كتاب عربي 21

الانتخابات الليبية: مظهر جديد للتأزيم

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
الانحراف في العملية الانتخابية بدأ بوضع القوانين التي لم ينحصر الخلل الذي تلبست به في آلية وضعها التي تمت بالمخالفة للإعلان الدستوري وللاتفاق السياسي، بل تعدت إلى فقرات القوانين وبنودها. ولأن انحراف التشريع يقود إلى انحراف في التنفيذ، ها نحن اليوم نقف على ارتباك في إدارة العملية الانتخابية قد لا يكون من قبيل المبالغة وصفه بالفوضى.

يتفق كثير من المراقبين على أن الترشيحات للانتخابات الرئاسية فاقمت الأزمة، فقد مهّد قانون انتخاب الرئيس الطريق لسيف الإسلام القذافي ليكون مرشحا، وقد عاد إلى سباق الترشح حتى بعد استبعاده من قبل المفوضية بسبب وضعه القانوني وسجله الجنائي؛ وذلك بقرار من محكمة سبها، وإلى أن تستأنف المفوضية ضد أحكام المحاكم كما جاء على لسان السيد عماد السايح، فإن المؤكد أن سيف الإسلام قد دق إسفينا في الانتخابات بل في المشهد السياسي برمته.
يتفق كثير من المراقبين على أن الترشيحات للانتخابات الرئاسية فاقمت الأزمة، فقد مهّد قانون انتخاب الرئيس الطريق لسيف الإسلام القذافي ليكون مرشحا، وقد عاد إلى سباق الترشح حتى بعد استبعاده من قبل المفوضية بسبب وضعه القانوني وسجله الجنائي

طعون المرشحين ضد المترشيحن الآخرين انتهت برفض المحاكم لها، عليه فإن الأسماء الأولى الأكثر بروزا على الساحة السياسية ما تزال داخل الحلبة، ومنهم خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا وخالد شكشك وعارف النايض.

إلا إنه من المتوقع أن لا يكون لسيف الإسلام مكان في السباق الرئاسي، ليس للأسباب القانونية والتي في مقدمتها حكم محكمة طرابلس وقرار محكمة الجنايات الدولية بضبطه وإحضاره فحسب، بل لأن الأطراف الدولية الفاعلة تدرك أنه لن يتجرد من أثقال ما وقع لعائلته، وأن الروس سيكونون قادرين على توظيفه في مخططهم المصادم للولايات المتحدة والدول الأوروبية، ولهذا فقد اتفقت واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى على ضرورة تطبيق قرار المحكمة الدولية الخاص بسيف الإسلام.

وبالنظر إلى الهيئة التي ظهر بها سيف الإسلام، والكلمات المعدودات التي تفوه بها، فإنه لم يات برؤية إصلاحية تلم شعث الوطن كما برر بعض أنصاره، ولو أراد المشاركة الحقيقية وتوحيد الليبيين عبر المصالحة لظهر بمظهر مختلف ولنطق بما يطمئن الناس، فمظهره وكلماته تجعلنا نقطع بأنه ما يزال يقف، فكريا ووجدانيا، عند خطاب والده الشهير "زنقة زنقة دار دار" في شباط/ فبراير 2011م.

وبرغم رحجان احتمال استبعاد سيف الإسلام، إلا إن ظهوره في الجنوب والتفاف أنصاره حوله قد يفرض معادلة جديدة للنفوذ وللنزاع، وستكون عودته خصما من رصيد حفتر الذي سينحسر ثقله في الشرق، وعبئا تواجهه القوة الممثلة لفبراير في الغرب. وسواء استمر سيف الإسلام في السباق الانتخابي أو خرج منه، فاز في الانتخابات أو خسرها، فإنه سيكون عامل تأزيم إضافي يطيل من عمر الصراع الليبي.
القفز إلى الانتخابات كان أشبه بحركة بهلوانية تجاوزت الواقع المرير وتجاهلت متطالبات احتوائه، وبالتالي فإنها لن تصل بالبلاد إلى الاستقرار المنشود، بل ستدلف بها إلى مرحلة جديدة من التأزيم أشد تعقيدا

وننوه هنا إلى أن الروس راهنوا على سيف الإسلام منذ سنوات، ويبدو أن إصرار موسكو على إشراك النظام السابق في العملية السياسية قبل العدوان على طرابلس إنما أريد منه فرض سيف الإسلام في المعادلة. ويعضد هذا التحليل تمركز عناصر الفاغنر في مناطق حيوية في الجنوب بعد أن تمكنوا من السيطرة على الوسط في الجفرة وحتى الساحل، من سرت إلى راس لانوف مرورا ببن جواد، وهي مناطق يمكن القول إنها مؤيدة لسيف الإسلام.

هشاشة الوضع وتجذر النزاع سيجعل من نتيجة الانتخابات غير حاسمة ولن تغير من واقع الانقسام، وهو ما أكدت عليه الشواهد على الأرض وأشار إليه وزير الداخلية، ودعمته التقارير الصادرة عن جهات معتبرة في الخارج، وهو ما تراه بعض العواصم الأوروبية، منها روما ولندن. ويبدو أن الإيطاليين والإنجليز سيجرون الأمريكان، الداعم الأكبر للانتخابات، إلى خانتهم.

وهذا يعني أن القفز إلى الانتخابات كان أشبه بحركة بهلوانية تجاوزت الواقع المرير وتجاهلت متطالبات احتوائه، وبالتالي فإنها لن تصل بالبلاد إلى الاستقرار المنشود، بل ستدلف بها إلى مرحلة جديدة من التأزيم أشد تعقيدا، وأن الأصوب هو تحقيق درجة معتبرة من التوافق بين الفاعلين، وهذا يكون عبر تقديم مقاربة عادلة للانتقال والضغط على المعرقلين للخضوع للمستوى المتوازن من التوافق.
التعليقات (0)