قضايا وآراء

أزمات السودان والانقلاب الأخير

محمود النجار
1300x600
1300x600
بدأت أزمات السودان السياسية والاقتصادية بالتفاقم بعد انفصال جنوبه عنه، وفقدان الجزء الأكبر من النفط الذي ذهب إلى الجنوب بناء على حيازة الأرض. وكانت هذه هي النقطة الفارقة التي أضعفت السودان، وأججت غضب الشارع السوداني، لا سيما أن البلد كان يعاني أصلا من هشاشة الاقتصاد وضعف النمو، وتدهور الأوضاع المعيشية الذي ظل يعاني الشعب منه لعقود طويلة، منذ أيام النميري حتى يومنا هذا.

لكن انفصال الجنوب عام 2011 كان البداية الحقيقية للمتاعب التي ظل يعاني منها البلد، وخصوصا بعد تحرير سعر صرف الدولار الذي وصل إلى أرقام خيالية مقابل الجنيه السوداني، فقد بلغ سعر الدولار 2018 رسميا 45 جنيها وفي السوق الموازي نحو 70 جنيها، وهو ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية.

أمام هذا الوضع، لم يستطع نظام البشير التقدم خطوة واحدة في سبيل حلحلة الأوضاع، وتوفير نمو - ولو كان بسيطا - في محاولة لإنعاش الحالة الاقتصادية القائمة، وظل الاقتصاد في حالة انهيار مستمر في ظل أفق مسدود وعقوبات أمريكية وأممية، استطاعت أن تضعف من الوزن الدولي للسودان وحرمتها من كثير من الامتيازات كالقروض والمساعدات، هذا بالإضافة إلى تقييد المعاملات المصرفية الدولية والحصول على التكنولوجيا، وتقييد الاستيراد بسبب القيود على التعاملات البنكية الدولية، مما أثر بالغا على الصناع والتجارة، وأدى إلى توقف عدد كبير من المصانع عن العمل أو التشغيل في مستوى الحد الأدنى.

كان يجب على البشير الذي لم تكفه ثلاثون سنة حكما للسودان؛ أن يتنحى طواعية في محاولة لتغيير الواقع السوداني برمته، لا سيما أنه كان مطلوبا للعدالة الدولية، وأمور البلاد تزداد سوءا يوما بعد يوم، لكنه آثر البقاء في الحكم على حساب الوطن والمواطن، ولو تنحى طواعية؛ لأصبح بطلا وطنيا، ولكان بإمكانه ضمان عدم تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن يلقى وجه ربه.

ظلت الأوضاع الاقتصادية والسياسية تراوح مكانها إلى أن ثار الشعب على البشير وأركان حكمه، وخانه من شاركه الحكم والقرار، وصاروا فجأة ثوريين يرفعون شعارات الثورة كأنهم لم يكونوا يوما جزءا من النظام، ونسي الشعب، وتناسى الثوريون الجدد جرائم حمدوك وعبد الفتاح البرهان اللذين كانا جزءا لا يتجزأ من النظام السابق!

ومنذ الانقلاب الذي أطاح بالبشير في 11 نيسان/ أبريل 2019 حتى اليوم، ما الذي قدمته حكومة حمدوك للسودانيين؟! أو لنقل ما هي الإجراءات الفعلية التي قامت بها الحكومة في سبيل تحسين أوضاع المواطنين؟! وربما كان أعظم إنجازات هذه الحكومة التطبيع مع الكيان اللقيط!!

كان لا بد من الإطاحة بالبشير، وربما كان لا بد من تغيير جوهري في شكل الحكم في البلاد، وكان لا بد من ثورة ثقافية أخلاقية اقتصادية جذرية تعمل على تغيير الواقع المقيت الذي سبق "الثورة"، وقد جاءت الفرصة، لكنها كانت فرصة ميتة، حين حكم العسكر من جديد مستخدمين الحيل السياسية والدهاء العسكري في إقناع الشعب بأنهم يتقاسمون السلطة مع المدنيين الذين لم يبدوا سخطا كبيرا، ولم يتمردوا على قرار التطبيع، ورضوا أن يظلوا تابعين لكذبة المشاركة في الحكم لمدة ثلاث سنوات، وهي مدة طويلة، وأغلب الظن أن العسكر تعمدوا إطالة أمدها ليتمكنوا خلالها من التفرد بالحكم وربما من خلال انتخابات شكلانية كما حدث في مصر السيسي!!

لقد كان الانقلاب الفاشل الذي حدث ليلة الاثنين/ الثلاثاء (20/ 21 أيلول/ سبتمبر 2021) حدثا غير مستغرب، بل متوقعا، وربما لا يكون الأخير؛ ذلك أن الأحوال المعيشية المتردية تزداد رداءة، والمشهد السياسي يزداد قبحا، حيث تقوم الحكومة بالرقص على الحبال في مواجهة التحديات، فلم يسمع الشعب إلا التصريحات المواربة، والإجراءات الهشة للرئيس ورئيس حكومته، بما لا يبشر بدولة ذات كيان ومؤسسات قادرة على التغيير وأداء دور إقليمي ودولي يمكنه تحقيق الحضور الوازن للدولة، ولديه الإمكانية لتوفير السيولة المادية، وإدارة دواليب الدولة بشكل مقنع للشعب على الأقل، ناهيك عن المجتمع الإقليمي والدولي.

وكعادة الانقلابيين، فقد ألصقت محاولة الانقلاب بأتباع البشير، تماما كما يلصق دبيب النمل بحركة الإخوان في مصر، علما بأنه لا مؤشرات حتى الآن على علاقة جماعة البشير وحزب المؤتمر الوطني بالانقلاب من قريب أو بعيد، بل إن حزب المؤتمر أدان الانقلاب، وعرّض به.

لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه: لماذا كان هذا الانقلاب الذي قاده جنرال كبير في الجيش برتبة لواء؟ أكان بسبب المواقف المنبطحة لحكومة حمدوك ورئيسه؟ هل هو قرار تسليم البشير للمحكمة الدولية؟ أم الأوضاع الاقتصادية المتردية؟ أم عملية التطبيع الخيانية والانحياز للدول المطبعة والتحالف معها؟!

ويأتيك بالأخبار من لم تزود..!!
التعليقات (0)