ملفات وتقارير

مخاوف من أصداء لصعود طالبان في الساحل الأفريقي

حذّرت الأمم المتحدة من انهيار الحكومة في مالي، بعد تجاوز الوضع هناك مرحلة الخطر- جيتي
حذّرت الأمم المتحدة من انهيار الحكومة في مالي، بعد تجاوز الوضع هناك مرحلة الخطر- جيتي

تتصاعد الهجمات المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي بالتزامن مع مشهد عودة حركة "طالبان" للسيطرة على أفغانستان بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي.

 

وبالفعل، حذّرت الأمم المتحدة من انهيار الحكومة في مالي، بعد تجاوز الوضع هناك مرحلة الخطر، فيما تستعد فرنسا، رغم ذلك، للانسحاب من هناك.


وكان إياد آغ غالي، زعيم تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابع للقاعدة، في الساحل الأفريقي، قد هنأ في كلمة مصورة، نشرت قبل أسابيع، حركة طالبان على انتصاراتها في أفغانستان.


وآغ غالي، مؤسس حركة "أنصار الدين"، التي تلقب بـ"طالبان الأزواد"، هو أحد زعماء الطوارق في مالي، وكان قنصلها لدى السعودية، ويريد الآن استنساخ تجربة طالبان التي استعادت السلطة في أفغانستان بعد انسحاب الجيش الأمريكي منها.


وما يشجعه على تكرار ذات التجربة ضعف النظام في مالي، التي شهدت 3 انقلابات منذ 2012، وقرار فرنسا الأخير إنهاء عملية برخان العسكرية في الساحل، والانسحاب الكامل من شمالي البلاد مطلع 2022، فضلا عن مشهد أفغانستان الأخير.


وفي هذا الصدد، يقول أغ غالي، إن فرنسا قررت الانسحاب من مالي، وإنهاء عمليتها "برخان" بعد الفشل في تحقيق أهدافها "لتكتفي بعد سنوات من العناء برتبة التعاون تحت مسمى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب".


ففي 10 حزيران/ يونيو الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إنهاء عملية برخان العسكرية في الساحل التي أطلقتها باريس في 2014، والانسحاب تدريجيا من مدن: تيساليت، وكيدال، وتومبوكتو، بحلول مطلع العام المقبل.


وسيلقي الانسحاب الفرنسي من شمال مالي بالثقل الأمني بالدرجة الأولى على القوات الأممية المقدر عددها بنحو 15 ألف عنصر، وعلى الجيش المالي المتواجد بأقل كثافة في هذه المناطق، وأيضا على الجزائر التي تحاذي هذه المنطقة من الشمال، وسبق أن تعرضت لهجوم كبير في 2013، انطلاقا منها.


دولة مهددة بالزوال


الوضع الأمني الهش، وتصاعد الهجمات، وغياب سلطة منتخبة ومستقرة، مع تراجع الدعم الدولي، والاحتباس الحراري وما يخلفه من جفاف وفيضانات مفاجئة وحروب قبلية بين الرعاة والمزارعين.. كل هذه الأزمات لا تهدد النظام الحالي بالسقوط فقط بل بانهيار الدولة وزوالها.


فالخبير المستقل للأمم المتحدة المعني بوضع حقوق الإنسان في مالي، أليون تين، قال في 6 آب/ أغسطس الجاري، إن "انتشار العنف بسرعة في مالي يهدد بقاء الدولة في حد ذاته.. لقد تجاوز تدهور الوضع الأمني الخطير والمستمر عتبة الخطورة".


واعتبر الخبير الأممي، في ختام زيارة قادته إلى مالي دامت 11 يوما، أن "الدولة الضعيفة والعاجزة تواجه صعوبة في الاضطلاع بدورها المناسب من حيث حماية السكان المدنيين في مواجهة الجماعات المسلحة، التي تتكدس في جميع أنحاء البلاد".


ففي 27 تموز/ يوليو الماضي، تبنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، 8 عمليات مسلحة ضد القوات الأممية والجيش المالي والقوات الفرنسية في ذات الشهر.


وتضم جماعة النصرة تحالفا لأربعة تنظيمات، تتمثل في: تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكتيبة المرابطين المنشقة عنها، وجماعة تحرير ماسينا، وجماعة أنصار الدين.


كما ينشط تنظيم الدولة فرع الصحراء الكبرى، في منطقة غاو، القريبة من الحدود مع النيجر، وهجماته أكثر عنفا ودموية.

 

اقرأ أيضا: التايمز: انتصار طالبان شجّع "الجهاديين" في أفريقيا


تصاعد خطير للعنف


ليست مالي وحدها من يعاني من تهديد خطير، بل النيجر وبوركينا فاسو، أيضا تشتركان معها في نفس التهديد، خاصة في منطقة التقاء الحدود الثلاثة.


وخلال شهر آب/ أغسطس، تحولت منطقة الحدود الثلاثة إلى "بِرَك من الدماء"، سقط فيها ما لا يقل عن 250 قتيلا، بينهم أطفال ونساء.


ففي 18 آب/ أغسطس، خلف هجوم شنه نحو 400 مسلح مجهولين على قافلة شمالي بوركينا فاسو، أكثر من 120 قتيلا، بينهم 65 مدنيا وعسكريا، و58 من المهاجمين، بحسب مصادر محلية وإعلامية.


أما في مالي فقتل 51 مدنيا على الأقل في هجوم مسلح على ثلاث قرى بمنطقة غاو قرب الحدود مع النيجر، في 8 آب/ أغسطس. كما قتل 15 جنديا ماليا وسط البلاد، في 19 من ذات الشهر.


النيجر، نالها هي الأخرى نصيب من الجنون الدموي للجماعات المسلحة، حيث قتل 37 مدنيا بينهم 14 طفلا في هجوم على منطقة تيلابيري بالحدود الثلاثة، التي ينشط بها "داعش الصحراء"، وذلك في 16 آب/ أغسطس.


وفي 21 من نفس الشهر، جدد المسلحون هجومهم على نفس المنطقة، وقتلوا 17 مدنيا على الأقل هذه المرة.


وقبل ذلك، قتل في 11 آب/ أغسطس 15 مدنيا قرب الحدود المالية.


فجيوش مالي والنيجر وبوركينا فاسو، مدعومة بـ1200 جندي من تشاد، ومعهم موريتانيا في تحالف "الخمسة ساحل"، ناهيك عن 5100 جندي فرنسي، و15 ألف جندي أممي، والمئات من القوات الخاصة الأوروبية ضمن عملية "تاكوبا"، ومئات آخرين من القوات الأمريكية المنتشرين في دول الساحل، لم تتمكن جميعها من وقف حمام الدماء في "الحدود الثلاثة".


فالوضع خطير للغاية، وتبدو مالي، التي شهدت انقلابين عسكريين ما بين عامي 2020 و2021، الحلقة الأضعف بين دول الساحل.


وقد يتمكن تنظيم القاعدة من إعلان "إمارة إسلامية" في شمال مالي، على غرار ما يجري في أفغانستان، حتى قبل اكتمال الانسحاب الفرنسي من المنطقة مطلع 2022.


وهذا ما دفع الجزائر للتعبير عن قلقها من "تجدد وتصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية الخطيرة" في عدد من دول الساحل الأفريقي خلال الأسابيع الأخيرة.


الطوارق بإمكانهم عرقلة مشروع القاعدة


باستثناء جناح آغ غالي، فإن الحركات المسلحة للطوارق (أمازيغ) والأزواد (عرب) في شمال مالي بإمكانها إجهاض مشروع تنظيم القاعدة لإعلان "إمارة إسلامية"، لا يتوقف تمددها إلا في إقليم دارفور غربي السودان.


وقد تنجح الجزائر في منع قيام تحالف جديد بين حركات الطوارق والأزواد من جهة وبين تنظيم القاعدة كما حدث في 2012، بالنظر إلى معرفتها الجيدة بقبائل المنطقة، التي تمثل امتدادا بشريا لها في قلب أفريقيا.


وهذا ما تدركه الأمم المتحدة جيدا لمنع سقوط شمالي مالي في يد القاعدة أو تنظيم الدولة بعد انسحاب الجيش الفرنسي من المنطقة.


فقد شدد رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينسما) الدبلوماسي الموريتاني "القاسم وان"، على أن تطبيق اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر عام 2015، "بات أمرا حتميا من أجل ضمان استقرار دائم في مالي".


وأردف المسؤول الأممي أنه بفضل تطبيق اتفاق الجزائر توصلت الأطراف الموقعة على الاتفاق في مالي لأول مرة إلى "إسكات صوت البنادق".


لكن ما لم يقله "وان"، أن تلكؤ باماكو في تنفيذ بعض بنود اتفاق الجزائر، قد يدفع الطوارق إلى التمرد مجددا، وربما التحالف مع الجماعات الإرهابية للانفصال عن مالي.


غير أن هذا السيناريو مستبعد، بالنظر إلى أن الجماعات الإرهابية سبق وأن تملصت من تفاهماتها مع حركات التمرد الطوارقية والأزوادية بعد طرد الجيش المالي من مدن الشمال في 2012، واستولت لوحدها على كامل المنطقة.


فالسيناريو الأفغاني في الساحل غير مستبعد، إذا لم يتم الاستعداد له من دول المنطقة ومكوناتها القبلية الفاعلة بدعم من دول الجوار، لكن "القاعدة" و"تنظيم الدولة" يختلفان في فلسفتهما القتالية عن طالبان، التي تبقى جماعة محلية، بينما لا يعترف التنظيمان بالحدود بين الدول الإسلامية.

 

التعليقات (1)
ابوعمر
الأحد، 29-08-2021 06:55 ص
بأذن الله وبركاته وقدرته ورعايته...سيتكون حركة الطالبان المرجعية التي تقود كا الشعوب العربية الاسلامية للاطاحة بالمحتلين المحليين عملاء الصهيونية والماسونية.....اللهم قوهم وسدد رميهم وأجعلهم سيوفا بتارة تجز أعناق الارهاب العسكري العربوزي الخائن والعميل للصهيونية