صحافة دولية

"بلومبيرغ نيوز": ابن سلمان يستخدم النفط سلاحا ضد بايدن

ابن سلمان يحاول دفع بايدن إلى لقائه من خلال رفع أسعار النفط عالميا- وكالة واس
ابن سلمان يحاول دفع بايدن إلى لقائه من خلال رفع أسعار النفط عالميا- وكالة واس

نشر موقع "بلومبيرغ نيوز" تقريرا مطولا عن العلاقات الأمريكية– السعودية، أعده كل من ماثيو مارتن وخافيير بلاس، قالا فيه إن ولي العهد السعودي، الذي لديه المال الكثير اليوم، يتجاهل الرئيس جو بايدن، ويرسل إليه رسائل، ويستخدم النفط سلاحا ضده.


وجاء في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن الرئيس بايدن لم يتحدث مع الملك سلمان بن عبد العزيز سوى مرة واحدة منذ دخوله إلى البيت الأبيض، ورفض الحديث مع الأمير محمد بن سلمان مباشرة، نظرا للموقف منه بعد مقتل صحفي "واشنطن بوست" جمال خاشقجي في عام 2018. 


وبدا الرئيس بايدن محبطا بشكل عميق، فالتضخم في أعلى حالاته من 30 عاما بشكل سيشعر الأمريكيون -أغنياء وفقراء- بأثره، وقد يشاهدون زيادة أسعار النفط، وهذا موضوع سام للبيت الأبيض من الناحية السياسية. 


وقال بايدن في تشرين الأول/ أكتوبر إن "فكرة أن روسيا والسعودية، وهما منتجان كبيران، لن تقوما بضخ المزيد من النفط يمكن الناس من الوصول إلى العمل والعودة منه، ليست جيدا". 

 

اقرأ أيضا: إنترسيبت: ابن سلمان يحاول الانتقام من بايدن برفع أسعار النفط

وحاول مبعوثو الولايات المتحدة، في لقاءاتهم الخاصة وعلنا، إقناع السعوديين لضخ مزيد من النفط وبسرعة، بحسب المسؤولين من الجانبين. وكان الضغط الدبلوماسي موجها للأمير البالغ من العمر 36 عاما، الذي بيده تغيير سعر النفط ومصير السياسيين في الدول المستهلكة، وحسب ما يريد. لكن الأمير لم يتزحزح رغم المحاولات الدبلوماسية الأمريكية، وكان مهتما بإمدادات النفط والطلب عليه أكثر من احتياجات واشنطن.


وأفاد التقرير: "لكن لو أراد بايدن نفطا رخيصا، فإن ما يريده الأمير هو قائمة مطالب من البيت الأبيض وعلى رأسها: الوصول إلى الإدارة".

 

وقال بايدن في الشهر الماضي: "هناك الكثيرون في الشرق الأوسط يريدون الحديث معي -دون أن يذكر اسم ولي العهد- لست متأكدا أنني سأتحدث إليهم".

 

وفي النهاية، لم يحصل بايدن على النفط الذي يريده، ما أجبره يوم الثلاثاء على الرد وإخراج كميات من النفط الاستراتيجي، وهو قرار يحمل مخاطر التصعيد من "أوبك+". 


ويرى الموقع أن الأمير محمد بن سلمان يجلس على ما يوصف بأنه بنك مركزي للنفط، يشعر بالثقة لكي يطلب انتباها من بايدن وأي شخص، وبخاصة بعد انتعاش أسعار النفط.

 

ويعطيه تدفق المال القدرة على جعل المملكة مركز استثمار عالميا من خلال 450 مليار تملكها هيئة الاستثمارات العامة والتي يترأسها، ويريد أن تنمو ميزانيتها إلى تريليون دولار بحلول 2025.

 

وكانت السعودية في عام 2020 تنظر إلى الهاوية، فقد أدى وباء كورونا إلى انهيار أسعار النفط، ما أجبرها على زيادة معدلات الضريبة. وبعد عام على الوباء، زاد إنتاج النفط وأسعاره، ما ساعد على استعادة المملكة ماليتها وملء خزائنها بأموال جديدة، ما عزز موقع الأمير في الداخل.

 

وقال جيسون بوردوف، عميد مدرسة المناخ في جامعة كولومبيا والمسؤول سابقا في إدارة باراك أوباما: "السعودية في وضع قوي، ويزداد الطلب على النفط، ولم يعد الزيت الصخري الأمريكي كما كان، وسيحتاج العالم لمزيد من النفط السعودي على المستقبل القريب".


وفي سلسلة من المقابلات مع المسؤولين العرب والمصرفيين والدبلوماسيين، فالصورة التي ظهرت من كلامهم هي أن السعودية خرجت قوية من كوفيد- 19 من الناحية السياسية والاقتصادية.

 

ويرى الموقع أن عودة السعودية مرتبط بعطش العالم للوقود الأحفوري. ولا يزال العالم مدمنا على النفط كما كان قبل الوباء، وبرغم السياسات الداعية لمواجهة التغيرات المناخية.

 

اقرأ أيضا: هبوط أسعار النفط وسط ترقب لرد "أوبك+" على القرار الأمريكي
 

وعاد مستوى استهلاك العالم إلى 100 مليون برميل في اليوم، وهو نفس مستوى عام 2019. وزاد سعر نفط برنت الخام إلى 80 دولارا، رغم قرار استخدام النفط الاحتياطي الأمريكي. وسيصل إنتاج السعودية إلى 10 ملايين برميل في اليوم، الشهر المقبل. وأعلى من مستويات ما قبل كوفيد- 19.

 

ولو استمر إنتاج النفط في مستوياته الحالية، فستصل ورادات النفط السعودية إلى 300 مليار دولار عام 2022، حسب تقديرات بلومبيرغ نيوز، ما يعني أن الرياض ستكون في وضع جيد، وبأفضل أعوامها. وربما كان أكثر من هذا، لأن وكالة الطاقة العالمية تعتقد أن مستوى إنتاج النفط السعودي سيصل إلى 10.7 مليون برميل في اليوم عام 2022، وهو أعلى مستوى إنتاج سنوي.


ويقول ديفيد راندل، الدبلوماسي الأمريكي السابق وبخبرة سنوات في المملكة، إن أسعارا مرتفعة "تقوي وضع السعودية من الناحية السياسية والمالية"، و"سيكون موقع محمد بن سلمان أكثر أمانا"، مقارنة مع وضعه قبل سنوات. 


وصعد إلى السلطة في عام 2015، بعد وصول والده إلى العرش، أولا كنائب لولي العهد، ثم وليا للعهد في عام 2017. وكانت أمريكا سببا في الكثير من مشاكل السعودية، وبدعم من وول ستريت، حول ازدهار إنتاج الزيت الصخري الأمريكي، القوة بيدها، وكانت تكساس في مقعد القيادة لسوق الطاقة وليس الرياض.

 

وقبل صعود محمد بن سلمان بأشهر، انهارت أسعار النفط بسبب انتعاش الإنتاج الأمريكي، وانخفض سعر نفط برنت الخام من 115 دولارا في حزيران/ يونيو 2014 إلى 45 دولارا، في الوقت الذي تبع فيه محمد بن سلمان والده إلى القصر في كانون الثاني/ يناير 2015، ثم إلى أقل من 30 دولارا في عام 2016، وكانت السعودية تستنزف مالها.

 

وحاول محمد بن سلمان تحسين الوضع من خلال خفض النفقات والإعلان عن رؤية 2030 لإعادة تشكيل الاقتصاد وتنويعه. وتحسن الوضع لفترة ما بين 2017- 2018، وساعد على هذا تخفيف القيود الاجتماعية، والسماح لدور السينما، ومنح المرأة الحق بقيادة السيارات، إلا أن مقتل جمال خاشقجي في تشرين الأول/ أكتوبر فجر فقاعات الأمل، وتوصل تقرير للمخابرات الأمريكية سمحت إدارة بايدن بنشره هذا العام إلى أن ولي العهد أمر بالقتل.

 

وبعد الاحتفاء به من الشركات الدولية خفت الاهتمام، ثم انخفضت أسعار النفط بسبب كوفيد- 19 بداية 2020، بعد انتشاره أولا في الصين وبقية العالم. واعتمدت السعودية في السنوات السيئة على مواردها من البترودولار والاقتراض؛ لتمويل العجز المتزايد في المالية.

 

وانخفض احتياطها من 750 مليار دولار في الذروة عام 2014، إلى 437 مليار دولار هذا العام، ثم زاد إلى 465 مليار دولار. 

 

ومع زيادة أسعار النفط، تحسنت الرؤية، ويخطط القصر الملكي إلى عجز بالميزانية بـ140 مليار ريال (37 مليار دولار) في 2021، وبمرور الربعية الثالثة من العام، لم يكن العجز سوى 5.4 مليار ريال، ما زاد من منظور موازاة الحسابات قبل هدف عام 2023.

 

ورفضت وزارة المالية الحديث إن كانت ستوازن حساباتها هذا العام كما توقع بعض المحللين.

 

وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: "مبادرات التنويع مستمرة، وستزيد مع توفر الموارد". ولن تتغير أهداف الإنفاق أو الضرائب وأي فائض سيتم من خلاله دفع الدين أو تحويله لأحد الصناديق السيادية. وسيكون لدى محمد بن سلمان القدرة على الإنفاق، وبشكل جيد في المملكة، وحددت الحكومة نفقات بالتريليونات على كل شيء من المدن الجديدة في الصحراء إلى تحديث البنية التحتية المتهالكة، في محاولة لجعل المملكة مركزا ماليا وتجاريا ولوجيستيا في الشرق الأوسط.

 

وقال مازن السديري، مدير الأبحاث في الراجحي كابيتال: "أسعار النفط جيدة للاقتصاد، ولكن ليس بالطريقة القديمة"، ففي الماضي استخدمت الحكومة موارد النفط لتوظيف عمال الخدمة المدنية لتخفيض نسبة البطالة. أما اليوم، فسيتم استخدام أي فائض في تعزيز الاحتياط وليس النفقات.

 

وفي محاولة لوضع المملكة في مركز المنطقة حل خلافاته مع قطر، وبدأ خطوات تقارب مع إيران. ويريد الأمير المزيد من الولايات المتحدة للمساعدة في وقف حرب اليمن. ويريد أسلحة لكي تدافع المملكة عن نفسها من الطائرات المسيرة التي أوقفت نصف عمليات إنتاج النفط في 2019.

 

ورغم كل التحسينات التي حدثت في البلاد، إلا أن السعودية لا تزال دولة نفطية، ولم تؤدي رؤية 2030 إلا لإنجازات متواضعة.

 

ويقول النقاد إن المشاريع المفضلة للأمير مثل بناء مدينة كاملة (نيوم) على البحر الأحمر تستنزف الكثير من المال بعائدات قليلة. وستجد السعودية نفسها في وضع سيئ لو انهارت أسعار النفط مرة أخرى نتيجة لموجة أخرى من كوفيد.

 

وفي الوقت الحالي، تبدو السعودية في وضع آمن، وتحالفها مع روسيا يبدو قويا، بحيث يضعها في موقع القيادة لسوق النفط، وهذا بفضل سياسات الأخ غير الشقيق للأمير، ووزير النفط الأمير عبد العزيز بن سلمان.

 

وتقول هيلما كروفت، الاستراتيجية في أر بي سي كابيتال ماركت أل أل سي والمحللة السابقة في سي آي إيه: "يشعر السعوديون أنهم في مقعد القيادة لسوق النفط".

 

وزاد كارتل أوبك+ من معدلات إنتاج النفط في الأشهر الماضية، لكن الرياض حاولت التأكد من أن عملية الإنتاج تتم ببطء أكثر من تعافي الطلب واستنزاف المخزون، وبالتالي زيادة أسعار النفط.

 

وانخفض المخزون للنفط الخام والصافي في الدول الصناعية إلى أقل من 2.8 مليار برميل، وهو أدنى مستوى منذ 2015. ومع ذلك استمر بايدن بتجنب الحديث مع محمد بن سلمان، رغم رغبته بتخفيض التضخم.

 

واستمر الرفض حتى بعدما أعلنت السعودية أنها ستصل إلى معدل صفر انبعاثات في 2060.

 

وقال نيل قويليام من معهد تشاتام في لندن: "مهما عرضت الولايات المتحدة على محمد بن سلمان، فليس كافيا لأن يدفعه ضخم مزيد من النفط"، و"يجب على الولايات المتحدة أن تقدم شيئا أكبر يدفع السعوديين لتغيير مسارهم، ويجب أن يشمل هذا على لقاء ثنائي بين بايدن ومحمد بن سلمان".

 

لكن الأمير لم يتجاهل فقط طلب الأمريكيين، فالرياض التي تقول إن أوبك+ ضخت كميات كافية من النفط للسوق سترفض مناشدات الصين والهند واليابان بضخ مزيد من النفط.

 

وناقش بايدن المشكلة مع نظيره الصيني شي جين بينغ في لقائهما الثنائي، واتفقا للعمل معا على استقرار سوق الطاقة.

 

وبعد أسبوع انضمت الولايات المتحدة إلى اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وأفرجت عن احتياطات من النفط الاستراتيجي.

 

ويتوقع أن تقوم الصين بعمل الأمر نفسه.

 

اقرأ أيضا: أمريكا و5 دول تقرر السحب من احتياطيات النفط.. والأسعار تهبط
 

ويرى السعوديون أن أزمة الضيق في السوق ستخف في كانون الثاني/ يناير المقبل. ويقولون إن زيادة الأسعار تدفعها أساسيات السوق والنقص الأكبر في الغاز الطبيعي والفحم الحجري.

 

وقال الأمير عبد العزيز: "النفط ليس مشكلة"، وذلك بعد لقاء افتراضي لكارتل أوبك+ الافتراضي في تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن "المشكلة في أن مجمع الطاقة يمر بحالة من الفوضى والجحيم".

 

وسيترأس الأمير في الأسبوع المقبل اجتماعا للتحالف أوبك+ من أجل الرد على خطوة بايدن. وكل هذا يعتمد على استمرار ارتفاع أسعار النفط فوق 80 دولارا للبرميل، لكن أوبك+ قد يرد على الخطوة بتأخير عمليات إنتاج جديدة.

 

وأشار التقرير إلى مؤتمر مبادرة استثمار المستقبل في الرياض الشهر الماضي، وخطوات السعودية لشراء نادي نيوكاسل يونايتد وحصة في شركة صناعة سيارات السباق ماكلارين.

 

لكن زيادة أسعار النفط العالية هي بطاقة لدعم عملية تحويل الاقتصاد. ويقول جيم كرين من جامعة رايس إن "على محمد بن سلمان استخدام ثراء اليوم لتأمين مستقبل الاقتصاد السعودي، من خلال التحرك بأسرع فرصة ممكنة على القطاعات غير النفطية. وعندما يتدفق ريع النفط، من السهل شراء مزيد من الدعم السياسي، ما يعني الحصول على الاستثمارات التي تريدها المملكة، والتقدم في ظل تحول مدمر للطاقة".

التعليقات (0)