قضايا وآراء

بعد حشود 26 سبتمبر.. هل يراجع قيس سعيد نفسه؟

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600
لم يكن متوقعا ذاك الانسياب البشري التلقائي الذي ملأ شوارع العاصمة التونسية يوم 26 أيلول/ سبتمبر 2021، ورغم ما أقدمت عليه شرطة المرور من سد منافذ العبور في محطات الاستخلاص بالطريق السيارة، فقد اقتحمت الجماهير مشقة الطريق مشيا على الأقدام لمسافة عدة كيلومترات لبلوغ ساحة الوقفة الاحتجاجية أمام المسرح البلدي، وقد عمدت الشرطة لغلق الطرق المؤدية لشارع بورقيبة لمنع التحام الجموع القادمة من الالتحاق بمكان الوقفة الاحتجاجية.

لم تكن الدعوة حزبية بل كانت مواطنية مدنية، حيث حضرت جموع غفيرة من عموم الناس، ومن قواعد أحزاب ومن شخصيات وطنية حقوقية وثقافية وإعلامية. فلا يمكن القول بأن المعركة هي بين قيس سعيد وحّد الأحزاب السياسية، أو بينه وبين أحزاب الحكم ونواب البرلمان. فقد تعالت أصوات من مختلف الأطراف تدين الانقلاب، وصدرت بيانات حزبية في ذلك من أحزاب في غير انسجام مع حركة النهضة، بل تعتبر مناهضة لها وأولها حزب العمال الشيوعي.
لا يمكن القول بأن المعركة هي بين قيس سعيد وحّد الأحزاب السياسية، أو بينه وبين أحزاب الحكم ونواب البرلمان. فقد تعالت أصوات من مختلف الأطراف تدين الانقلاب، وصدرت بيانات حزبية في ذلك من أحزاب في غير انسجام مع حركة النهضة، بل تعتبر مناهضة لها

الشعارات المرفوعة كانت موحدة وواضحة، وهي المطالبة بسقوط الانقلاب ورحيل قيس سعيد الذي يتهمه المحتجون بخيانة القسم والانقلاب على ناخبيه حين أقدم ليلة 25 تموز/ يوليو على تعليق أنشطة البرلمان وعلى عزل رئيس الحكومة، ثم في محطة لاحقة وتحديدا يوم 22 أيلول/ سبتمبر أعلن عن تعطيل الدستور؛ وسن قوانين استثنائية تعطيه مطلق السلطة وتجعل مراسيمه فوق الدستور وتمنع الاعتراض على أي قرار من قرارته.

لقد كشف قيس سعيد يوم 25 تموز/ يوليو عن وجه انقلابي سافر، وكشف أيضا في كلمته يومها بمقر محافظة سيدي بوزيد عن نزوع استبدادي تسلطي استعلائي واستعدائي، ولم يتردد في اتهام من حضروا الوقفات الاحتجاجية يوم 18 أيلول/ سبتمبر في كل من العاصمة التونسية والعاصمة الفرنسية؛ بالمخمورين والمرتزقة، وكان في حالة توتر وانشداد عصبي غير مسبوقة.

ورغم الضغط الخارجي ودعوات العودة إلى المسار الديمقراطي، فإن الرئيس قيس سعيد ما زال يعلن مضيّه في نفس المسار ويؤكد عدم تراجعه قيد أنملة، بل وما زال يبتدع مفردات لوصم من يتخذهم خصوما بكل معيب مشين.

هل يستمع قيس سعيد إلى شعارات حشود الأحد الغاضب (26 أيلول/ سبتمبر) بشارع بورقيبة؟ هل يُقدّر حجم تلك الحشود المدنية السلمية المتحضرة والتي لا تشبه من خرجوا يوم 25 تموز/ يوليو فكسروا وأحرقوا بتحريض منه شخصيا؟ هل يتوقف قيس سعيد عن التقدم في مساره الشعبوي المغامر فيدعو إلى حوار وطني تحت إشرافه وبمشاركة منظمات وطنية وأحزاب سياسية؟
طبيعة قيس سعيد لن تسمح له بمراجعة النفس ولا نقد ذاتي، ولن يصغي لأي صوت خارج "صوته النفسي" ولن يخضع لأي ضغط حتى وإن كان أمريكيا، فقد سبق أن أكد كونه مشروع شهادة وأنه سيقاتل

طبيعة قيس سعيد لن تسمح له بمراجعة النفس ولا نقد ذاتي، ولن يصغي لأي صوت خارج "صوته النفسي" ولن يخضع لأي ضغط حتى وإن كان أمريكيا، فقد سبق أن أكد كونه مشروع شهادة وأنه سيقاتل، فالرجل حدد سقف "صموده" وتضحياته وهو "الشهادة"، وقد ذكر أكثر من مرة كونه مهددا بـ"الاغتيال".

وسواء كان قيس سعيد هو صانع الانقلاب، أم كانت جهات خفية تدفع به وتنحت قاموس خطابه، فإن الأمل في عودته عن مساره الانقلابي ضعيف جدا، وهو ما يجعل المراقبين يتوقعون أكثر من احتمال:

- تواصل الاحتجاجات وتوسعها لتمتد إلى مختلف الجهات من الشمال إلى الجنوب والوسط.

- اتساع جبهة الأحزاب المعارضة للانقلاب، وقد تلتحق بها منظمات وطنية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي بدأ يتخذ مسافة من الانقلاب.
إذا ما استمر الاحتباس السياسي والاجتماعي إلى فصل الشتاء، وهو فصل الاحتجاجات في تونس، فقد تشهد البلاد انفجارا اجتماعيا غير مسبوق ضد كل السياسيين وضد رأس المال الوطني وضد اتحاد الشغل، وعندها يخرج الشارع عن السيطرة

- انتقال الضغط الخارجي من بيانات الإدانة والتحذير إلى "الحصار الاقتصادي" بمنع المساعدات والقروض، وهو ما سيجعل قيس سعيد عاجزا عن تحقيق وعوده لجمهور الفقراء والمعطلين؛ الذين خرجوا يوم الانقلاب يباركون خطوته تلك ويعلقون عليه آمالا واسعة في المسألة الاجتماعية، وعجزه هذا سيجعله يفقد حماسة الناس ووقوفهم معه بوجه معارضيه، بل إنهم قد ينقلبون عليه ويعتبرونه كما سابقيه في الفشل والعجز.

وإذا ما استمر الاحتباس السياسي والاجتماعي إلى فصل الشتاء، وهو فصل الاحتجاجات في تونس، فقد تشهد البلاد انفجارا اجتماعيا غير مسبوق ضد كل السياسيين وضد رأس المال الوطني وضد اتحاد الشغل، وعندها يخرج الشارع عن السيطرة، ولن تكون هناك خطوط حمراء ولا رأي حكماء، وهو ما سيدفع إلى التفكير في الحلول السيئة بهدف منع الأسوأ وضبط حركة الشارع، وإجبار الجميع على الجلوس للتفكير في معالجات وطنية عاقلة.

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)