كتاب عربي 21

الاقتصاد المصري 2021.. ضخامة الديون واستمرار انكماش القطاع الخاص

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
شهد عام 2021 انزلاق الاقتصاد المصري في مصيدة الديون الخارجية، حتى أصبح يقترض لسداد أقساط وفوائد القروض السابقة، كما توسع في الاقتراض الداخلي من خلال سندات الخزانة، وحافظ على استمرار سعر الفائدة المرتفع جذبا للأجانب لشراء أدوات الدين الحكومي، وهو ما أدى إلى زيادة فوائد الدين الحكومي حتى أصبحت تستحوذ على نسبة 40 من مصروفات الموازنة الحكومية، وعدم استطاعة وزارة المالية تحقيق مستهدفاتها لعجز الموازنة؛ والذي زادت قيمته ونسبته للناتج المحلي الإجمالي حسب نتائج خمسة شهور من العام المالي الحالي.

واستمرت ودائع المصارف في الارتفاع رغم الفوائد المتدنية في البنوك التجارية خاصة بالعملة المحلية، في حين تراجعت الودائع بالعملات الأجنبية عما كانت عليه قبل خمس سنوات، كما استمر الإقراض خاصة للحكومة والشركات الكبرى، واستمرت استثمارات المصارف تتجه إلى أدوات الدين الحكومي على حساب الدخول في استثمارات حقيقية، واستمرت الحكومة في الاستئثار بالنصيب الأكبر من الائتمان المحلي على حساب القطاع الخاص.

وشهدت البورصة أداء ضعيفا بالمقارنة بأداء البورصات العربية والأوروبية خلال العام، واستمرت ظاهرة الخروج الطوعي للشركات من القيد بالبورصة، حتى أصبح عدد الشركات المقيدة 218 مقابل 222 شركة قبل خمس سنوات، ويستعد بنك الكويت الوطني للشطب الاختياري. ونفس الانخفاض كان لعدد الشركات المقيدة ببورصة الشركات الصغيرة (النيل) لتصبح 27 مقابل 32 شركة، وعادت الطروحات الخاصة والعامة لتساهم في رفع القيمة السوقية للأسهم المقيدة.

غياب بيانات الدين المحلي منذ عام ونصف

وحقق الدين الخارجي رقما غير مسبوق ببلوغه حوالي 138 مليار دولار في حزيران/ يونيو الماضي، الذي توقفت عنده البيانات الرسمية، بزيادة 8.7 مليار دولار خلال النصف الأول من العام. وشهد النصف الثاني استمرار الاقتراض، سواء من خلال إصدار سندات دولية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ووديعة سعودية والاقتراض من بنوك خليجية، ومن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار، والحكومة الكورية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا)، وبنوك سويسرية وإيطالية وجهات أخرى.
ظل الثقة ضعيفة في البيانات الحكومية في ظل المناخ البوليسي الذي يهيمن على البلاد، والذي هاجم بضراوة أحد أبرز خبراء الاقتصاد عندما شكك في معدلات النمو التي تعلنها الحكومة، والتي تتناقض مع الانكماش الذي يعيشه القطاع الخاص، وانتقاده استمرار سعر الفائدة المرتفع من أجل جذب الأموال الساحنة على حساب الاستثمار المحلي

أما الدين العام الداخلي فظلت أرقامه متوقفة عند حزيران/ يونيو 2020 حين بلغ 4.7 تريليون جنيه، بفاصل عام ونصف، سواء من قبل المصرف المركزي أو وزارة المالية، مع استمرار وزارة المالية في الاقتراض من خلال إصدار سندات الخزانة لإطالة متوسط عمر الدين الداخلي، على حساب خفض إصدارات أذون الخزانة القصيرة الأجل، كما تم إصدار أذون خزانة بالدولار بقيمة مليار دولار.

وتظل الثقة ضعيفة في البيانات الحكومية في ظل المناخ البوليسي الذي يهيمن على البلاد، والذي هاجم بضراوة أحد أبرز خبراء الاقتصاد عندما شكك في معدلات النمو التي تعلنها الحكومة، والتي تتناقض مع الانكماش الذي يعيشه القطاع الخاص، وانتقاده استمرار سعر الفائدة المرتفع من أجل جذب الأموال الساحنة على حساب الاستثمار المحلي، ووصل الأمر إلى حد المطالبة بمحاكمته لولا أنه كان شقيقا لوزير قطاع الأعمال العام الحالي. وهو الهجوم الذي طال أحد كبار رجال الأعمال عندما انتقد المنافسة غير المتكافئة في السوق، بين الجيش والقطاع الخاص، حيث ذكر أن الجيش لا يدفع ضرائب ولا جمارك ويستخدم عمالة رخيصة.

طفرة مزعومة بالنمو رغم الانكماش الخاص

ومن هنا، فقد أحجمت جمعيات رجال الأعمال أو المراكز البحثية أو الإعلام الاقتصادي عن التعليق على معدلات النمو التي زُعم أنها حققت 9.8 في المائة بالربع الثالث من العام، وبلوغ معدل البطالة 7.5 في المائة بالربع الثالث من العام رغم حالة الركود بالأسواق انخفاض القوى الشرائية، والزعم ببلوغ نسب التضخم في الحضر 5.6 في المائة بشهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وهو ما يتنافى مع ارتفاع الأسعار عالميا وانتقال ذلك الأثر محليا، والذي أدى إلى زيادة الحكومة لأسعار عدد من سلع البطاقات التموينية، ورفع سعر البنزين ثلاث مرات خلال العام، ورفع سعر أسطونات الغاز المنزلية والتجارية وسعر الغاز الطبيعي للسيارات ولعدد من الصناعات، وسعر المازوت، كما زاد سعر الكهرباء، مع استمرار الجهات الحكومية في رفع رسوم الخدمات التي تقدمها واستمرار فرض الضرائب، كما حدث مع أجهزة التلفون المحمول والتجهيز لفرض ضريبة قيمة مضافة على عدد من الخدمات.

حتى بيانات البورصة كانت هناك انتقائية إعلامية لها، حيث أسفر أداء العام عن ارتفاع مؤشر الثلاثين سهما الأكثر نشاطا بنسبة 10.2 في المائة، بينما انخفض مؤشر آخر يضم خمسين شركة بنسبة 6.2 في المائة خلال نفس العام، وارتفع مؤشر يضم سبعين شركة بنسبة 2.6 في المائة، ومؤشر آخر أوسع نطاقا يضم مائة شركة بنسبة 5.1 في المائة، حيث ركزت وسائل الإعلام على المؤشر الثلاثيني فقط باعتباره الأعلى في نسبة النمو، ولم يذكر أحد المؤشر الخمسيني المنخفض، رغم تندر الشركات العاملة في السوق على المؤشر الثلاثيني والذي تسميه مؤشر البنك التجاري الدولي، حيث يعطي هذا المؤشر لسهم البنك التجاري الدولي وزنا نسبيا 38.6 في المائة، وسهم فوري 5.8 في المائة، والشرقية للدخان 4.9 في المائة، وكل من المجموعة المالية هيرميس وشركة طلعت مصطفى للمقاولات 4.7 في المائة لكل منهما، مما أدى إلى أن 11 شركة بالمؤشر الثلاثيني كان نصيب كل منها أقل من واحد في المائة.
ظلت حالة الانكماش تهيمن على نشاط القطاع الخاص حسب مؤشر مدير المشريات الذي ينشره أحد المصارف الإماراتية، واستمر تحفظ القطاع الخاص في ما يخص التوسعات بالشركات وكذلك بالاستثمارات الجديدة، مع استمرار حبس عدد من كبار رجال الأعمال

وبالطبع لم يذكر أحد المساندة الحكومية للبورصة حسب ما أعلنه المصرف المركزي ومصرفا الأهلي المصري وبنك مصر، أكبر مصرفيين حكومين في البلاد، وهو ما انتقده شقيق وزير قطاع لأعمال ونال هجوما إعلاميا ضاريا بسببه.

تحول في النظرة لدور القطاع الخاص

وهكذا ظلت حالة الانكماش تهيمن على نشاط القطاع الخاص حسب مؤشر مدير المشريات الذي ينشره أحد المصارف الإماراتية، واستمر تحفظ القطاع الخاص في ما يخص التوسعات بالشركات وكذلك بالاستثمارات الجديدة، مع استمرار حبس عدد من كبار رجال الأعمال ومنهم الرئيس السابق لشركة جهينة، وكذلك صاحب جامعة سيناء، أيضا صاحب محلات التوحيد والنور التجارية، وبالطبع ساعد ذلك في تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي في النصف الأول من العام وهي آخر بيانات متاحة.

وربما كان ذلك سببا في تغير لهجة الجنرال المصري عن القطاع الخاص، بعد أن كان يشيد بأداء الجيش بما لديه من انضباط وسرعة في التنفيذ، حيث أشاد بدور القطاع الخاص بالمقارنة بأداء قطاع الأعمال العام، ودعاه للمساهمة في المشروعات، وصدرت تعديلات لقانون المشاركة الذي يسمح للقطاع الخاص بإقامة مشروعات البنية التحتية.

كما تم دفع أحد المستثمرين الموالين للنظام لبيع حصته بشركة حديد المصريين المملوكة للجيش إلى رجل الأعمال أحمد عز، صاحب عدد من شركات الحديد والسيراميك، خاصة بعد الخسائر التي تعرضت لها مصانع الأسمنت بسبب زيادة المعروض عن الطلب، وإسناد الجنرال مهمة تنفيذ عدد من الطرق لشركات خاصة على الهواء في أحد الاحتفالات.

وكذلك إسناد مهمة تطوير الري في مشروع توشكى لإحدى الشركات الخاصة على الهواء أيضا، وبالطبع بدون مناقصات كما ينص القانون! وطرح رخصة جديدة لإنتاج السجائر، ومنح تحالف أمريكي إماراتي مهمة تطوير مجمع التحرير من خلال صندوق مصر السيادي، والموافقة على بيع نسبة 76 في المائة من بنك الاستثمار العربي للمجموعة المالية هيرميس.

وفي ما يخص موارد النقد الأجنبي، فقد تحسن أداء الصادرات لتحقق حوالي 30 مليار دولار في تسعة أشهر، وهي أرقام غير مسبوقة، لكن الواردات السلعية زادت هي الأخرى إلى 61 مليار دولار بنفس الفترة، ليرتفع العجز في الميزان التجاري عن نفس الفترة من عام 2020 إلى 31 مليار دولار، وتم تنفيذ نظام للتسجيل المسبق للواردات في الجمارك.

توقعات ببرنامج جديد مع الصندوق

كما زادت تحويلات المصريين في الخارج خلال الشهر التسعة إلى 24 مليار دولار، وزادت إيرادات قناة السويس لتتخطى ستة مليارات من الدولارات للمرة الأولى في تاريخها، وشهدت السياحة رفع روسيا الحظر على رحلاتها الجوية إلى منتجعات البحر الأحمر بعد حظر استمر ست سنوات، كما سمحت الحكومة للفنادق بالعمل بكامل طاقتها.
ربما كان ذلك سببا لدعوة إحدى وكالات التصنيف الائتمائي الحكومة المصرية، لعقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، استعدادا للآثار المتوقعة لاتجاه عدد من البنوك المركزية خاصة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة خلال العام الجديد. وهو ما سيتسبب في خروج جانب من المستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة ومنها مصر

ووضعت حدا أدنى لقيمة الإقامة في الفنادق حسب مستوياتها لوقف حالات حرق الأسعار، مما حسن من الإيرادات السياحية التي جاء معظمها من دول شرق أوروبا، إلا أن انتشار متحور أوميكرون قد أدى لإلغاء كثير من الرحلات، وقد توقع خبراء استمرار أثره خلال العام الحالي وحتى شباط/ فبراير 2023.

وارتبطت زيادة العجز التجاري السلعي وانحسار مشتريات الأجانب لأذون الخزانة بنحو ملياري دولار في تشرين الأول/ أكتوبر، عن استمرار تحول صافي العملات الأجنبية في البنوك التجارية إلى سالبة في أيلول/ سبتمبر للشهر الثالث على التوالي، نظرا لزيادة التزاماته بالعملات الأجنبية على أصولها بتلك العملات.

وربما كان ذلك سببا لدعوة إحدى وكالات التصنيف الائتمائي الحكومة المصرية، لعقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، استعدادا للآثار المتوقعة لاتجاه عدد من البنوك المركزية خاصة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة خلال العام الجديد. وهو ما سيتسبب في خروج جانب من المستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة ومنها مصر، وكانت مشتريات الأجانب من أدوات الدين الدين الحكومي المصري قد بلغت 34 مليار دولار حتى أيلول/ سبتمبر الماضي.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)