ملفات وتقارير

هل يصمد اتفاق البرهان-حمدوك أمام صرخات المتظاهرين الرافضين؟

عديد من القوى المحلية أعلنت رفضها اتفاق البرهان-حمدوك- جيتي
عديد من القوى المحلية أعلنت رفضها اتفاق البرهان-حمدوك- جيتي

وقّع رئيس الحكومة الانتقالية بالسودان عبد الله حمدوك، الأحد، اتفاقا سياسيا مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان؛ لمعالجة تداعيات الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، وما لحقه من احتجاجات شعبية، أسفرت عن مقتل 40 شخصا.

واحتوى الاتفاق على 14 بندا، أهمها التأكيد على الوثيقة الدستورية لسنة 2019، المعدلة في 2020، وأنها المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الانتقالية، مع الإشارة إلى ضرورة تعديلها؛ لتضمن مشاركة سياسية واسعة.

وأكد الاتفاق أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن الوحيد للاستقرار في السودان.

ورحبت عدة جهات دولية وعربية بالاتفاق، الذي تم رفضه من قبل قطاع واسع من المتظاهرين في الشارع، إضافة لرفضه من قبل "تجمع المهنيين"، المحرك الرئيسي للشارع.

كذلك أعلنت عدة أحزاب رفضها للاتفاق، منها: حزب الأمة القومي، وحزب المؤتمر السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي.

 

اقرأ أيضا: اتفاق في السودان.. العسكر يعيد حمدوك إلى الحكومة

"أمور مجهولة"
وعلى الرغم من أن هناك مؤيدين للاتفاق، إلا أن رفض الكثير من المتظاهرين في الشارع له يطرح سؤالا حول ما إذا كان الاتفاق سيصمد أم لا، وهل سينهي الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر؟

يرى الباحث الفرنسي في مركز الدراسات الدولية بباريس، رولاند مارشال، أن "الاتفاق لن يصمد طويلا، وذلك بسبب الفجوة بين الشارع وحمدوك"، مستدركا بالقول: "لكن كمحلل أكاديمي، لا ينبغي أن أتوقع المستقبل".

وأشار مارشال خلال حديثه لـ"عربي21" إلى أن "هناك كثيرا من الأمور المجهولة في الاتفاق، حيث من غير الواضح من الذي سيختار التكنوقراط الذين سيعينون كوزراء في الحكومة، كذلك يبدو أن بنية الرقابة والتوازنات بين السلطات لا تزال لصالح الجيش".

وأضاف: "أيضا ما زالت مسألة كيف يمكن تنظيم الانتخابات بطريقة حرة ونزيهة مجهولة، حيث ادعى (الانقلابيون) أنهم يريدون توسيع الساحة السياسية، ولكن إدخال إسلاميين، وهم حزب المؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح، الآن في النظام لا يستجيب لهذا التحدي، حيث سيمنح ذلك الإسلاميين تأثيرا على العديد من الجوانب الدستورية، دون جعل الحكومة أو النظام أكثر تمثيلاً للمناطق الريفية".

وأكد أن "الشارع السوداني لم يتفاعل بشكل إيجابي مع الاتفاق؛ لأنه لم يوضح الكيفية التي سيتم فيها تسليم العسكريين السلطة للمدنيين في المستقبل المقبل، لذلك يجب تقديم المزيد من التفسيرات من قبل الموقعين، قبل أن تتحول المواقف السلبية تجاه الاتفاق إلى مواقف أكثر إيجابية، خاصة أن مقتل عدد من الأشخاص في الشارع يجعل قبول الرافضين للاتفاق أكثر صعوبة".

وأوضح أنه "نتيجة غموض تفاصيل الاتفاق، يصبح من الصعب النظر للاتفاق على أنه حل حقيقي للأزمة".

"اتفاق الضرورة"
من جهته، أشار الباحث البريطاني في سياسات النخبة الأفريقية، والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، أليكس دي وال، إلى أنه "كان من الضروري وجود اتفاق ما بين الطرفين".

وقال دي وال لـ"عربي21": "إذا حصل اتفاق أمس على دعم الثوار، يعني ذلك تجنب إراقة المزيد من الدماء، وبالتالي تجنب تصلب المواقف من قبل الجانبين، لذلك لا أرى أن موقف قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين الرافض لوجود صفقة مع الجيش واقعياً من الناحية السياسية".

وتابع مستدركا: "ولكن التحدي الأكبر أمام هذا الاتفاق هو الإجابة عن الأسئلة التالية: ما هي الصلاحيات الحقيقية الممنوحة لحمدوك بموجب الاتفاق؟ هل سيرأس مجلس السيادة مدني وسيكون بأغلبية مدنية؟ كذلك هل يمكن تفكيك فلول النظام السابق وإمبراطوريات الأعمال التي يسيطر عليها الجيش؟ إذا كان من الممكن أن تحدث هذه الأشياء، فيمكن للصفقة أن تنجح".

  

"شعور بالخيانة"
بدورها أكدت خلود خير، الشريك الإداري في مركز "إنسايت ستراتيجي بارتنرز " في الخرطوم، أن "فرص نجاح الاتفاق محدودة جدا، وذلك لعدة أسباب، من أهمها أنه لا يحظى بشعبية".

وتابعت خير في حديث لـ"عربي21": "كذلك لا يضمن الاتفاق أن يكون رئيس الوزراء قادرًا على رؤية الإصلاحات التي يريدها دون تدخل من العسكريين، ولا يضمن عدم حدوث انقلاب في المستقبل القريب".

وأشارت إلى أن "الاتفاق لم يستطع تقديم الأمن والأمان للناس، فمثلا أثناء التوقيع عليه أصيب طفل يبلغ من العمر 16 عامًا برصاصة في رأسه، كذلك لم يعالج انعدام الثقة الذي لا يمكن إنكاره بين المدنيين والعسكريين".

وأوضحت بأن "الشارع تعهد بمواصلة الاحتجاج حتى إعلان الحكم المدني الكامل، وذلك لأن المتظاهرين يشعرون بالخيانة من تحرك حمدوك الأحادي الجانب لتوقيع هذا الاتفاق، دون استشارة قوى الحرية والتغيير أو تجمع المهنيين السودانيين أو جماعات مدنية أخرى، بالتالي فإن الاتفاق لا يمثل حاليًا أكثر من مجرد توقف مؤقت للأزمة السياسية الحالية وليس حلاً دائم".

 

اقرأ أيضا: إطلاق سياسيين اعتقلوا بعد الانقلاب.. ووزراء حمدوك يستقيلون

"الخيار الأكثر واقعية"
وعلى الرغم من ترحيب بعض الأحزاب السودانية بالاتفاق، إلا أن هناك أحزابا رفضته وأصرت على شروطها، وهي رفض وجود المكون العسكري كله في الحكم، ومحاسبة من نفذ الانقلاب وقتل المتظاهرين في الشارع.

وعبر عن هذا الرفض والشروط التي فرضتها الأحزاب الرافضة للاتفاق بيان حزب الأمة القومي (أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم)، الذي قال في بيان له إنه "إزاء هذا الوضع، فإن الحزب يؤكد على موقفه المعلن برفض أي اتفاق سياسي لا يخاطب جذور الأزمة التي أنتجها الانقلاب العسكري وتداعياتها من قتل للثوار الذي يستوجب المحاسبة".

 

وشدد الحزب في بيانه على أنه "لن يكون طرفا في أي اتفاق لا يلبي تطلعات الثوار والشعب السوداني قاطبة"، معربا عن "ثقته في المقاومة الباسلة والمنتصرة".

بدوره، أعلن "تجمع المهنيين السودانيين" رفضه لتوقيع الاتفاق، ووصفه باتفاق "الخيانة"، و"محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب".

وقال التجمع (قائد الحراك الاحتجاجي بالبلاد)، في بيان، إن "اتفاق الخيانة الموقع اليوم بين حمدوك والبرهان مرفوض جملة وتفصيلا، ولا يخص سوى أطرافه، فهو مجرد محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري، وانتحار سياسي لعبد الله حمدوك".

وأضاف: "نقاط اتفاق الخنوع، على علاتها وانزوائها بعيدا دون تطلعات شعبنا، فإنها لا تعدو كونها حبرا على ورق".

واعتبر البيان أن "هذا الاتفاق الغادر هو تلبية لأهداف الانقلابيين المعلنة في إعادة تمكين الفلول وتأبيد سلطة لجنة البشير الأمنية القاتلة، وخيانة لدماء شهداء ثورة ديسمبر قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر".

ويطرح رفض هذه الأحزاب للاتفاق تساؤلات عن واقعية طرحها السياسي.

بدوره، تساءل المحلل السياسي ومدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، أمية يوسف أبو فداية، عن "الخيارات الأخرى التي قدمتها هذه الأحزاب الرافضة للاتفاق"، مؤكدا أنه لا توجد خيارات، وأن هذا الاتفاق هو أفضل خيار متاح".

وأوضح أبو فداية، خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "في ظل عدم وجود خيارات تكون واقعية من الناحية السياسية متاحة، سيصمد الاتفاق؛ لأنه أفضل الخيارات المطروحة حاليا".

وأشار إلى أن "الأحزاب والحركات الرافضة شعرت بأنها أُخرجت من العملية السياسية، لذلك رفضته شكل مباشر"، مضيفا: "لكن برغم هذه الضغوط، وفي ظل الترحيب الدولي به، أرى أن الاتفاق قابل للتنفيذ والاستمرارية".

 

اقرأ أيضا: بلينكن يهاتف البرهان وحمدوك: نريد مزيدا من التقدم

ترحيب دولي ولكن؟
لكن بعد أن رحب المجتمع الدولي بالاتفاق، هل سيتحول هذا الترحيب إلى دعم سياسي ومالي؟
أكد الباحث البريطاني اليكس دي وال، أن "الاتفاق سيحصل على دعم غربي"، إلا أنه أكد "بنفس الوقت أنه من غير المعروف إذا ما كان الاتفاق سيساهم بتهدئة الشارع الغاضب أم لا".

من جهته، قال الباحث الفرنسي رولاند مارشال: "على الرغم من أن الغرب رحب نوعا ما بالاتفاق، خاصة الأمم المتحدة، إلا أن المانحين الرئيسيين سينتظرون توضيحات رئيسية، قبل أن يصدقوا بشكل كامل على الاتفاق كما قيل، حيث ما زال هناك الكثير من الأمور المجهولة فيه".

بدوره، قال أبو فداية: "المجتمع الدولي كله رحب وقبل بالاتفاق، والسلطة الآن تأمل بأن يساهم ذلك في رفع العقوبات ودعم السودان".

وحول رد فعل الشارع، قال: "المتواجدون بالشارع، سواء من أيد الاتفاق أو رفضه، ما زالوا في صدمة، حيث لم يتوقعوا عودة حمدوك بهذه السرعة، خاصة أنه كان هناك شائعات عن تعيين بدائل له".

 

اقرأ أيضا: إسلامي سوداني: اتفاق البرهان ـ حمدوك خطوة في الطريق الصحيح

وأضاف: "بالتالي، هذه الصدمة، مع الخطوات التي اتخذتها حكومة حمدوك في يوم توقيع الاتفاق، وهي تخفيف الإجراءات الأمنية وتوفير الحماية للمتظاهرين، ستؤدي لتقليل عدد المتظاهرين، وتخفف الاحتقان في الشارع".

 

من ناحيتها أشارت خير إلى أن "الغرب لديه ردود مختلفة ومتنوعة على الاتفاقية، ففي البداية كانت معظم ردود الفعل إيجابية، حيث اعتبرت هذا الاتفاق تحركًا نحو الديمقراطية -على الرغم من أن الشوارع هناك تعارضها إلى حد كبير".


وأضافت: "مع ذلك، لمسنا في الساعات القليلة الماضية تحولا في موقف الولايات المتحدة تجاه الاتفاق، حيث قالوا إنهم سيحتاجون إلى رؤية تغيير أكبر من أجل إعادة المساعدة المالية والدعم السياسي".

التعليقات (0)