كتاب عربي 21

"القمة من أجل الديمقراطية" في خدمة سردية "إسرائيل"

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
تؤكد "القمة من أجل الديمقراطية" التي نظمتها الولايات المتحدة الأمريكية افتراضياً في الفترة من 9 إلى 10 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، على نهج واشنطن الراسخ باستخدام الديمقراطية كأداة أيديولوجية لفرض هيمنتها العالمية وتوسيع نفوذها الجيوسياسي، وتبرير تدخلاتها في شؤون الدول المناهضة لسياساتها الإمبريالية. وإذا كانت دوافع عقد قمة الديمقراطية الجيوسياسية واضحة بالتصدي لتحدي الصعود الصيني، فإن دوافع القمة بإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط لصالح "إسرائيل" أكثر وضوحاً، فلطالما ادَّعت الولايات المتحدة أن "إسرائيل" واحة "ديمقراطية" في صحراء الاستبداد العربي، متجاهلة طبيعة الكيان الصهيوني العنصرية والاستعمارية.

تكشف لائحة الدول التي حضرت القمة في الشرق الأوسط والتي اقتصرت على "إسرائيل" والعراق، عن الطبيعة الأيديولوجية للقمة من أجل الديمقراطية وتوظيف قيم الديمقراطية لتحقيق أهداف جيوسياسية، وهي سياسة عمل على إعادة إحيائها وتفعيلها الرئيس الأمريكي جو بايدن كسلاح أيديولوجي للحفاظ على الهيمنة الأمريكية تحت ذريعة الوفاء؛ بوعد أطلقه خلال حملته الانتخابية بوقف "التراجع الديمقراطي وتآكل الحقوق والحريات في جميع أنحاء العالم"، حيث يعيد يايدن استثمار القوة الأمريكية الناعمة بعد تآكلها إبان حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب بتفضيله نهج القوة الصلبة.
يعيد يايدن استثمار القوة الأمريكية الناعمة بعد تآكلها إبان حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب بتفضيله نهج القوة الصلبة

ولا تعدو الأفكار الرئيسية الثلاث للمؤتمر وهي: مناهضة الاستبداد، ومعالجة الفساد ومكافحته، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، عن كونها بلاغة خطابية لإخفاء الأبعاد الأيديولوجية.

أثارت دعوة الرئيس الأمريكي لدول مصنفة غير حرة وغير ديمقراطية في جنوب آسيا استياء روسيا والصين، غير المدعوتين إلى قمة الديمقراطية، وهو ما يمكن فهمه في إطار مبدأ إعادة التوازن، فهما العدوّتان الجيوسياسيتان الأساسيتان لواشنطن، إذ تهدف الدعوات إلى خلق انقسامات أيديولوجية في سياق يناء تحالفات لمواجهة التحديات الجيوسياسية التي تفرضها الصين وروسيا. وفي منطقة الشرق الأوسط دعيت العراق وإسرائيل، وهما دولتان بعيدتان عن قيم الديمقراطية المفترضة، وغابت بقية الدول العربية عن القمة إلى جانب تركيا، وهو ما بفضح التوجهات الأمريكية حيال الديمقراطية كأداة للحفاظ على الهيمنة، وتصورات واشنطن الجيوسياسية للشرق الأوسط.

من خلال دعوة "إسرائيل" و"العراق" إلى قمة الديمقراطية تسعى واشنطن إلى تثبيت التصورات الأمريكية لشرق أوسط تكون فيه السيطرة لحليفتها "إسرائيل"، والتأكيد على أن إيران هي العدو من خلال دعوة العراق، وهو ما يؤكد أن "إسرائيل" تقوم بوظيفة حارسة للإمبريالية في منطقة الشرق الأوسط لضمان مصالحها. فمتطلبات إعادة بناء الشرق الأوسط الذي اهتزت أركانه عقب ثورات الربيع العربي؛ تقوم على تصفية القضية الفلسطينية، وطبعنة مركزية إسرائيل وترسيخ دورها القيادي الأمني الحراسي في المنطقة لرعاية وحماية الأنظمة الاستبدادية، وذلك بإدماج المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية، تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك اختزل بـ"الإرهاب"، الذي بات يكافئ "الإسلام السياسي" وحركاته المقاومة بنسختيه السنية والشيعية، وممثليه في المنطقة؛ من المنظمات السنية المنبثقة عن أيديولوجبة الإخوان المسلمين المسندة من تركيا، والحركات السياسية والمقاومة الشيعية المنبثقة عن أيديولوجية ولاية الفقيه المسندة من إيران.
لم تتم دعوة الدول العربية الحليفة لواشنطن، وهي دول استبدادية غير ديمقراطية، لأغراض براغماتية ولممارسة مزيد من الضغوطات عليها لدفعها للانخراط في المشروع الإمبريالي الأمريكي والمشروع الصهيوني والإسرائيلي، من خلال مزيد من التطبيع والاتفاقات الإبراهيمية في إطار صفقة القرن

إن عدم دعوة تركيا إلى مؤتمر قمة الديمقراطية يشير إلى موقع تركيا بالنسبة لواشنطن، وأن حليفها الوحيد هو دولة الأبارتايد العنصرية الاستعمارية. وتحديد إيران دولة غير ديمقراطية أمر مفروغ منه، فقد أصبحت إيران دولة تتمتع بأهمية حيوية في إعادة تعريف المصالح الأمريكية الإسرائيلية باعتبارها "العدو"، بينما لم تتم دعوة الدول العربية الحليفة لواشنطن، وهي دول استبدادية غير ديمقراطية، لأغراض براغماتية ولممارسة مزيد من الضغوطات عليها لدفعها للانخراط في المشروع الإمبريالي الأمريكي والمشروع الصهيوني والإسرائيلي، من خلال مزيد من التطبيع والاتفاقات الإبراهيمية في إطار صفقة القرن.

الحقيقة الواضحة في سياسات واشنطن تجاه الشرق الأوسط أنها تفضل الاستبداد على الديمقراطية، وهو ما فضحته المواقف الأمريكية تجاه ثورات الربيع العربي الديمقراطية. فثمة حالة رعب وخوف أمريكية وغربية وإسرائيلية من شعوب المنطقة في الشرق الأوسط، دفعت إلى تبني سياسات تفضل الاستقرار على الديمقراطية من خلال دعم المستبدين العرب، طالما كانوا ملتزمين بتأمين ورعاية المصالح الأمريكية والغربية والإسرائيلية.
تفضل الاستبداد على الديمقراطية، وهو ما فضحته المواقف الأمريكية تجاه ثورات الربيع العربي الديمقراطية. فثمة حالة رعب وخوف أمريكية وغربية وإسرائيلية من شعوب المنطقة في الشرق الأوسط، دفعت إلى تبني سياسات تفضل الاستقرار على الديمقراطية من خلال دعم المستبدين العرب

وفي الوقت الذي يدعم الغرب ثورات شعوب العالم المطالبة بالديمقراطية وحتى في صيغها الملونة، فإن الغرب بقيادة واشنطن يناهض أي ثورة ديمقراطية في العالم العربي، ويدعم المستبدين في قمع تطلعات شعوب المنطقة. فالعالم العربي هو الاستثناء في نظر العالم، والتغيير الديمقراطي سيعصف بمتطلبات الاستقرار بالمواصفات الأمريكية ويهدد أمن المستعمرة العنصرية الإسرائيلية.

إن عدم دعوة المستبدين العرب للقمة من أجل الديمقراطية لا يعني تغيّر السياسة الأمريكية، وإنما زيادة الضغوطات على الطغاة لضمان التزامهم بالمشروع الأمريكي والقبول بإسرائيل قائدة للمنطقة وصديقا، وتثبيت إيران وتركيا كعدو، إذ يشكل الاحتضان الأمريكي للطغاة العرب ضمانة لديمومة الاستبداد الضروري لتأمين المصالح الغربية.

وحسب كينيث روث، سمحت الحكومات الغربية بـ"الاستثناء" العربي لأنها كانت تعتقد أن أفضل من يخدم مصالحها في المنطقة هم الحُكام المستبدون، بوعدهم الوهمي بـ"الاستقرار"، وفضلت هذا الاختيار على مسار الحكومات المنتخبة المليئة بالاحتمالات.
القمة من أجل الديمقراطية" التي نظمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد على أن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط لم تتغير، من خلال استخدام الديمقراطية كأداة أيديولوجية لفرض هيمنتها العالمية وتوسيع نفوذها الجيوسياسي وتبرير تدخلاتها الإمبريالية

هناك خمسة أسباب مركزية تفسر الاحتضان الأمريكي والغربي للطغاة العرب حسب روث، وهي أولاً: "احتواء" أي تهديد للمصالح الغربية من الإسلام السياسي، والسبب الثاني لاحتضان الغرب لطغاة العرب هو تصور الغرب أنهم قادرون على مكافحة الإرهاب، وثالثاً، ائتمن الغرب الطغاة العرب أكثر مما ائتمن الشعوب العربية على تحقيق حالة "وفاق" مع إسرائيل، ورابعاً، كان الغرب يرى طغاة العرب أفضل سبيل لاستمرار تدفق النفط، وأخيراً، فإن الغرب لجأ إلى حكومات المنطقة السلطوية كي تساعده في وقف تدفق المهاجرين.

خلاصة القول أن "القمة من أجل الديمقراطية" التي نظمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد على أن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط لم تتغير، من خلال استخدام الديمقراطية كأداة أيديولوجية لفرض هيمنتها العالمية وتوسيع نفوذها الجيوسياسي وتبرير تدخلاتها الإمبريالية. فدوافع القمة واضحة باتجاه إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط لصالح "إسرائيل"، من خلال إعادة تقديمها كواحة "ديمقراطية" في صحراء من الاستبداد العربي، وهي سردية بائسة تطمس طبيعة الكيان الصهيوني العنصرية والاستعمارية، وتسعى إلى تثبيت رواية الاستبداد العربي، من خلال قمع تطلعات شعوب العالم العربي نحو الديمقراطية والحرية والتحرر والاستقلال ومقاومة الإمبريالية والصهيونية الاستعمارية.

twitter.com/hasanabuhanya
التعليقات (1)
حضارة النفاق
الأحد، 12-12-2021 09:58 م
ديمقراطية الغرب عرجاء و حريته عمياء و هو يخاف إن تمكنت الشعوب المسلمة من الحرية و الديمقراطية فإن شعوب الغرب ستحرر من أنياب و مخالب الصهاينة،الدليل هو تلك اللوافت التي يحملها المتظاهرين في الغرب كل مرة و التي تندد بالفاشية و الإمبريالية نهيك عن حاملي السترات الصفراء في فرنسا و غيرهم كثير