وتحدثت مسؤولة في منظمة الصحة العالمية عن زيادة في حالات الصدمة إلى المثلين في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الماضية بالمنشآت الصحية التي ترعاها المنظمة. وأعربت عن مخاوفها من نقص الإمدادات الطبية وقالت إن المنظمة أصبحت تدرب الأطقم الطبية على إدارة المواقف في حالات الإصابات الجماعية.

 

موسكو تدعو للحوار

 

وفي تعليقه على التطورات في أفغانستان، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه ينبغي استئناف محادثات السلام.

وأضاف لافروف، في تصريح صحفي، إنه يتعين مشاركة كافة المكونات السياسية، والإثنية، والدينية في أفغانستان بمحادثات السلام.

وقال: "نؤيد المسارات التي يقبلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولسوء الحظ، تباطأت هذه المسارات، ولم تشارك الحكومة الأفغانية في استئناف المفاوضات منذ عامين، في ظل هذا الوضع للأسف قررت طالبان حل الوضع في البلاد بالوسائل العسكرية".

وتابع لافروف: "ينبغي استئناف مسار المفاوضات بشأن قضية أفغانستان، نحن قلقون من أن يمتد الوضع في أفغانستان إلى منطقة آسيا الوسطى وأراضي حلفائنا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي".

وأشار لافروف إلى احتفاظ روسيا باتصالاتها مع جميع القوى في أفغانستان، وقال: "نرى أن تشكيل توافق في المجتمع الأفغاني ليس بالأمر السهل".

وتابع بأن موسكو تبنت مبادرات لحل القضية الأفغانية، وأنها تؤيد إدراج إيران والهند في الصيغة الموسعة (روسيا والولايات المتحدة والصين وباكستان).

 

التعليقات (0)