كتب

بعثة مشاة البحرية الأمريكية إلى نهر الأردن والبحر الميت 1848

كانت انطباعات لينش عن فلسطين، مشابهة لانطباعات كثير من الحجاج المسيحيين
كانت انطباعات لينش عن فلسطين، مشابهة لانطباعات كثير من الحجاج المسيحيين
في الثامن من أيار/ مايو 1847، ومع انتهاء الحرب الأمريكية المكسيكية في عام 1847، وتحقيق النصر، أرسل وليم فرانسيس لينش (William Francis Lynch’s)، طلبًا إلى رئيس البحرية الأمريكية، جون ميسون، للحصول على إذن، يسمح له بالإبحار، واستكشاف البحر الميت. 

بعد انقضاء بعض الوقت، في اليوم الحادي والثلاثين من تموز/ يوليو عام 1847، تلقى لينش خبراً مفاده أن طلبه المتعلق بإيفاد بعثة استكشافية أمريكية إلى البحر الميت، قد تمت الموافقة عليه، بحماس، من قبل وزارة الحربية، في واشنطن، فسافر إلى قاعدة بروكلين البحرية، ليتسلم قيادة سفينة صبلاي، التي كانت تسمى سابقًا "المقاتل الصليبي".

غادر لينش الشواطئ الأمريكية صبيحة يوم السادس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1847 متوجهًا إلى أزمير، ومنها إلى إسطنبول، ثم إلى بلاد الشام، لينهي مهمام بعثته مع نهاية 1848، وقد دون يومياته بعنوان (Narrative Of The United States Expedition To The River Jordan And The Dead Sea 1848). وبعد أكثر من قرن ونصف على نشرالكتاب باللغة الإنجليزية، صدرعن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت، 2021)، الترجمة العربية للكتاب بعنوان "بعثة مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) لاستكشاف نهر الأردن والبحر الميت 1848" (614 صفحة من القطع المتوسط)، ترجمة: جمال أبو غيدا، تقديم: د. جوني منصور. 

الحصول على إذن عثماني

حصل لينش على فرمان سلطاني عثماني من الصدر الأعظم في السادس من آذار/ مارس عام 1848. وقد كان موجهًا إلى باشا صيدا وباشا القدس، وهما أرفع المسؤولين العثمانيين مقامًا في بلاد الشام (ص 136). وفي أثناء رحلته من القسطنطينية (إسطنبول) إلى سواحل فلسطين، زار الأطلال والخرائب، ورأى جدران مدينة إفسس، التي كانت المركز التجاري في هذه المنطقة من آسيا، وأقواس رومانية ضخمة قيل بأنها صوامع حبوب، ومعبد شيد على النمط المعماري اليوناني، تغطت أرضيته ببقايا الأعمدة المحطمة، (ص 140- 145). 

على خطى يسوع

نزل لينش على الشاطئ خارج أسوار بلدة حيفا، وكتب يقول: "وربما للمرة الأولى على الإطلاق، كانت رايتنا الأمريكية ترفع في فلسطين خارج مقرات بعثاتنا القنصلية، وعسى أن تكون تلك بشارة خير لبعث وإعادة إحياء ذلك الشعب الذي يعيش حياته في هوان في الوقت الحاضر" (ص 157). 

بدا الأمر وكأن لينش، أيضاً، سعيد بكل ما يراه، من العَلَم الأمريكي، المرفرف فوق جنوده، إلى منظر بحيرة طبرية، وكانت مجرد فكرة أنه يسير على نفس السواحل، التي وطأها يسوع. ويلمس المياه التي سار عليها، تثيره، وتملؤه بالفرح. فقد كتب يقول: "خيم علينا صمت مطبق بعض الوقت، بينما كنا غارقين في تأملاتنا بالبحيرة، ولا ريب أن أذهاننا قد عادت بالذاكرة إلى الزمن الذي هبت فيه الرياح العاصفة فصرخ الحواري الضعيف الإيمان قائلًا: (أنقذني يارب، أو سوف أهلك)" (ص 214- 215).

استكشاف البحر الميت

بدأ لينش رحلته، من بحيرة طبريا، عبر نهر الأردن، إلى البحر الميت، حيث استغرقت الرحلة ثلاثة أشهر (نيسان ـ حزيران 1848)؛ وبعدها ، عاد لإكمال مهمته في استكشاف الجزء الشمالي من نهر الأردن، وبحيرة طبريا، من خلال قاع بحيرة الحولة، المصب الرئيس لمياه نهر الأردن، قبل مغادرة المنطقة، عبر مدينتي دمشق، وبيروت، في نهاية حزيران عام  1848.

خلال جولة لينش في البحر الميت، التي استمرت 22 يومًا، كتب: "سبرنا أغوار هذا البحر بحرص ودقة، وقامنا بتحديد موقعه الجغرافي، ورسمنا لوحات طوبوغرافية دقيقة لشواطئه، وأخذنا قياسات دقيقة لدرجات حرارته وعمقه وعرضه وسرعة جريان المياه في الروافد التي تصب فيه، وجمعنا عينات من كل العناصر والأنواع، وأخذنا ملاحظات حول الرياح والتيارات المائية وتبدلات الطقس، والظواهر الجوية الأخرى كافة" (ص 476).

كان لينش مقتنعاً بأن البحر الميت قد غرق بفعل نشاط غير طبيعي، "بعد مرور 22 يومًا أمضيناها في إجراء أبحاثنا المعمقة، وإن لم أكن مخطئاً، فقد أجمعنا جميعًا على الإيمان بمصداقية وصحة النصوص التوراتية التي سردت وقائع تدمير المدن الآثمة في هذا السهل، وأنا أسجل قناعاتنا التي توصلنا إليها وقد انتابني شعور بشيء من الخجل، فقط، لكيما أدحض الحجج الواهية وغير المثبتة، التي عادة ما يتشدق بها غير المؤمنين عند أي نقاش معهم حول هذه القضية" (ص 479). 

كانت انطباعات لينش عن فلسطين، مشابهة لانطباعات كثير من الحجاج المسيحيين، بل إن أغلب ما دونه عن بعثته لا يزيد عن كونه قائمة بالمواقع الواردة في "الكتاب المقدس"، وبالأحداث المرتبطة بها. في محاولة منه لربط جغرافية فلسطين بالكتاب المقدس.

دعوة لينش لتوطين اليهود
 
كتب لينش عن الحالة الراهنة في فلسطين: "لن يستدعي الأمر أكثر من النجاح في تدمير طاقة تلك الإمبراطورية [يقصد الإمبراطورية العثمانية] التي جثمت على صدر المشرق كالعفريت طوال قرون عديدة. بغية ضمان إعادة اليهود إلى فلسطين (...) إن ازدياد درجات التسامح، واندماج الأعراق، والإجماع الذي تحظى به الأعمال الخيرية التي يتم القيام بها في هذه البلاد، تثبت للمراقب المهتم، وعلى الرغم من جميع علامات التعصب الأعمى، بأن الضغائن والمشاعر السلبية الموجهة لهذا العرق التعيس (اليهود) سرعان ما ستختفي وتحل محلها مشاعر التعاطف الأشبة بالرحمة الإلهية، قد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكنه قادم لا محالة، فكل الأمور تمضي قدمًا، وبعناية الله، ستؤول الأمور إلى نهايات سعيدة" (ص 511). 

أثناء زيارة لينش إلى الكرك، وتجواله في وادي الأردن، قارن بين أهالى المنطقة والهنود الحمر في شمال أمريكا، ونقل في الختام المقارنة التي وضعها شاتوبريان [دوشاتوبريان] للتمييز بين هذين العرقين، حيث قال: "كل شيء في سلوك وحياة الهندي الأحمر الأمريكي يُظهر همجيًّا لم ينضج بعد بما يؤهله للالتحاق بركب المدينة، أما في حالة الأعرابي، فكل ما يشير إلى رجل كان متمدنًا ذات زمن، بيد أنه انحدر في سلوكه إلى الدرك الأسفل من الهمجية" (ص 531). 

ويفهم من مقارنات لينش، أن الهندي الأحمر أصبح متمدن بعد الاستيطان الأوروبي! لذلك كتب: "لو أخذ طفل هندي أحمر من بيت والديه، ونشأ في بيئة مسيحية أمريكية، فمن المحتمل أن يكبر ويشتد ساعده ليصبح مبشرًا تقيًّا ورعًا، يكرز بتعاليم الإنجيل" (ص 528). كأنه يريد الإشارة إلى ضرورة استيطان "اليهود" في هذه المناطق لتطويرها وتمدنها!

عاد لينش إلى نيويورك، بعد مغادرتها بثلاثة عشر شهرًا. وبحسب الباحث الأمريكي نيل سيلبرمان، "تركت بعثة لينش أثراً دائماً، على الرغم من خيبة آمالها التجارية. فنشر رواية لينش الشخصية قصة البعثة، وظهور كتاب، بقلم عضو آخر من الفريق، أثارا اهتماماً شعبياً كثيفاً، بمتابعة استكشاف فلسطين. وتجسَّدت الأحداث الدرامية لأشكال معاناة البحارة الأمريكان، في أرض الكتاب في الوعي الشعبي، بحيوية بالغة، طاغية على الهموم الدينية للمبشِّرين، أو الباحثين الكتابيين". 

الكتاب يقع في 614 صفحةً من القطع المتوسط، ويتألف الكتاب من: تقديم د. جوني منصور، وتمهيد للمترجم، الترجمة العربية، وخمسة وعشرين فصلًا.

التعليقات (0)