كتب

المرأة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.. قطاع غزة نموذجا

كيف تعيش المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال؟ كتاب يجيب- (عربي21)
كيف تعيش المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال؟ كتاب يجيب- (عربي21)

الكتاب: "الدور النضالي للمرأة الفلسطينية في قطاع غزة خلال الانتفاضة الثانية (2000- 2006)"
الكاتبة: ريم أحمد نسيم فرحات
دار النشر: مركز الشرق للأبحاث والثقافة، فلسطين، 2021م.


أدركت المرأة الفلسطينية أهمية دورها الوطني، تجاه الأحداث السياسية التي عصفت بالقضية الفلسطينية، فقامت بدور نضالي لا يقل عن دور الرجل، وما أكثر ما فعلته المرأة، وما أقل ما كتب عنها في المؤلفات، فقد شاركت المرأة الفلسطينية في النضال السياسي، والعسكري، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي في مجمل الحركات السياسية في قطاع غزة. 

حول ذلك الدور وضعت ريم فرحات دراستها المعنونة "الدور النضالي للمرأة الفلسطينية في قطاع غزة خلال الانتفاضة الثانية (2000- 2006)"، المكونة من 303 صفحات من القطع المتوسط، واحتوت الدراسة على خمسة فصول، انتهت بخاتمة، ونتائج، وتوصيات.

تناولت الكاتبة في الفصل الأول تاريخ نضال المرأة الفلسطينية، فتطرقت فيه إلى نضال المرأة من حيث المفهوم والأهمية، وأبرز الأدوار التي قامت بها المرأة خلال الفترة 1917- 1986م، ومن ثم طرحت مساهماتها في النضال الوطني 1987- 1999م.

لكن أهمية الكتاب تتمثل أساساً في الكشف عن الدور، الذي مارسته المرأة لمقاومة المحتل، وتجلى ذلك بين النضال المسلح، والنضال السلمي، فمع تنامي القوى الديمقراطية في الحركة الوطنية الفلسطينية، تنامى الوعي بأهمية مشاركتها للوصول إلى الخلاص الوطني وتحرير الأرض.

"لم تولد الحركة النسائية نتيجة رغبة نسوية في التعبير عن حقوق النساء بحد ذاتها، ولكن بالأحرى نتيجة تجربة النساء داخل الحركة الوطنية" (ص25). بالطبع ارتبط ذلك بمحاولات الفصائل الفلسطينية توسيع قاعدة مؤيديها، وخلق نموذج لامرأة فلسطينية فاعلة، قادرة على المساهمة في تحقيق التحرر والاستقلال، وبدأ ذلك بشكل فعلى بعد عام 1967م، حيث أثبتت المرأة حضوراً أساسياً خلال فترات النهوض الثوري الفلسطيني.

اتخذ نضال المرأة، شكلين الأول قادته النخبة من النساء، وهن اللواتي قمن بقيادة الاحتجاجات، والمظاهرات في المدن، ومتابعة أحوال المعتقلين، وأسرهم، والشكل الثاني، دور النساء في الريف، وتمثل في دعم المرأة الريفية بإمداد المقاتلين في الجبال بالغذاء، واستكشاف ورصد مواقع المحتل، وظهر ذلك جلياً، حينما عزلت قوات الاحتلال الريف عن المدينة، وحرمت الريف الفلسطيني من كافة الخدمات التعليمية والصحية والبنى التحتية. 

أشارت الكاتبة عن دور المرأة وأدائها خلال الفترة من 1917- 1986م، حيث شاركت المرأة في جميع الثورات الفلسطينية منذ الانتداب البريطاني، وأسسن الجمعيات النسوية، وشاركن في المؤتمر النسائي الفلسطيني أول عام 1929م، الذي عقد في القدس بمشاركة 300 سيدة، وفتاة من كافة المدن والقرى، وخلال المؤتمر أعلن عن تأسيس الاتحاد النسائي العربي بمدينة القدس (ص32).

كما أسس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عام 1965م" تنظيماً شعبياً نسوياً له دور اجتماعي وسياسي بين صفوف النساء في المناطق المحتلة، وكان ذلك بمثابة انتقال المرأة من العمل الخيري والثقافي إلى العمل السياسي" (ص35)، وخلال الانتفاضة الأولى1987م، قامت المرأة بدورٍ كبير ساهم إلى حد كبير في استمرارها، وتحمل أعبائها، وتضحياتها، وانخرطت بعضهن في المقاومة المسلحة، وقدمن نحو مائة شهيدة، واعتقلت ما لا يقل عن 500 امرأة، وقدر عدد الأسيرات، منذ عام 1967م ما يقارب من عشرة ألاف امرأة، ونحو 1700 حالة إجهاض نتيجة استنشاق الغازات السامة والضرب المبرح (ص47)، وذلك يعد كتاب فرحات كتاب احصائي جمعت فيه الكاتبة العديد من الاحصاء الموثقة حول نشاط المرأة الفلسطينية ودورها .

 

اتخذ نضال المرأة، شكلين الأول قادته النخبة من النساء، وهن اللواتي قمن بقيادة الاحتجاجات، والمظاهرات في المدن، ومتابعة أحوال المعتقلين، وأسرهم، والشكل الثاني، دور النساء في الريف، وتمثل في دعم المرأة الريفية بإمداد المقاتلين في الجبال بالغذاء، واستكشاف ورصد مواقع المحتل،

 



أوضحت الكاتبة في الفصل الثاني النضال السياسي للمرأة الفلسطينية في الأعوام 2000- 2006م، حيث ناقشت النضال السياسي للمرأة بمختلف أبعاده، ومن ثم طرحت أثر النضال السياسية للمرأة على القضايا الوطنية والاجتماعية، وعرضت أفكارها بشكل متسلسل موضوعياً وزمنياً، بأسلوب ممتع، تخلله جزء كبير من التحليل.

تعد الأحزاب السياسية أهم قنوات المشاركة السياسية؛ كإطار حقيقي يتم خلاله تفعيل المشاركة الشعبية، وترجمة خيارات وبدائل هذه الأخيرة أمام صانعي القرار، والمشاركة السياسية تجعل المرأة أكثرا إدراكاً لمشاركتها، ومعالجة قضاياها.."تحقق الأحزاب التي تتعامل بجدية مع المشاركة السياسية للنساء عدة فوائد، إذ تحصل على وضع انتخابي أفضل، وتتمكن من الوصول إلى مجموعات جديدة من الناخبين، وتقيم علاقات أقوى مع جمهور الناخبين" (ص76).

وازنت الكاتبة بين التيارات والفصائل الإسلامية كافة، في طرحها لموضوع مشاركة المرأة خلالها، فأشارت إلى أن الأحزاب اليسارية شجعت بصورة فاعلة، النساء على الانخراط بالعمل السياسي، ومع ذلك لا تزال تعاني المرأة فجوة كبيرة، بين الشعارات التي أطلقتها الأحزاب السياسية عن أهمية مساواة المرأة بالرجل، والسعي الفعلي لتغيير واقع المرأة "شجعت الأحزاب السياسية المرأة على المشاركة في الانتخابات ـ تصويتاً وترشيحا ـ لاعتبارات الفوز والخسارة، وكسب أصوات الناخبات وتشجيعهم للمشاركة النسائية، وذلك لتفعيل دور المرأة الفلسطينية بشكل ايجابي ومؤثر في الحياة السياسية والديمقراطية" (ص91).

أبرزت الكاتبة اختلاف نضال المرأة بين الانتفاضتين الأولى 1987م، والثانية 2000م "كان لاختلال أساليب المقاومة في الانتفاضة الثانية عن الانتفاضة الأولى أثر على مشاركة النساء، فعسكرة الانتفاضة، أدت إلى تراجع في دور الحركة الجماهيرية بصفة عامة، مشاركة المرأة بصفة خاصة، وبالطبع عسكرة الانتفاضة أدت لضعف المشاركة جماهيرية، بحيث انحصرت المشاركة الفعالة للمسيسين والمنتمين إلى الفصائل والقوى الوطنية" (ص59).

أما دور المرأة في الحركات الإسلامية "لا يمكن تجاهل التطور الأبرز للخطاب الإسلامي بعد قيام السلطة الفلسطينية، ونشاط الحركة النسوية الإسلامية على مستوى التشريعات ذات العلاقة بالنساء، الذي وضع بدوره حدوداً لا يمكن تجاوزها في علاقاتها مع السلطة" (ص112)، فقد أثبتت تجربة المرأة في قطاع غزة، أنها تستطيع أن تساهم بشكل فعال في الحياة السياسية، فقد أثبتت جدارتها في المجالس المحلية والبلدية، وفي الجهازين التنفيذي والتشريعي.

حول النضال العسكري للمرأة في الانتفاضة الثانية 2000- 2006م، جاء الفصل الثالث، فتضمن موقف الحركات الفلسطينية من النضال العسكري للمرأة الفلسطينية، فكشف الكتاب عن الدور العسكري للمرأة، ولعل أهم صفحات الكتاب طرحت في هذا الفصل، فقد شكل الكفاح المسلح مصدر إلهام ودافعية للمرأة؛ للالتحاق بالمقاومة الفلسطينية، وهو أكثر العناصر استقطاباً للجماهير من قبل الحركات المختلفة، وميزت الكاتبة بين موقف حركة "فتح" من النضال العسكري للمرأة، التي أدركت بأن للمرأة في الحرب الشعبية، وممارسة الدفاع الجماهيري المسلح دوراً حيوياً وفاعلاً وحاسماً وضرورياً؛ كونها الأقدر على الوصل بين القوات المتباعدة، وحمل الرسائل إلى أقصى الخطوط (ص124).

 

"تحقق الأحزاب التي تتعامل بجدية مع المشاركة السياسية للنساء عدة فوائد، إذ تحصل على وضع انتخابي أفضل، وتتمكن من الوصول إلى مجموعات جديدة من الناخبين، وتقيم علاقات أقوى مع جمهور الناخبين"

 


 
تناولت فرحات في الفصل الرابع النضال الاجتماعي والاقتصادي للمرأة في الانتفاضة الثانية 2000- 2006م، فقد أدت المرأة دوراً نضالياً مهماً وواضحا عبر المؤسسات والأطر النسوية الوطنية للقيام بأدوارها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية: "ظهرت المساعدات من قبل المؤسسات النسوية، وكانت قوة إرادة، وتحدي أن تكمل المرأة مسيرة التعليم في ظل الظروف الصعبة، فسعت المؤسسات النسوية إلى تأمين التعليم المجاني للفتيات من خلال توفير الأقساط الجامعية، وتوفير المنح المالية لتعليم الفتيات" (ص186).

أما من الناحية الاقتصادية فتقول فرحات: "تشير الدراسات الاقتصادية المختصة إلى أن هناك أزمة حقيقة في معدل مشاركة النساء في قوة العمل، فهي منخفضة بشكل كبير سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، إذ أن نسبة مشاركة المرأة لم تتجاوز 20% في الوظيفة العمومية، ويرجع تدني مشاركة المرأة في القوة العاملة كتدني الأجور، والأهم أسباب ثقافية تتمثل في محدودية المهن والأنشطة الاقتصادية التي تتنافس المرأة عليها" (ص204- 205).

كان من الصعب أن تنهي الكاتبة دراستها، دون التطرق للنضال الثقافي والأدبي والفني للمرأة، الذي جسدته في الفصل الخامس، حيث أدت المرأة دوراً في التعريف بالقضية الفلسطينية، وتجلى دورها في إبراز الوعي الثقافي عبر الدورات التعريفية، لجميع الفئات العمرية، وتثقيف المرأة، وقيامها بدور فاعل لحماية التراث الفلسطيني، والحفاظ على الذاكرة والهوية الفلسطينية، التي تعرضت لاستهداف مباشر من قبل سلطات الاحتلال، وبات الحفاظ على الهوية الوطنية من أولويات المرأة الفلسطينية"(ص225).

تعد وظيفة الأدب المقاوم للنكبات والأزمات، وظيفة مقدسة نبيلة سطعت في مواجهة الأبارتهايد، والإبادة الإسرائيلية، فالأديب المقاومة، والمثقف أو الكاتب، يتبنى ايقاظ المشاعر الوطنية، والقومية، والخلفية للالتزام بقضايا مجتمعية، ورسمت شاعرات فلسطين صور تجاربهن المريرة على المعابر والحواجز (ص550).

 

دعت الكاتبة في توصياتها الأحزاب، والفصائل، والحركات، والقوى السياسية والفلسطينية إلى إبراز قضايا المرأة في آدائها، وبرامجها، وتوسيع مشاركتها في الأطر القيادية على مختلف المستجدات، والعمل على استقطابها وتحفيزها للالتحاق بصفوفها

 



ختمت الكاتبة دراستها بمجموعة من النتائج والتوصيات، التي أجملت بها كتابها، مؤكدة أنه على الرغم من أن المرأة الفلسطينية انخرطت في فعاليات الانتفاضة الثانية 2000م، إلى جانب الرجل في التظاهرات والمصدامات؛ إلا أن آدائها الوطني النضالي كان محدوداً مقياساً بدورها النضالي في الانتفاضة الأولى عام 1987م، وعلى الرغم من تبني الأحزاب، والفصائل، والحركات الفلسطينية أفكارا تقدمية حول وضع المرأة؛ إلا أن وضع النساء في الأحزاب والفصائل والحركات يشير إلى الفارق الكبير بين الشعارات والتضييق في أقل من المأمول أو ما تطلع له النساء، فمشاركتها في الحياة السياسية والعامة متدنية جداً (ص275).

دعت الكاتبة في توصياتها الأحزاب، والفصائل، والحركات، والقوى السياسية والفلسطينية إلى إبراز قضايا المرأة في آدائها، وبرامجها، وتوسيع مشاركتها في الأطر القيادية على مختلف المستجدات، والعمل على استقطابها وتحفيزها للالتحاق بصفوفها (ص277).

جمعت الكاتبة فرحات بين الشهادات الحية الثرية والمتنوعة، والوثائق الخاصة بدراساتها، وأغنت دراستها بالتقارير السنوية التي رصدت نشاط الجمعيات النسوية العاملة في قطاع غزة، وأثرت دراستها بمقابلات مع قيادات الحركة النسوية السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن المؤتمرات العلمية، والمراجع العربية والمعربة والدوريات والمواقع الإلكترونية.

هذا الكتاب من الدراسات المحايدة التي طرحت فيها الكتابة جميع وجهات النظر والآراء الفلسطينية لمشاركة المرأة الفلسطينية في النضال ضد المحتل قد نتفق أو نختلف معها، ولكنها قدمت إضافات نوعية إلى المكتبة العربية عن دور المرأة في قطاع غزة في سنوات مفصلية من تاريخه، ويفتح هذا الكتاب المجال للباحثين عن دراسة أدوار المرأة في مدن فلسطينية أخرى، مما يفتح الباب للحوار والتفاعل، بل والتنافس أيضاً في رصد دور المرأة الفلسطينية في مواجهة آلة القمع الإٍسرائيلية التي تعصف بالجميع.


التعليقات (0)