قضايا وآراء

الفن بين المنع والمنح

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
قديماً وما يزال، وخاصة في الثلاثينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، كان الفن الحر، الذي يمثل خروجاً عن التقاليد المرعية لآداب وتقاليد المجتمعات، يتعرض للمنع بل والتشويه. لعل الانفراجة التي حدثت للفنون على مستوى العالم في ستينيات القرن المنصرم؛ جعلت مفهوم المراعاة الكلاسيكية لمعايير المجتمع تتوارى لينطلق الإبداع إلى آفاق الحرية دونما قيود. لكن برغم تقدم مفهوم الفن والحرية في العالم، إلا أن التطور كان يسير ببطء وتحفظ واستحياء في مصرنا الحبيبة.

لا ننكر أن الفن المصري شهد موجة من الحرية والجرأه في منتصف الستينيات حتى أواخر السبعينيات، لكنه نظراً لعوامل كثيرة حوصر مرة أخرى وارتد إلى سابق عهده.

ارتد إلى المنع والحجب.. ولعل المثال الذي سنسوقه بهذه المقالة حول المعركة الدائرة بين نقيب الموسيقيين الفنان هاني شاكر من ناحية ورجل الأعمال المرموق نجيب ساويرس من ناحية أخرى؛ لهو خير دليل على ما ذكرناه. كاتب هذه السطور لا يريد أن ينحاز لموضوع الخلاف والنزاع، أو ما اصطلح على تسميتهم بفناني المهرجانات وما يقدمونه من فن؛ يراه الكثيرون انحطاطا وبذاءة.

جاء الخلاف العظيم، فالنقيب بصفته القانونية والفنية بل والشخصية؛ يصدر قرارات بمنع هؤلاء من الغناء بحجة عدم حصولهم على عضوية النقابة. أثارت هذه القرارات رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي اعترض بدعوى أن هذا المنع يحد من حرية الإبداع؛ بل واتهم النقيب بالغيرة. زاد على اعتراضه بأنه لا يسمع النقيب - أي يقصد هاني شاكر - كمطرب مما أغضب هاني شاكر وظهر في إحدى المداخلات التلفزيونية ليصرح بأنه لا يشرفه أن يسمع نجيب صوته.

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بصدام بين قطبين يمثلان توجهاً على طرفي نقيض بين المنع والمنح.

الحقيقة كما نوهت: أننا نحن ليس بمعرض أن ننحاز لأحد الطرفين، لكننا بمعرض السؤال عما هو أهم من وجهة نظرنا.

السؤال الذي يطرح نفسه ببداهة وبراءة: أين الدولة مما يحدث؟ ما موقف الدولة وماذا تدعم؟ لأننا إذا نظرنا إلى العالم وموقف الدولة من الفن نجد الدولة تدعم الفن الراقي بكل الوسائل والطرق؛ ليقف الفن الراقي المدعوم من الدولة أمام الفن الرخيص والرديء. وعلى هذا تصبح الغلبة للفن الجيد الراقي وبدوره يطرد الفن الرديء من الساحة الفنية ، دونما حاجة الدولة إلى المنع تحت أو مسمى؛ حيث يعيدنا ذلك إلى الممارسات الفاشية المكروهة والمرفوضة، ويعيدنا أيضا إلى محاكم التفتيش التي ارتكبت مذابح باسم الأخلاق والدين.

لهذا فإنني أهيب بكل أطراف النزاع أن ينسوا هذه الخلافات، وبدلاً من الشجب والنقد والذم فليتوجهوا لدعم الفن الرفيع. ماذا لو قدموا ورقة عمل للدولة لدعم كل أنواع الفن البديع الذي قل دعمه؛ فأصبح مهددا بالانقراض أمام ما سمي بأغاني المهرجانات؟

الحل ليس في المنع، ولكنه في المنح لمستقبل فني أرفع وأجمل.
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الإثنين، 29-11-2021 01:25 م
*** الكاتب على عادة التائهين بين أوهام الإبداع يعيش في أحلام اليقظة وإيحاءات الخيال، ويغمض البصر عن حقيقة الواقع، رغم كونه يعاني من ضنك المعيشة في المنفى، هو وآلاف غيره من السياسيين والمفكرين والأدباء والإعلاميين والفنانين من خيرة أبناء الوطن، كما أن النخبة الصامتة في الداخل يعيشون تحت نظام حكم عسكري انقلابي دكتاتوري لا يرجى منه خير لا للفنون ولا لغيرها، ولذلك فمن العجب العجاب أن يناشد الكاتب دولة السيسي ويأمل في أن ترعى الفنون الراقية، فالجنرال الانقلابي الدجال نفسه قد أقر بلسانه أنه يحكم شبه دولة، والفنون والآداب والإعلام في أشباه الدول لا دور لها إلا في كونها أبواق لترويج الدعاية لتأليه الحاكم وتقديس أفعاله والإشادة بإنجازاته الوهمية، من أجل تنويم الشعب وغسيل أدمغته وتأميله في غد مشرق لن يأتي أبداً في ظل الانقلاب، كذلك كان الفن الذي يشيد به الكاتب في الستينيات، الذي كان لادور له إلا الإنشاد للحاكم الخالد ناصرهم المأفون المقبور وتعظيم قوته، وكانت نهاية أكاذيبه ونهاية أتباعه من عبدة الناصرية، هي تركيعهم تحت أقدام الصهاينة، ومثال لدور الفن الهابط المسموح به في ظل حكم الجنرال الدجال الانقلابي، الحفل الأخير الذي أقامه الانقلابي منذ أيام لإحياء عيد تخليد عبادة الإله آمون وزوجته المؤلهة آمونيت، إحياء للديانات الوثنية القديمة التي كانت تؤله الحاكم الأوحد، وقد سار السيسي وزوجته انتصار متشبهاُ بالإله آمون في ممر قدس الأقداس على زعمهم، وسط تراقص الراقصات والراقصين من حوله بحركات بدائية مبتذلة تحاكي طقوس وصلوات الكهنة، فالفن في عصر الاستبداد لا دور له إلا تقديس الحاكم وتأليهه وتمجيده وطاعته المطلقة والركوع بين يديه، ونحن ندعوا الكاتب وغيره بأن يفيق من أوهامه وخيالاته بأن الحاكم المقدس هو راعي الفنون، وقانا الله وإياكم من دين عبادة البشر.