أخبار ثقافية

"كي نفهم الرواية الجديدة".. كتاب للناقد المغربي أحمد المديني

 يأتي الكتاب كمحاولة لتقديم رؤية جديدة لـ"فهم الرواية الجديدة" ودراسة نصوصها- عربي21
يأتي الكتاب كمحاولة لتقديم رؤية جديدة لـ"فهم الرواية الجديدة" ودراسة نصوصها- عربي21

ضمن سلسلة منشورات (ملتقى الطرق) في المغرب "مواعد"، صدر كتاب جديد للأديب والناقد المغربي أحمد المديني بعنوان "كي نفهم الرواية الجديدة: دراسة، نصوص وحوار خاص".

 

يأتي هذا الكتاب كمحاولة لتقديم رؤية جديدة لـ"فهم الرواية الجديدة" ودراسة نصوصها وأسباب ظهورها.

يسعى المديني لإلقاء الضوء على ما بات يعرف بتيار الرواية الجديدة الذي ظهر في فرنسا في مطلع خمسينيات القرن الماضي والذي أثر في مسار الرواية الفرنسية وتنويعاتها.

يضم الكتاب حوارا مطولا لـ"ألان روب غريي" الذي يعد المنظر الرئيسي لهذا التيار كان قد أجراه المديني إبان حياته.

 

وعن هذا الحوار المهم يقول المديني: "هذا الحوار مادة وعماد أساس لهذا الكتاب، نتفرد به، إذ يجعلنا نتلقى مباشرة بلسان هذا الرائد مقاصد ومعنى ومسار هذه الموجة السردية المغايرة في الرواية الغربية والأجنبية عامة، التي كان هو من بناتها ومشيدي صرحها الأوائل..

 

إنه حوار شهادة يزودنا بالمصادر الأصلية لهذه التجربة وجماليات تعبيراتها، وخصوصا الصيغ التي صنعتها لأوضاع ومفاهيم الإنسان والوجود والمجتمع، في ظل تحولات كبرى عاشتها الحياة والمجتمعات الغربية خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، وجاءت صيغا فنية ودلالية منقلبة على التراث السردي السابق عليها، وأسست منظورا وسردا مضادّين".

ويضيف المديني عن هذا المنجز الجديد: "هي حصيلة نقدمها في سياق ثقافي لمرحلة تاريخية وأدبية، بحسب ما كانت تعنيه وتحمله المصطلحات في تاريخ أفكار الأدب، لا مجتزأة وانتقائية بالتعميم، ومستخدمة كيفما اتفق. ذلك أن من بين مرامي هذا الكتاب تصحيح نظرات ذاعت أخطاء شائعة روجها دارسون ومترجمون متعجلون، تهافتوا على نصوص وتصورات في أدب بعينه لادعاء معرفتها أو لتسويقها ضمن طلائعية هجينة، بينما كانت تحتاج أولا إلى قراءة جيدة للنصوص بمرجعية وتمثل لها واستيعاب كلي لأسباب النزول ومناخ التلقي".

1
التعليقات (1)
نسيت إسمي
الإثنين، 30-08-2021 06:25 م
'' أدب البحار.. متعة الغموض ودوافع المغامرة '' يخوض أبطال أدب مغامرات البحار حروبًا ضد العواصف التي تهدد حياتهم، وعوائق الشعاب المرجانية، وسكون الريح بصورة تامة، إلى جانب مرض الأسقربوط، ومخاطر تحطم السفن، والشواطئ الجرداء، وأسماك القرش والحيتان، والتمرد على متن السفن، والأساطيل البحرية المتحاربة، ومخاطر السكان المحليين، وآكلي لحوم البشر والقراصنة – باختصار فإنهم يخوضون غمار العديد من المغامرات. وفي أدب المغامرات، يتعرض الأبطال للمخاطر حتى تُختبر شخصياتهم وتصقلها التجارب. ولهذا تحيط شخصية الملّاح في الأدب هالة من السحر والجاذبية. وقد تطور أدب البحار عبر العصور. فقد كان أبطال أدب المغامرات البحرية يتطلعون للسفر حول العالم على متن السفن، وكانوا على قدرٍ من الشجاعة أهّلهم لمجابهة العواصف والمغامرات الأخرى التي قد تصادفهم في عرض البحر. وتنوعت دوافع الأبطال ما بين محاولات الكفاح للبقاء على قيد الحياة، والسعي وراء القوة أو المال أو المعرفة، حتى السعي خلف إثارة كل ما هو جديد، والرغبة في التمتع بالحرية في عرض البحار. وربما يفسر هذا مدى شعبية أدب مغامرات البحار في القرنين الثامن والتاسع عشر، بين أوساط القراء ممن لم تكن ظروفهم المادية تسمح لهم بالسفر بأنفسهم. عوضًا عن ذلك، كانوا يقتنون الكتب التي تدور حول مغامرات البحار، مثل رواية دانييل ديفو "حياة ومغامرات روبينسون كروزو" (1719). فهذه الرواية أسّست بداية أدب مغامرات البحار، وقد حاكتها العديد من الأعمال الأدبية الأخرى التي كُتبت بعدها بسنوات بل وبعقود عديدة، مثل رواية "جزيرة المرجان"، لـ ر. م. بالانتاين (1813)، ورواية "جزيرة الكنز"، لروبرت لويس ستيفنسون (1883). وتتطلب حكايات المغامرات غياب الروابط الاجتماعية التقليدية، وهذا هو ما يحدث تمامًا مع الأبطال في عرض البحر: حيث يلعب البحر دوره كمكان يقطع صلة البطل بكل أسرته وأصدقائه، ويتركه لمواجهة المخاطر التي تتهدد حياته وهو وحيد تمامًا. ولابد أن يكون لمثل هذا المكان المنعزل والمليء بالمخاطر الذي تدور فيه الأحداث أثرٌ بالغٌ على بطل العمل. وهذا الأثر من الشدة، بحيث يساهم في تشكيل الشخصيات. فما أن تشق السفينة طريقها وسط البحار، حتى تصير بمثابة عالم منعزل وسط الكون الذي يمثّله ذلك البحر. وبهذا يعكس البحر الشخصيات ويساهم في تشكيلها في الوقت ذاته. وبالرغم من الأثر القوي للبحر على الأبطال، إلا أن البحر ليس هو محط الاهتمام والتركيز في أدب مغامرات البحار. بل ينصب التركيز على الفرد الذي يحارب للبقاء على قيد الحياة وسط العواصف والمخاطر الأخرى التي تهدد حياته على متن السفينة. وفي روايته "روبينسون كروزو"، كان دانييل ديفو هو أول روائي يصوّر المغامرات البحرية بصورة واقعية صادقة، ويعكس أعمق التطلعات والمشكلات التي تجابه فلسفة الفردية. البحر في رواية "روبينسون كروزو" جامحٌ ومريعٌ ورائعٌ في ذات الوقت. فبالرغم من المخاطر الناتجة عن البحر والتي تمثلت في تحطم السفينة، إلا أن البحر يلعب دورًا إيجابيًا حيث يساهم في تأكيد هوية كروزو، ويبني شخصيته حتى تصير على النحو الذي يرغبه هو: فهو ينجو من مخاطر البحر في نهاية المطاف، ويبني إمبراطوريته الخاصة على الجزيرة؛ ويصير ثريًا. وبعيدًا عن البحر كمكان حافل تدور فيه الأحداث في الروايات الخاصة بأدب مغامرات البحار، فإننا نجد البحر في الشعر الرومانسي وقد تم تشخيصه وتصويره على نحو مثالي، كما صار مُستغلًا كرمز شعري. ولأول مرة في تاريخ أدب البحار، صار البحر نفسه هو محط الاهتمام والتركيز، لا البطل. فنجد أن السفن والبحارة انمحوا تدريجيًا من الصور الخيالية للبحار، مما نتج عنه بحارًا مثالية خالية في مخيلة الشعراء الرومانسيين. وأخذ الشعراء ينظرون للبحار وكأنها مكان مستقل بذاته، خال من أي أثر بشري. وهذا الأمر يتضح على سبيل المثال في قصيدة كيتس التي بعنوان "البحر" (1820). فلم تعد هناك حاجة لأي عواصف أو مغامرات على ظهر سفينة، بل يكفي مجرد الوجود على الشاطئ، لتأمل البحر الشاسع بكل رحابته. وبالرغم من أن البحر كمكان هو محط الاهتمام، إلا أن الطريقة التي يُوصف بها توحي ضمنيًا أن القصيدة بها تشخيص للبحر. ويلعب البحر دورًا إيجابيًا في تأثيره على الشخص الذي يتأمله. ومن الشعراء الرومانسيين الآخرين الذين شخّصوا البحر في أعمالهم، اللورد بايرون، الذي كان من كبار شعراء الحركة الرومانسية. وإليه يعود الفضل الأكبر في رسم صورة البحر في أدب القرن التاسع عشر، حيث كان يخاطب البحر في أعماله كالمحبوبة، على سبيل المثال في الأنشودة الرابعة من قصيدته "أسفار تشايلد هارولد" (1818). وبالنسبة لبايرون، فإن البحر يرمز للإله ذاته. فالعواصف التي تُهيج المحيطات الشاسعة تصير بمثابة رمز للتعبير عن الرب وحكمته التي تستعصي على فهم البشر. ويمكن اعتبار بايرون بمثابة مثال جيد على تشخيص البحر في الشعر الرومانسي. وإلى جانب التشخيص، فقد اُستعين بالرموز أيضًا لوصف البحر. واستغلال الرموز والتشخيص على هذا النحو هو ما يفرق بين صورة البحر في الشعر الرومانسي، وصورته في الروايات المختصة بأدب مغامرات البحار: فلا يعود البحر مجرد مكان، بل تصبح له دلالة رمزية أيضًا. لكن نقطة التشابه بين معظم الشعراء الرومانسيين في القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر من جهة وبين الروايات التي تدور حول مغامرات البحار من جهة أخرى هي التالي: فالبحر، وبالرغم من عواصفه والمشاق التي تكتنفه، كان لا يزال يلعب دورًا إيجابيًا. لم يكن بالضرورة يساهم في تشكيل شخصية البطل كما هو الحال في روايات مغامرات البحار، لكنه كان يساعد الشخصيات في القصائد على نسيان مشاكلها والإحساس بالسعادة. وبالانتقال إلى أدب القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، نجد أن صورة البحر صارت أهدأ وأكثر جدية. فلم يعد الشعراء يصبّون تركيزهم على الأحداث، كما لم يعودوا يصوّرون البحر بصورة مثالية ويمجّدونه. ظلّ البحر يمثّل مصدر إلهام لهم، إلا أن تأثيره لم يعد في المطلق إيجابيًا بالنسبة لأبطال الأدب في العصر الفيكتوري. عوضًا عن ذلك، فقد دفعتهم صورة البحر بهدوئه للتأمل والتفكير في حيواتهم. وصار من الممكن الآن أن يثير البحر في نفوس أولئك الأبطال مشاعر سلبية، كما هو الحال في الكآبة التي تعتري المتحدث في قصيدة ماثيو أرنولد "شاطئ دوفر" (1867)، والتي تعد مثالًا على ذلك التصوير الهادئ للبحر. ففي نهاية القصيدة، يتأمل المتحدث البحر، ويرى جماله وجمال العالم الممتد من حوله، لكن بدلًا من أن يشكل ذلك تأثيرًا إيجابيًا عليه، يستمد منه السعادة مثل سابقيه من الشعراء الرومانسيين، فإنه يتوصل لقناعة بأنه لا وجود لأي بهجة أو حب أو نور. وفي أدب الحداثة في مطلع القرن العشرين، نجد نفس التصوير الهادئ الجاد للبحر. ومن الأمثلة على ذلك قصيدة ت. س. إليوت "الأرض الخراب" (1922). ذهب إليوت لقضاء بعض الوقت على الشاطئ في مارجيت شرق لندن عام 1921، حتى يتعافى من الانهيار العصبي. وقضى ساعات طويلة وهو يتأمل البحر، مما أثّر على كتابته. وكما هو الحال في قصيدة أرنولد "شاطئ دوفر"، فإن البحر في "الأرض الخراب" ليس له تأثيرٌ إيجابي. حيث اتضح في القصيدة إحساس إليوت بالكآبة، وصار البحر بالنسبة له مكانًا يعمّه شعور حداثي بالخواء. وبهذا فإن البحر في "الأرض الخراب" يطغى وجوده كمكان في القصيدة. وفي حالة استغلال البحر بصورة رمزية أو تشخيصه في أدب الحداثة، فهو في الغالب لا يعود له تأثير إيجابي على الأبطال كما كان الحال في الشعر الرومانسي. فالبحر في أدب الحداثة بارد وقاس، وتعكس برودته تلك وتقلّبه حالة التشوش التي عمت العالم إبان الحرب العالمية. لكن جنبًا إلى جنب مع روايات الحرب، كانت هناك بعض الكتب التي يمثل فيها البحر منفذًا للهرب والتجدد. وبالرغم من أن البحر في أدب الحداثة كان إما باردًا قاسيًا، أو بمثابة مكانٍ للهروب، إلا أنه توجد بعض الأعمال التي يمكن العثور فيها على كلا الصورتين للبحر في ذات العمل الأدبي. وتعد رواية فيرجينيا وولف "إلى المنارة" (1927)، التي هي من أشهر أمثلة أدب الحداثة، مثالًا على ذلك. ففي الرواية يساعد هدير الموج الهادئ السيدة رامزي على تهدئة أعصابها واستعادة قواها، وبهذا يمثّل البحر ملاذًا يساعد على الراحة والتجدد لبعض الوقت. لكن فجأة، يحدث تغيّر جذري؛ ويُظهر البحر وجهه القاسي دون سابق إنذار، بحيث يتحول وقع الموج الهادئ ليغدو وكأنه قرع طبول، ولا يعود لذلك التشبيه إيحاء بتأثير البحر الإيجابي. ويحدث هذا التغير المفاجئ دون أي تغيير في المكان أو الحبكة. لذا فلو كان البحر يُصور في أدب الحداثة كملاذٍ للهرب والتجدد من وقت لآخر، فإن هذه الصورة لا تدوم كثيرًا، بل هي مجرد لمحة أمل عابرة. فتحت السطح، تظل قسوة البحر كامنة، وتبقى هذه القسوة هي السمة الغالبة للبحر في أدب الحداثة. وحيث إن التركيز لم يعد منصبًا على الأحداث والمغامرات في البحر ولم يعد يُحتفى بها، فإن أدب البحر في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين أظهر البحر بصورة هادئة، إن لم تكن سلبية. وصار البحر بمثابة مكان هادئ، يحثّ الشخصيات على التوقف والتأمل والتفكير في حيواتهم والشك في ذاتهم. وبالطبع فإن كل حركة أدبية رئيسة تتداخل مع باقي الحركات الأخرى، ومن الممكن العثور على أمثلة تناقض تلك التي طُرحت هنا. لكن بالرغم من ذلك، فإنه لا يمكن إنكار وجود هذه الاتجاهات الرئيسة في تاريخ أدب البحار. (بقلم إلينا رين ـ ترجمة: إيناس تركي).