اقتصاد عربي

أزمات ضربت الاقتصاد الفلسطيني في 2021.. ومقترحات للحل

أدى انخفاض الإنتاجية في كافة الأنشطة الاقتصادية إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة تلامس الـ 50 في المئة- الأناضول
أدى انخفاض الإنتاجية في كافة الأنشطة الاقتصادية إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة تلامس الـ 50 في المئة- الأناضول

تواصل العديد من الأزمات والمشاكل، الخارجية والداخلية، العصف بالاقتصاد الفلسطيني الهش أصلا، والذي تردى كثيرا في عام 2021، للعديد من الأسباب التي يقف على رأسها الاحتلال الإسرائيلي والفساد. 

ومع استمرار تراجع الاهتمام العربي والعالمي بالقضية الفلسطينية، وتجمد السلطة الفلسطينية عن ابتكار الحلول والمبادرات للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة والانفكاك عن الاحتلال واستمرار الحصار والانقسام، تفاقمت معدلات البطالة والفقر في المجتمع الفلسطيني، وازداد الوضع الاقتصادي ترديا بشكل كارثي. 

اقتصاد ضعيف وهش 

وعن واقع الاقتصاد الفلسطيني في 2021، أكد وزير الاقتصاد الوطني الفلسطيني الأسبق، مازن سنقرط، أن "هناك أزمة اقتصادية-مالية كبيرة، تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية، من أسبابها ومسبباتها؛ الانقسام ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا أمر مكلف جدا على الاقتصاد الفلسطيني، من حيث الواردات، والسوق الواحد والمتاجرة بين غزة والضفة والعكس، كما أنه لا يوجد صندوق واحد ولا خزينة واحدة ولا حتى موازنة ولا مصدر إيراد واحد ولا حتى نفقات واضحة".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الواقع شتت الجهد الفلسطيني وشراكة العالم مع هذا الاقتصاد، وأصبحت كل منطقة فلسطينية لها لغة اقتصادية خاصة بها، وبالتالي فإن هذا التشتت الجغرافي والديمغرافي والسياسي الذي سببه الاحتلال ومن ثم الانقسام، همش وأضعف هذا الاقتصاد". 

وألمح سنقرط، إلى أن حالة الفساد التي تعاني منها العديد من المؤسسات الفلسطينية؛ التي "تسببت في مشكلة كبيرة في هدر الأموال التي تذهب هنا وهناك، هباء منثورا، في الوقت الذي كان فيه شعبنا بحاجة ماسة لها"، منوها إلى أن "الإصلاح ومحاربة الفساد في هذا الموضع، ما زال شائكا، والإرادة بشأنه ضعيفة". 

وأما السبب الثالث، فهو "التضخم في الجهاز الحكومي الكبير، من حيث الرواتب والبدلات والنفقات والمصروفات المختلفة، وهذا الموضوع ما زالت فاتورته كبيرة ومكلفة، فهناك نحو 361 ألف موظف في القطاع العام يتقاضون رواتبهم في دولة صغيرة اقتصادها ضعيف وهش". 

وقال: "نحن مع أن يستفيد القطاع الخاص من الرواتب وأن يتقاضى الموظف راتبه، كي يساعد على التدفق المالي داخل السوق الفلسطينية، لكننا اليوم نخاطب الاحتلال بأكثر من خطاب؛ خطاب الانفكاك الاقتصادي من ناحية، وخطاب نساعد ونسهل به إدخال آلاف العمال وحملة الشهادات من الضفة الغربية تحديدا للعمل في إسرائيل، وهذه منهجية بحاجة إلى مراقبة وأن تدار بطريقة أكثر فاعلية، كي تخدم الاقتصاد الفلسطيني الضعيف". 

 

اقرأ أيضا: اقتصاد فلسطين ينكمش.. كم بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي؟

وأوضح الوزير، أن "حجم الإيرادات الواردة من قبل الاحتلال الخاصة بفاتورة المقاصة إضافة للإيرادات الداخلية وغيرها، كلها مجتمعة تصل فقط إلى 900 مليون شيكل، بينما فاتورة الرواتب 920 مليون شيكل شهريا، وهذه توضح كما هو وضعنا مأزوم". 

ورأى أن "الاقتصاد الفلسطيني بحاجة إلى حكمة العقلاء والمفكرين والخبراء، بمعنى؛ أننا اليوم بحاجة إلى الأصدقاء وليس للأعداء"، مضيفا أن "هذا يتطلب منا، أن نمارس آلية ومنهجية مختلفة، بأن يكون هناك زيرو (صفر) أعداء لهذا الاقتصاد، من حيث دول الجوار؛ عربية أو غيرها، ومخاطبة العالم من حيث المصالح والأسواق وبناء الشراكات لهذا الاقتصاد الوطني الضعيف والهش". 

ونبه الوزير، إلى أنه "منذ أكثر من 27 عاما مضت على اتفاقية ما يسمى السلام (أوسلو)، فإن اقتصادنا ما زال سقفه ضعيفا ومحدودا، والاحتلال الإسرائيلي بشكل مؤكد، هو أحد المسببات الرئيسية في هذا الموضوع، ولكن هناك أيضا مسببات داخلية يجب أن لا نتحدث عنها بخجل، وهذه في النهاية مسؤولية". 

الأزمات تضرب الاقتصاد 

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي والقائم بأعمال مدير الغرفة التجارية بغزة، ماهر الطباع، أن "الواقع الاقتصادي كارثي ومرير، بسبب الحصار الإسرائيلي المطبق والمستمر منذ أكثر من 15 عاما، والذي تسبب بالعديد من الأزمات في قطاع غزة". 

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أنه "على رأس تلك الأزمات؛ انخفاض الإنتاجية في كافة الأنشطة الاقتصادية، وقد أدى هذا الانخفاض إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة تلامس الـ 50 في المئة، وهناك أكثر من ربع مليون شخص عاطلين عن العمل في القطاع، وهذه النسبة تعتبر الأعلى عالميا، وهي مؤشر على حجم الكارثة الاقتصادية، علما بأن بعض الدول حينما تصل بها نسبة البطالة إلى 6 أو 7 في المئة تعلن حالة الطوارئ". 

وأفاد الطباع، بأن "نسبة البطالة بين الخريجين وصلت إلى 78 في المئة، ونسبة الفقر إلى 64 في المئة"، منوها إلى أن إحصائية دولية صادرة عن منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة (أونكتاد) في الربع الأول من 2021، أكدت أن خسائر قطاع غزة جراء الحصار وإغلاق المعابر والحروب الإسرائيلية ضد غزة، وصلت إلى 17 مليار دولار تقريبا، علما بأن العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع بتاريخ 10 أيار/ مايو 2021 -واستمر 11 يوما- تسبب في خسائر فادحة قدرت بنصف مليار دولار". 

ونبه القائم بأعمال مدير الغرفة، إلى أن "كل القطاعات الاقتصادية والتجارية تعاني من قيود إسرائيلية مفروضة على حركة الواردات والصادرات، إضافة إلى منع دخول العديد من السلع الأساسية الهامة، التي يطلقون عليها ذات الاستخدام المزدوج، والكثير منها مواد خام أولية تلزم قطاع الصناعة، وبالتالي فإن هذه القطاعات متوقفة". 

وحذر الخبير من خطورة استمرار الوضع الحالي، لأنه "سيؤدي إلى المزيد من الأزمات وسوء الأوضاع الاقتصادية وتدهورها، خاصة مع غياب أي أفق"، موضحا أن خط الفقر بحسب ما حدده مركز الإحصاء الفلسطيني في عام 2017، لأسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال وصل إلى 2,470 شيكل (786 دولارا تقريبا)، وفي حال تم اعتماد هذا الخط لقياس معدلات الفقر اليوم، فإنها ربما تصل إلى أكثر من 80 في المئة. 

 

اقرأ أيضا: شركات إسرائيلية تكبد اقتصاد فلسطين خسائر بملايين الدولارات

هذه أهم عوامل الخروج من الأزمة الاقتصادية 

وعن أهم السياسات والعوامل التي يمكن أن تساهم في الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية، شدد الوزير سنقرط، وهو رجل أعمال بارز مقيم في الضفة الغربية المحتلة، على أهمية وسرعة العمل على "الإصلاح الداخلي ومحاربة الفساد، إضافة لإيجاد إدارة مسؤولة وشفافة، وأكثر حكمة في إدارة شؤون الناس، في الملف الاقتصادي والمالي والاجتماعي وغير ذلك، وهذا أمر أساسي ومهم". 

ونبه إلى ضرورة "إنهاء الانقسام الداخلي، وهو ظاهرة خارجة عن الثقافة والانتماء الفلسطيني، وهي بحاجة إلى معالجة عاجلة". 

وثالثا؛ أنه "علينا مخاطبة العالم بأننا لا نستجدي العون، ولكن ما دام هذا الاحتلال موجودا، فإن على العالم أن يتحمل مسؤولياته في المساهمة في خلق بيئة للناس من أجل العيش بكرامة وإن كانت تحت الاحتلال، لأن هذا الاحتلال مكلف جدا، لقد أصبحنا حديقة خلفية للاقتصاد الإسرائيلي؛ عندما يحتاج لعمالنا يفتح البوابات، وعندما تكون هذه الحديقة الخلفية مكبا لنفاياته ولبضائعه الفاسدة فإنه أيضا يستخدمها". 

ورأى وزير الاقتصاد الأسبق، أن "ما يسمى الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، بحاجة لدراسة جديدة أكثر عمقا وجدوى، نستطيع أن نخرج منها بتحقيق مصلحتنا الوطنية ومصلحة اقتصادنا الوطني". 

وعن الدور المنوط بالدول العربية والغربية في دعم إيجاد اقتصاد فلسطيني مستقل، قال: "يصعب الفصل ما بين السياسة والاقتصاد في كل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية، سواء من ناحية اقتصادية أو سياسية، وعلى العالم أن يتحمل مسؤولياته، ويجب على العالم العربي أولا، أن لا يترك فلسطين فريسة سهلة للاحتلال الإسرائيلي، وأن يتحمل مسؤوليته، لأن فلسطين هي قلب الشعوب العربية النابض". 

وتابع: "نحن نتعامل ما اقصاد إسرائيلي أقرت موازنته لعام 2022 بـ 180 مليار دولار لدولة الاحتلال، بينما موازنة فلسطين أقل من 5 مليارات دولار، فنحن أقل من 2.5 في المئة من الاقتصاد الإسرائيلي، بالتالي فإنه يجب أن لا نترك وحدنا فريسة، نقاوم هذا الاحتلال، بهذا العدد من الشهداء والجرحى والأسرى والاقتصاد الضعيف والفقر، وما شابه ذلك". 

ونوه إلى أنه "يجب على أوروبا أن تتحمل مسؤولياتها أيضا، لأنها هي التي جلبت لنا هذا الاحتلال، وأكرر أيضا أن على العالم أن يتحمل أولا مسؤولياته السياسية والاقتصادية ثانيا". 

وعن نصيحته لوزارة الاقتصاد والحكومة الفلسطينية الحالية، ذكر أن "هناك حاجة لإجراء مراجعة داخلية، وشراكة ما بين رئاسة الوزراء والوزارات ذات العلاقة في ما يخص الأجندة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية ما بين القطاعين العام والخاص، وعلينا أن ألا نشتغل بأجندة خجولة، بل برؤية واستراتيجية واضحة ذات أهداف واقعية، إضافة إلى برامج قابلة للتنفيذ، مع قول كلمة الحق دون خجل، فنحن بحاجة لوضع مؤشرات لتقييم نجاح أي خطط لتلك الشراكة، لأنها من الممكن أن توصلنا لما نريد وتقصر المسافات". 

وعن تشجيع إمكانية تشجيع للمشاريع والمبادرات الشبابية الفلسطينية للحد من استغلالها من قبل السوق الإسرائيلية، فبحسب إيرادات ومصروفات السلطة الفلسطينية ووضعها النقدي، قدر الوزير الأسبق، أنه "من الصعب أن تقوم السلطة بدعم مبادرات الرواد من الشباب الفلسطيني، وأن تعطي فرصة للبحث والتطوير بما يخرج أفكارهم إلى لحيز التنفيذ والتطوير، فهناك من الواضح أولويات لإيرادات السلطة، التي تذهب تحديدا بما نسبته 105 في المئة إلى الرواتب". 

وفي ختام حديثه لـ"عربي21" قال: "رغم مرور كل هذه السنوات بحلوها ومرها وللأسف كان معظمها مرا، ومع تأثيرات كورونا أيضا، فإنه يجب أن يكون تفكيرنا مختلفا، وعلينا أن نعيد زمام المبادرة من جديد؛ المبني على الإصلاح الفعلي والحقيقي، ومحاربة الفساد بشكل فعلي، والتحدث مع العالم بلغة، نحن لا نريد أعداء بل أصدقاء". 


التعليقات (0)