سياسة عربية

ختام على غير البداية.. هكذا بدت سياسة مصر الخارجية في 2021

أبرز معالم سياسة مصر الخارجية حالة التقارب مع تركيا وقطر وتوتر العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة- أرشيفية
أبرز معالم سياسة مصر الخارجية حالة التقارب مع تركيا وقطر وتوتر العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة- أرشيفية

أنهت مصر العام 2021، بعلاقات خارجية غير تلك التي بدأتها مع معظم دول المنطقة والعالم، لعل أبرز معالمها حالة التقارب مع تركيا وقطر، وتوتر العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة.


أميركا

 
بينما بدأ النظام العسكري الحاكم 2021، آملا أن يجد نفس الدعم والرعاية من القادم الجديد للبيت الأبيض مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، الرئيس جو بايدن، كما كان مع سلفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع نظام القاهرة، إلا أنه أنهى العام بفقدان ذلك الأمل.


وتمثل ذلك في عدم دعوة بايدن، لرئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي لقمة الديمقراطية 9 و10 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وفشل محاولات الأخير العديدة لقاء الأول بأي فاعليات دولية طوال العام.
كما حجبت واشنطن 130 مليون دولار من المعونة الأمريكية لمصر 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، مع انتقادات أمريكية رسمية متتابعة لملف مصر الحقوقي.


تركيا


وفي ملف العلاقات مع تركيا، بدأت مصر 2021، وسط تفاؤل وتقارب ولقاءات استخباراتية وتبادل مقابلات المسؤولين من خارجية كلا البلدين في عاصمتيهما، وسط تفاهمات بعدد من الملفات.


إلا أن العام انتهى واللقاءات الرسمية لم تحقق أية خطوات عملية باستعادة العلاقات أو السفراء، بل إن الخلافات تصاعدت مجددا ووجهات النظر تنافرت بملفات عدة، وبدا الكيد السياسي في ملف قبرص الذي يزعج أنقرة، وملف إثيوبيا الذي يقلق القاهرة.


كما أن حديثا بدا متفائلا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي قال فيه؛ إن بلاده ستتخذ خطوات لتحسين العلاقات مع مصر، لم تقابله القاهرة بإيجابية.

 

اقرأ أيضا: وثيقة مسرّبة تكشف خطة مصرية لإسقاط تجربة الديمقراطية بتونس

وبرغم عدم تأثر ملف الاقتصاد والتجارة البينية بين القاهرة وأنقرة على مدار نحو 8 سنوات من الخلافات بين البلدين على إثر الانقلاب العسكري في مصر منتصف 2013، يبدو أن هذا الملف أيضا يتعرض لهزة عنيفة.


وأعلنت وزارة التجارة والصناعة في مصر 21 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، فرض رسوم "مكافحة إغراق" نهائية على الواردات التركية من قطاعات الـ"يو بي في سي (UPVC)"، لمدة 5 أعوام.


قطر


وعلى العكس من الموقف مع تركيا، بدأ 2021، وعلاقات مصر مع قطر تشهد تأزما منذ العام 2017، وسط مقاطعة خليجية للدوحة (السعودية- الإمارات- البحرين).


لكن إثر قمة "العلا" في السعودية 5 كانون الثاني/ يناير الماضي، جرى تغيير استراتيجي لافت، وبدأت زيارات المسؤولين من الجانبين.


وتسلمت مصر 15 أيلول/ سبتمبر أوراق اعتماد سفير الدوحة لدى القاهرة، وفي 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تسلمت قطر أوراق اعتماد سفير مصر لديها.


وجرى استعادة الأعمال القطرية في المشروعات المصرية، التي تكللت بشراكة "قطر للطاقة" في 13‏ كانون الأول/ ديسمبر الجاري، مع شركة "شل" للاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز بمنطقتين بحريتين في مصر.


لكن العلاقات شهدت قمة توجت بلقاء السيسي وأمير قطر تميم بن حمد 29 آب/ أغسطس الماضي، في العاصمة العراقية بغداد، على هامش قمة جلاسكو للمناخ (كوب26)، في اسكتلندا مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.


الإمارات


وفي الوقت الذي سارت فيه الأشهر الأولى من العام 2021، في العلاقات المصرية الإماراتية كسابقاتها من الأعوام منذ انقلاب 2013، إلا أن العام اُختتم وسط تكهنات ومؤشرات وأنباء تشير لتوتر وتراجع في العلاقات بين حكام أبوظبي والقاهرة.


أنباء صحفية عربية وغربية أشارت إلى دور إماراتي يُغضب القاهرة في ملف الصراع الداخلي في إثيوبيا، بتقديم أبوظبي الدعم العسكري والمادي لحكومة أديس أبابا في مواجهة جبهة تحرير تيغراي في الحرب الجارية منذ نهاية 2020.


وبينما كانت تعول القاهرة على انهيار أديس أبابا لتحسين موقفها في أزمة مياه النيل الممتدة مع إثيوبيا لنحو عقد كامل دون حل يرضي القاهرة والخرطوم، ظهر الدعم الإماراتي ليحسن موقف حكومة أبي أحمد، وينقذ أديس أبابا من اقتحام قوات التيغراي لها.

 

اقرأ أيضا: وزير خارجية الاحتلال يلتقي السيسي.. ملف التهدئة بغزة يتصدر

كما كان لافتا التقارب الإماراتي مع تركيا، الذي تكلل بزيارة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى أنقرة 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ولقائه أردوغان، وعقد 12 اتفاقية وتأسيس صندوق بـ10 مليارات دولار، منهيا 5 سنوات من المقاطعة، في الوقت الذي تعاني فيه علاقات القاهرة وأنقرة من التأزم.


كما تشير بعض التسريبات من ملف قضية تهريب "الآثار الكبرى" في مصر، المتهم فيها بعض رجال الأعمال والسياسيين المصريين، إلى تورط سفير الإمارات السابق حمد الشامسي في نقل وتهريب الآثار المصرية عبر حقيبته الدبلوماسية.


كما تحدث سياسيون مصريون بينهم سفير مصر الأسبق في قطر محمد مرسي عن طرد القاهرة للسفير الإماراتي؛ إثر الكشف عن دوره في تهريب الآثار.


السعودية


وبينما مرت العلاقات المصرية السعودية بحالة من الفتور في بداية 2021، تمثلت في عدم رضا القاهرة عن شروط المصالحة مع قطر في قمة "العلا".


لكن في 11 حزيران/ يونيو الماضي، جاء لقاء السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة شرم الشيخ المصرية ليطوي بعض الخلاف غير المعلن، وفق رؤية مراقبين وصحف عربية وأجنبية.
تكلل الأمر بتقارب أكثر في العلاقات، بدا في منح السعودية لمصر مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي مبلغ 3 مليارات دولار كوديعة بالبنك المركزي المصري، وتمديد ودائع سابقة بـ2.3 مليار دولار.


لكن مطلع كانون الأول /ديسمبر الجاري، شهد تسريبا نقلته صحيفة "الأخبار" اللبنانية، لبرقية صادرة من السفارة الإماراتية في القاهرة، بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018، بالتزامن مع زيارة ابن سلمان لمصر، ووصف فيها السيسي ابن سلمان بـ"العيل".


إلا أن مصر والإمارات والسعودية أطراف نص البرقية لم تعلق أيا منها على الأمر، لكن مراقبين أكدوا أن حكام أبوظبي يقفون خلف التسريب.


مياه النيل


وفي ملف مياه النيل، بدأ 2021، وسط أحاديث عن حلول خارجية عبر الاتحاد الأفريقي ومن خلال الأمم المتحدة.


وبالفعل، لجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي في تموز/ يوليو الماضي، إلا أن الدول الـ 15 الأعضاء بالمجلس، أعلنت عن ضرورة إعادة المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.


ومنذ ذلك الحين، فشل الاتحاد الأفريقي في تحقيق أي تقدم بالملف الوجودي الذي يهدد حياة نحو 140 مليون مصري وسوداني، وسط تعنت إثيوبي ورفض دائم لتوقيع اتفاقية ملزمة لها حول إدارة سد النهضة، الذي تبنيه على حوض النيل الأزرق المورد الأكبر لنهر النيل.


كما أن العام يكاد ينتهي وسط جمود كبير في الملف، بسبب الصراع الداخلي في إثيوبيا بين الحكومة الاتحادية في أديس أبابا وجبهة تحرير إقليم تيجراي.


بوصلة البقاء


وفي رؤيته لمشهد السياسة الخارجية المصرية في 2021، يرى الباحث والأكاديمي المصري، الدكتور محمد الزواوي، أنه "بعد سنوات من القلاقل في حقبة الربيع العربي، أصبحت بوصلة السياسة الخارجية المصرية تركز على شقين أساسيين".


المحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة "سكاريا" التركية، أوضح لـ"عربي21"، أن "الأول هو بناء التحالفات الاقتصادية ومحاولة جذب الاستثمارات الخارجية، والثاني هو دفع التهديدات الأمنية الجسيمة مثل ملف سد النهضة الإثيوبي".


وأضاف: "أما مسألة بناء التحالفات على أسس أمنية أو إعادة بناء النظام الإقليمي المترهل فضلا عن قيادته، فقد تراجعت بصورة كبيرة في العامين الماضيين، وذلك مدفوعة بالنشاط الخليجي الذي يقود هذا الاتجاه المبني على المصالح الاقتصادية".


وتابع: "وكذلك تراجع أهمية التحالفات الأمنية في المنطقة التي كانت مبنية في السابق على دفع تهديد جماعات الإسلام السياسي ومطالب الديموقراطية، وذلك بعد انحسار قدرتها على قيادة المطالب الديموقراطية أو تمثيل أي تهديد لزعزعة الأنظمة السلطوية الحالية من الداخل".

 

اقرأ أيضا: شكري عن علاقة مصر مع تركيا: هناك تقدم نأمل البناء عليه

"من ثم، فإن مصر في تحالفها في ملف استيراد الغاز من إسرائيل، ثم إعادة تصديره سواء مسالا لتركيا أو في صورته الغازية عن طريق خط الغاز العربي، الذي ربما يصل إلى العراق عن طريق سوريا، فإنها بذلك ساهمت بصورة كبيرة في إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة".


وأكد أن "بوصلة النظام الحالي في القاهرة تنصب على الهدف الرئيس له ألا هو قدرته على البقاء، ومن ثم فإن كل مقايضاته الحالية تصب في ذلك الاتجاه، وهو المتوقع أن يستمر في العام القادم كذلك".


وفي تفسيره لبعض التناقضات في علاقات النظام المصري الخارجية وخاصة بملف الإمارات، قال الزواوي، "استنفدت الإمارات أهدافها من علاقتها بالقاهرة؛ حيث استخدمت الترسانتين الناعمة والصلبة للدولة المصرية بحربها الدعائية مع الإسلام السياسي، وكذلك على الأرض لمواجهة الجماعات المسلحة بليبيا وغيرها".


واستدرك: "ولكن أهداف الدولتين لم تتلاق، حيث إن النظام الإماراتي نظام حديث وبراغماتي وثري، ويبحث عن الاستثمار في التقنية الأكثر تطورا مثل الطاقة النظيفة في دول ذات بنية تحتية مواتية مثل إسرائيل وتركيا".


وأضاف: "في حين أن بيئة العمل المصرية لا تناسب الاستثمارات الإماراتية وتطلعاتها المستقبلية ببنيتها التقليدية البيروقراطية المتمركزة حول أمن النظام، وكذلك عدم قدرته على التكيف اقتصاديا مع المشكلات الوشيكة، لاسيما سعر صرف الجنيه والديون المقومة بالدولار وأذون الخزانة وفوائد الديون المتراكمة".


وأكد أن "نقطة الفصام بين الجانبين هي إرادة الإمارات قيادة المنطقة دون مشاورة القاهرة، وهو ما رفضته مصر بدءا من الدفع بالجيش في الأتون الليبي".


وتابع: "كما أن الرياض تسابق الزمن للحاق بالإمارات في الاستثمار في ملفات الطاقة المتجددة والتحالف مع إسرائيل من أجل دفع الخطر الإيراني، وهو ما وصفه البعض بأنه مغادرة الخليج للعالم العربي سواء باستثماراته أو ببوصلته الأمنية".


"الريموت بواشنطن"


وفي رؤيته لمشهد السياسة الخارجية لمصر 2021، قال الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير؛ إن "انقلاب 2013، كان من صنع وتدبير الحزب الديمقراطي الحاكم الآن؛ والولايات المتحدة تحاول غسل يدها من جرائم الانقلاب ببعض الانتقادات التي توجهها لملفه الحقوقي".


وتساءل في حديثه لـ"عربي21": "وإلا، لماذا دفع آل سعود 3 مليار دولار وديعة للبنك المركزي المصري مع استمرار تدفق المعونات البترولية منها لمصر؟"، مضيفا: "هل تعتقد أن ذلك يحدث ضد إرادة واشنطن؟ بالطبع لا أعتقد".


وعن التباينات في علاقات النظام الخارجية، أكد الأكاديمي المصري، أن "ريموت نظام الانقلاب ليس بيده، بل في واشنطن وتل أبيب، اللتين تديران شؤون مصر بخضوعها التام والهيمنة والسيطرة على نظام لا يستطيع الخروج عما رُسم ويُرسم له، بل ينفذ التعليمات فقط".


ولا يرى أبو الخير أن النظام يراجع مواقفه الخارجية عبر بعض التحولات أو يحاول استدراك أخطائه، قائلا: "لا أعتقد أن هناك مراجعة للمواقف أو تصحيحا؛ لأن الانقلاب يسير بتصميم شديد في هذا الاتجاه لتنفيذ الأوامر وإطاعة السيد".

التعليقات (0)