ملفات وتقارير

ما حقيقة سحب كتب "نجيب محفوظ" من مكتبات مصرية؟

قال صحفي مصري إن القرار يقضي بسحب الكتب التي تتناول أدب محفوظ من 500 مكتبة بأنحاء مصر- تويتر
قال صحفي مصري إن القرار يقضي بسحب الكتب التي تتناول أدب محفوظ من 500 مكتبة بأنحاء مصر- تويتر

أكثر من ثماني سنوات وتمارس السلطات المصرية رقابة مشددة على دور النشر والطباعة والكُتاب، حتى وصل الأمر إلى وقف الكثير من مفكري مصر عن الكتابة، ووقف طباعة العديد من الكتب، بل ومصادرة مئات المطبوعات لكبار العلماء والدعاة والأدباء.


وفجر الصحفي المصري محمد فخري، ما اعتبره "كارثة ثقافية وسياسية"، مؤكدا أن الهيئة العامة لقصور الثقافة" الحكومية سحبت أعمال الأديب المصري نجيب محفوظ، صاحب جائزة "نوبل"؛ لأنها تشكل خطرا على توجه الدولة، وهو ما نفته الهيئة، لاحقا.


فخري كتب عبر صفحته بـ"فيسبوك"، الأربعاء، أن العاملين بمكتبات الهيئة وصلت إليهم تعليمات لم يفصح عن مصدرها، تقضي بسحب الكتب التي تتناول أدب محفوظ من 500 مكتبة بأنحاء مصر.


ونقل عن مصادره من داخل الهيئة تأكيدها بأن تلك التعليمات تأتي في إطار حملة تنظيف المكتبات من أي كتب تشكل خطورة على التوجه العام للدولة.


وأكد أنه تم بالفعل جمع الكتب وإرسالها للمديريات، تمهيدا لتسليمها لمقر الهيئة العامة ثم تشوينها في مخازن الهيئة أو التخلص منها.


وتساءل فخري: "هل أعمال نجيب محفوظ العظيمة درة الأدب والثقافة في مصر والعالم العربي، التي حازت على جائزة (نوبل) أصبحت خطرا على التوجه العام للدولة؟".


وتابع الكاتب المصري المعارض: "وهل استشهاد بعض المعارضين والرافضين للنظام بجمل وعبارات وردت في رواياته، سبب في دفع الضابط المسؤول لاتخاذ مثل هذا القرار الأحمق".

 

 

"نفي وتأكيد"

 
وردا على تساؤلات "عربي21"، قالت صفحة هيئة قصور الثقافة عبر "فيسبوك"؛ إن "البوست المشار إليه لا أساس له من الصحة على الإطلاق، بل إن العكس هو ما يحدث؛ حيث تحتفي هيئة قصور الثقافة بإداراتها كافة، وفي فعاليتها كافة بنجيب محفوظ، باعتباره قامة أدبية وفكرية كبرى".


وأشارت إلى أن مجلة "مصر المحروسة" الإلكترونية التابعة لهيئة قصور الثقافة، تنشر الخميس مقالا عن أديب نوبل بعنوان: "إضاءة أنصفت المرأة من واقع مجتمعي جائر"، بقلم الكاتبة زينب عيسى.
وفي رده على نفي الهيئة، قال الكاتب محمد فخري لـ"عربي21": "أنا متأكد من صحة الخبر، ولولا حرصي على خصوصية المصدر، لكشفت عن الخطاب المرفق للقائمة التي نشرتها عبر فيسبوك".


 وأضاف: "ولأن الأمر غريب وكارثي لجأ المصدر لي، ليعبر عن صدمته واستغرابه مما يجري".


"سياقات مماثلة"


ذلك الإجراء إن صح وفق فخري، فإنه ليس الأول منذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، حيث عمدت السلطات للتخلص من مئات المؤلفات والكتب لمفكرين وكتاب إسلاميين، بينهم سيد قطب والشيخ الغزالي وغيرهم، ومنع مفكرين وكتاب أصحاب تأثير مثل الكاتب فهمي هويدي وغيره.


ولا تخلو أعمال محفوظ الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، من الإسقاط السياسي في كثير من أعماله الروائية والقصصية، فيما أفرد كثير من الباحثين عشرات الدراسات العلمية والأكاديمية حول أدب محفوظ، وإسقاطات الأحداث والشخصيات في أعماله.


بدوره، أكد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق الشاعر والأديب سعد عبدالرحمن، في حديث خاص بـ"عربي21"، أن "استبعاد بعض كتب محفوظ، يدخل ضمن رغبة البعض للتقرب للحاكم بقرارات يظن أن تنفيذها لصالحه".

 

اقرأ أيضا: عن ذكرى رحيل نجيب محفوظ.. عدد جديد من مجلة "كلمة"


ويرى أن تلك القرارت "ضد الحاكم إن لم يكن في المدى القريب ففي المدى البعيد، ومن يفعل ذلك هو أشبه بالدبة التي قتلت صاحبها".


ويعتقد المسؤول المصري السابق عن ملف الثقافة والنشر، أن "الأخطر من ذلك أن المثقفين غير مهتمين ولم تحرك أية جهة تمثل المثقفين أو الأدباء بصفة خاصة ساكنا تجاه ما يحدث حتى ولو بالشجب والتنديد والاستنكار، وهو أقل ما يجب وكأن الأمر لا يعنيهم".


 وأضاف: "أظن أن الجبن سبب موقفهم السلبي المخزي، ومن لم يهتم من المثقفين والأدباء بما يحدث ويتخذ منه موقفا رافضا، لن يجد من يهتم به حين يتعرض ما يكتبه لما تتعرض له كتب محفوظ وغيرها".


وتابع: "وكما كتبنا في مقالتنا (مكارثية جديدة)، مهما كانت خطورة الفكر فلا سبيل إلى مواجهته وإدحاضه إلا بالفكر؛ لأن محاولة منع فكر معين قد تكون سببا في انتشاره وذيوعه؛ لأن كل ممنوع مرغوب".


"ثم إن أي محاولة لمنع تداول أفكار أو معلومات في ضوء حرية تداول المعلومات والأفكار التي أتاحتها وسائل الاتصال والتواصل الإلكترونية الحديثة، محكوم عليها بالفشل الذريع"، بحسب عبدالرحمن.


وأشار إلى أن الجهة التي أصدرت الأوامر، بلغ الحد الذي صادرت فيه كتب أبوحامد الغزالي (حجة الإسلام بالقرن الـ5 الهجري)؛ ظنا منها أنه الشيخ محمد الغزالي (أحد مفكري العصر الحديث).


وبين أنها لم تفرق بين كتب عبدالرحمن بن الجوزي (الفقيه الحنبلي بالعراق في القرن الـ6 الهجري)، وكتب شمس الدين محمد بن قيم الجوزية (الفقيه الحنبلي الدمشقي في القرن الـ8 الهجري).


وتحدث عن مصادرة كتب سيد قطب الأدبية والنقدية منها، التي كتبها قبل انضمامه إلى جماعة الإخوان المسلمين مثل كتاب (النقد الأدبي أصوله ومناهجه)، وكتب الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي، مثل: (دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين").


ولفت إلى سحب كتب الشيخ السيد سابق ومنها  كتاب: (الفقه على المذاهب الأربعة)، وكتب شيخ الأزهر محمد أبو زهرة، والمفكر الدكتور محمد عمارة، مثل: (العرب والتحدي)، و(هل إسرائيل سامية؟".


وأكد أن الجهل وصل إلى الدرجة التي تم فيها سحب كتب السيد جمال الدين الأفغاني، مثل: (الرد على الدهريين؟)، وكتب الإمام محمد عبده، وسحب كتب تهاجم الإخوان مثل كتاب (حسن البنا) لليساري رفعت السعيد.


"ما لا يفهمه العسس"


وفي رؤيته قال الكاتب والأديب مسعود حامد: "وجود تعليمات بسحب الكتب التي تتناول أدب نجيب محفوظ، وحملة لتنظيف المكتبات من أي كتب تشكل خطورة على التوجه العام للدولة، هذا أمر طبيعي ومعتاد من أي نظام سطحي يستغنى عن القوة الناعمة بسلاحه".


وأضاف لـ"عربي21": "إذ القاصي والداني يرصد تراجع قوة مصر في ظل هذا العهد بمجالات الإعلام والتعليم والفن والفكر والثقافة؛ فهو نظام مرعوب من الريشة والقلم والفيلم والكتاب، ويتجاهل الرموز ويخفيها عن العيون مثل نجيب محفوظ الذي رسم بقلمه شخصية مصر".


ولفت إلى أن النظام "يُمعن في إهمال صناعة الكتاب الجيد كلية، ويحارب كل ما هو جميل وبديع وراسخ لإذابة الهوية الثقافية لمصر بما يتواءم مع سطحية النظام وتفاهته؛ إذ ما هي الخطورة الناجمة عن كتب نجيب محفوظ؟ وهل هناك أكثر تنويرية من كتب محفوظ ليخفيه؟".

 

اقرأ أيضا: الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ مجانا عبر منصة "هنداوي"

وختم حامد بالقول: "وهو ما يتطلّب إدراك الدولة والشعب بحتمية وجود نظام رشيد يؤثر في المنطقة والإقليم، ويجعل مصر عصب المنطقة بأكملها ثقافيا قبل أن تكون سياسيا، وهو ما لا يفهمه العسس".


"ليس غريبا"


وفي تعليقه قال الكاتب خالد الأصور: "رغم أن كل العهود التي مرت على مصر، تصدرها رؤساء من خلفية عسكرية، بخلاف السنة اليتيمة للرئيس المدني الدكتور محمد مرسي، رحمه الله، لكن هذه الطبيعة العسكرية لم تمنع وجود حراك فكري ثقافي أدبي، في عهود ثلاثة".


وأضاف لـ "عربي21": "ففي عهد جمال عبدالناصر، رغم هيمنة الدولة على كل المؤسسات عبر تأميمها ووجود الضباط فيها، لكن هذا لم يمنع أن تقود الدولة بوصلة الثقافة عبر نشاط واسع، مثل سلاسل ثقافية تصدرها دور النشر الحكومية بأسعار زهيدة".


الأصور أكد أنه "بعهد أنور السادات، ومع توسع أجواء الحرية السياسية، زاد زخم الحركة الثقافية، وبدا تنوعها، في ظل تنافس أيديولوجي كانت ساحته الرئيسة في الجامعات بين التيار الإسلامي والتيار اليساري، وانتعش سوق نشر الكتاب".


وأضاف: "ثم جاء عهد حسني مبارك، ورسخت الاتجاهات والأحزاب السياسية حضورها، عبر قنوات وآليات فكرية وثقافية وأدبية متنوعة، ورغم أن الدولة واصلت خنق المجال السياسي أمام الأحزاب السياسية، مقابل إفساح المجال المحسوب والمنضبط للإخوان كآلية أخرى لهذا الخنق".


ولفت إلى أنه "في العهد الحالي، تراجع كل هذا الزخم، في المساحة الممنوحة لحرية الصحافة والإعلام وتداول الأفكار، وزادت القيود الرقابية من المنبع على أي نشاط ثقافي وأدبي وفكري، بل وحتى في المجال الفني احتكرت بعض مؤسسات الدولة شركات الإنتاج السينمائي، كما احتكرت منصات القنوات الفضائية الخاصة".

 

اقرأ أيضا: "سيرة الرواية المحرّمة".. لماذا تمرّد نجيب محفوظ على نفسه؟


"أما الصحافة فحدث ولا حرج، فقد أصبحت كلها حصريا تتحدث بلسان واحد، وأصبحت مانشيتاتها واحدة تقريبا بصياغات متقاربة، ولا تحدثني عن صحف معارضة، لأحزاب معارضة، قارن فقط بين صحيفة الوفد في عهد مبارك ورئاسة تحريرها في ظل مصطفى شردي وسعيد عبدالخالق، وفي عهدها الحالي".


وواصل الأصور: "وقد يكون مفهوما أن يكون هذا الاحتكار المجال الإعلامي والتضييق على الحراك الثقافي والأدبي والفكري، أقول قد يكون مفهوما ومبررا في العامين الأولين، بعد إبعاده الإخوان، وحسم الموقف لصالح الدولة الجديدة، لكن ما مبرر استمرار ذلك بعد سحق كل المخاوف من عودة فزاعة الإخوان".


وتابع: "ولعل بعض العقلاء في النظام، يدركون أن أطول الرؤساء عمرا في السلطة، ترجع طول فترة حكمه أنه ترك مجالا محسوبا للتنفيس ووازن بين القبضة الأمنية التي كانت قائمة والحراك السياسي والثقافي والفكري الذي منح النظام مشروعية استمراره على مدى 3 عقود".


وأكد أنه "لذلك ليس غريبا استبعاد كتب نجيب محفوظ، فكما أقصى كل القامات الفكرية والإعلامية مثل الدكتور نادر فرجاني، وعلاء الأسواني، وحافظ الميرازي، ويسري فودة، وبلال فضل الذي تم منع مسلسله (أهل اسكندرية) قبل سنوات".


وتابع: "فلا غرابة في المنع لأي شخص وأي اتجاه، ولو كان مناهضا للإخوان وداعما للسلطة، خاصة أن كتب وروايات نجيب محفوظ تحمل بالفعل إسقاطات قوية ضد الاستبداد".


ونقل الأصور بعض نماذج من كلمات أديب نوبل على ألسنة شخوصه، مثل: "كلما كان خارج الحارة، زاد طغيانا داخلها ( الحرافيش)"، و"كل ابن كلب غرّته قوتُه يزعم لنا أنه الوصي المختار، وأن الشعب قاصر (السكرية)".


و"الذين يحملون للوطن حبا حقيقيا هم الذين ينتقدونه أشد النقد، بينما لايقدم المنافقون سوى الطبل والزمر في الزفة ( المرايا)"، و"ما الحيلة؟.. أمامنا رجل يدّعي الزعامة وبيده مسدس (حديث الصباح والمساء)".

التعليقات (0)