صحافة دولية

FA: هذه مخططات روسيا التوسعية في القارة السمراء

مثلت جمهورية أفريقيا الوسطى حقل اختبار للقوة الناعمة لروسيا في أفريقيا- جيتي
مثلت جمهورية أفريقيا الوسطى حقل اختبار للقوة الناعمة لروسيا في أفريقيا- جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، تقريرًا تحدثت فيه عن المخططات التوسعية الروسية في أفريقيا، من خلال دعم الأنظمة الاستبدادية والتسويق "للنموذج السوري" والشراكات الاقتصادية. 

 

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد يوم من الانقلاب في بوركينا فاسو في كانون الثاني/ يناير، خرج مؤيدو النظام الجديد إلى الشوارع ملوّحين بالعلم الروسي، في مشهد يُذكّر بالحرب الباردة التي تنافست فيها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على النفوذ في أفريقيا.

تحدث المتظاهرون باستحسان عن نشر روسيا للمرتزقة في ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، لمحاربة المتمردين الإسلاميين.

 

وقال أحدهم لصحيفة "نيويورك تايمز" إنه "سبق للروس أن حققوا نتائج جيدة في دول أفريقية أخرى ونأمل أن يتمكنوا من فعل نفس الشيء هنا". 

ذكرت المجلة أن روسيا لم تكتف باستخدام المتعاقدين العسكريين لتوسيع نفوذها في أفريقيا، بل إنها حققت أيضًا دفعةً دبلوماسية قويّة عبر القارة عندما ترأّس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي في سنة 2019، أول قمة روسيّة أفريقية جمعت 43 رئيس دولة أفريقية في سوتشي، والتي استخدمتها لصياغة شراكات دبلوماسية جديدة.

عرفت روسيا كيفية الاستفادة من الإحباطات الشعبية الناتجة عن سياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية والفرنسية في أفريقيا، والمخاوف المتعلقة بالنفوذ الاستعماري الجديد.

 

ومع تراجع الوجود الأمريكي في القارة، فإن الروس يعملون على سد الفراغ الذي خلفته لتعزيز نفوذهم واستخراج الثروات الطبيعية من خلال تأمين عقود للشركات المملوكة للدولة.

لكن كل هذه المؤشرات لا تبشّر بالخير بالنسبة لدول القارة. فمبيعات الأسلحة العشوائية في روسيا تؤجج الصراعات في حين أن الصفقات التجارية الغامضة تعمل على تمكين الأنظمة الاستبدادية ناهيك عن أن ميولها الاستبدادية تقوّض الديمقراطية، الأمر الذي يثير استياء الولايات المتحدة وحلفائها الذين يشهدون تبدد قوتهم الناعمة في القارة. 

اكتساب حلفاء جدد


في أواخر التسعينيات، برزت روسيا كقوة عظمى في أفريقيا وسعت إلى إحياء النفوذ السوفييتي في القارة عن طريق تقديم المساعدة العسكرية الفنية والمساعدات التنموية، منهية بذلك تركيزها على "التبشير الأيديولوجي".

 

لجأت روسيا إلى سياسة الإعفاء من الديون لإعادة ضبط شراكتها مع كل من الجزائر وليبيا التي كانت تواجه بعض العثرات، على غرار الخلافات على قروض الحقبة السوفييتية ودعم موسكو لعقوبات الأمم المتحدة ضد نظام الديكتاتور الليبي معمر القذافي.

وأشارت المجلة إلى أن روسيا عُرفت بتأييدها لمبدأ "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية"، وقدمت السلاح للأنظمة المعادية للغرب مثل السودان وأريتريا.

 

ومن خلال التدخل العسكري للناتو في ليبيا سنة 2011 الذي أدى إلى استقطاب شديد بين الأفارقة، فقد سنحت لروسيا فرصة تقديم نفسها كمحبط للسياسة الغربية وحارسة لسيادة الدولة.

 

كانت هذه الصورة جذابة بالنسبة لشركاء الولايات المتحدة، مثل مصر ونيجيريا، الذين كانوا مستائين من ضغوط واشنطن على حقوق الإنسان.


اقرأ أيضا: برلماني موريتاني لـ"عربي21": إسرائيل لن تنجح باختراق أفريقيا


في الحقيقة، تمثل أفريقيا مصدرا للموارد الطبيعية وسوقًا محتملة للسلع الروسية، وينظر إليها عملاق الطاقة النووية الروسي "روساتوم" كسوق واعدة لبيع المفاعلات، حيث إن نقص الكهرباء المزمن والمخاوف المتعلقة بتغير المناخ تدفع الحكومات إلى البحث عن مصادر طاقة بديلة خالية من الكربون.

 

والمشروع الوحيد لهذه الشركة في أفريقيا هو مشروع المحطة النووية بالضبعة في مصر، وهي تحاول بيع مفاعلاتها إلى كل من غانا ونيجيريا ورواندا. 

وذكرت المجلة أن روسيا تحاول تعزيز مكانتها الدولية وعرض نموذج متميز للأمن من خلال الترويج لما تسميه بـ"النموذج السوري" لمكافحة التمرّد على الدولة.

 

وكجزء من هذه الجهود، أرسلت روسيا للعديد من دول أفريقيا شركات عسكرية مثل مجموعة "فاغنر". 

وينضاف إلى ذلك، إبرام اتفاقيات تعاون عسكري مع مالي وأفريقيا الوسطى وتشاد وغامبيا وغانا وغينيا ومالي والنيجر وسيراليون، مستغلةً انشغال أوروبا والولايات المتحدة بقضايا أخرى.

 

وأعادت روسيا إحياء جزء من برامج الدبلوماسية التعليمية التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، وأرسلت مساعدات غذائية للتخفيف من انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا.

 

ورغم سلوكها المزعزع للاستقرار في أفريقيا وعلى المسرح العالمي، فإن روسيا تستفيد من هذه المبادرات الإنسانية ومن القوة الناعمة للترويج لنفسها كلاعب فاعل على الساحة الدولية.

ملء الفراغ

 
عندما أنهت فرنسا عملية سانغاريس في سنة 2016، التي تهدف إلى نزع سلاح مجموعات المليشيات في أفريقيا الوسطى والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية وتسهيل الانتقال الديمقراطي، استغلت روسيا هذه الفرصة، ومن خلال مزيج من الاستثمارات الاقتصادية والمساعدة في مجال مكافحة التمرد فإنها حصلت على أصول قيمة بما في ذلك حصص تفضيلية في احتياطيات الذهب والماس في البلاد.

 

وفي الأشهر التي تلت إيقاف فرنسا للتعاون الأمني مع جمهورية أفريقيا الوسطى في حزيران/ يونيو الماضي، فإنه ازداد اعتماد الحكومة على موسكو لتوفير الأمن.

وأكدت المجلة أن التدخلات الاقتصادية والعسكرية الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى تعزز مكانة روسيا في أفريقيا.

 

وقد سهلت الدبلوماسية الروسية إعلان الخرطوم لسنة 2018، الذي أنشأ تحالفا للمعارضة في جمهورية أفريقيا الوسطى وخفف بشكل مؤقت التوترات بين الفصيلين المتمردين الرئيسيين. 

ومثلت جمهورية أفريقيا الوسطى حقل اختبار للقوة الناعمة لروسيا في أفريقيا. واستضاف الروس مسابقات ملكات الجمال وعروض الباليه في بانغي، وأصبحت اللغة الروسية حاليا جزءا من المناهج التعليمية في البلاد.

 

اقرأ أيضا: إيكونوميست: فاغنر أداة بوتين للتأثير وحماية ديكتاتوريي أفريقيا

 

وفي شهر نيسان/ أبريل 2021، أعلنت روسيا عن خطط لاستثمار 11 مليار دولار في إعادة إعمار جمهورية أفريقيا الوسطى بعد انتهاء الصراع.

لكن تدخل روسيا في جمهورية أفريقيا الوسطى لم يكن ناجحا بشكل كبير. وعلى الرغم من أن موسكو صاغت تدخلها كوسيلة لمواجهة الاستعمار الفرنسي الجديد وحماية سيادة الدولة، فإن نهجها القاسي أصبح محل تجاذبات.

 

وذُهل العديدون من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى عندما عين الرئيس تواديرا عميل المخابرات الروسية السابق، فاليري زاخاروف، مستشارا للأمن القومي في سنة 2018، واعتبر ذلك تعديا على السيادة الوطنية.

 

ووثّق تقرير حديث للأمم المتحدة تورط مقاتلي مجموعة فاغنر في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ما زاد في تشويه سمعة المقاولين في جمهورية أفريقيا الوسطى.  


وأوردت المجلة أن الوجود الروسي بات ملحوظا أيضًا في دول الساحل، من خلال الاهتمام بفك الارتباط الأمريكي بدول المنطقة وتجاوز العثرات الفرنسية.

 

وأثارت وسائل الإعلام الروسية مشاعر السخط الاستعماري في مالي تجاه فرنسا وصورت سياسة مكافحة الإرهاب الفرنسية على أنها نسخة جديدة من الاستعمار مدفوعة بالطمع في الموارد وليس الضرورات الأمنية.

 

وفي ظل فشل العمليات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل في الحد من التطرف، فإن روسيا ضاعفت من وجودها الأمني هناك. 

وفي سنة 2014، بعد أن رفضت الولايات المتحدة بيع طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر متقدمة لنيجيريا لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، فإن روسيا قامت ببيع طائراتها للجيش النيجيري.

 

وبين سنتي 2016 و2019، وقعت روسيا اتفاقية تعاون عسكري مع نيجيريا وتشاد وغامبيا وغانا وغينيا ومالي والنيجر وسيراليون. 


في شهر آب/ أغسطس 2020، أطاح انقلاب بالرئيس المالي الموالي لفرنسا إبراهيم أبو بكر كيتا، ما منح روسيا المزيد من الحرية في ذلك البلد الذي أصبح حاليا مركزا لاستراتيجيتها في الساحل الأفريقي.

 

وبعد أيام، نظم الماليون احتجاجات للتعبير عن معارضتهم لسياسة مكافحة الإرهاب الفرنسية، ملوحين بالأعلام الروسية والصينية.

 

وقد مهد الانقلاب اللاحق في مالي في شهر أيار/ مايو 2021، الطريق أمام انسحاب فرنسا العسكري من البلاد مقابل تعزيز موقف موسكو. 

لكن بغض النظر عن كل المكاسب الروسية الأخيرة في منطقة الساحل، يظل النجاح على المدى الطويل غير مضمون. ويمكن للضغط الموازي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية المقترحة على مالي، أن يردع الحكومة في نهاية المطاف عن الاعتماد على المتعاقدين العسكريين الروس. 

وفي أيلول/ سبتمبر 2021 أطاح انقلاب في غينيا بالشريك الإقليمي الأكثر موثوقية لروسيا ألفا كوندي. وفي نيجيريا، كافحت روسيا لتحويل صفقاتها من الأسلحة إلى شراكة متنوعة.

 

وكل هذا يوحي بأن روسيا ستظل مفسدة للمصالح الفرنسية في أفريقيا أكثر من كونها قوة عظمى ذات تأثير بعيد المدى.

الطريق إلى الأمام


لاحظ القادة الأمريكيون والأوروبيون عودة روسيا إلى أفريقيا. ففي سنة 2018، انتقد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك، ممارسات روسيا "الضارية" في القارة. ودقت فرنسا ناقوس الخطر مرارا وتكرارا بشأنهم أيضا، فيما أدان مسؤولون بريطانيون وأوروبيون أعمال مجموعة فاغنر في مالي. ومع ذلك، فقد كافحت القوى الغربية لتشكيل ردّ متماسك على جهود روسيا في أفريقيا.

وأشارت المجلة إلى أن القوى الغربية تحتاج إلى التوقف عن النظر إلى أفريقيا باعتبارها حلبة منافسة بين القوى العظمى حتى تتمكن من إحباط خطط موسكو.

 

وبدلا من معاملة روسيا والصين على أنهما كتلة متجانسة مناهضة للغرب في أفريقيا، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا الاستفادة من المسائل الخلافية بين موسكو وبكين. 

بعبارة أخرى، تختلف القوتان بشكل خاص حول مسألة مركزية الاستقرار في أفريقيا، حيث تتطلب مبادرة الحزام والطريق الصينية الحفاظ على الاستقرار في أفريقيا، في حين أن روسيا مولعة بزعزعته.

 

وبالنظر إلى هذه الخلافات، فإنه يمكن للقوى الغربية أن تجد أرضية مشتركة مع بكين حول قضايا مثل الحفاظ على الاستقرار في السودان.

ويتعيّن على صانعي السياسة الغربيين استخدام القوة الناعمة لتعزيز أهدافهم. ويُعد تعيين الرئيس الأمريكي جو بايدن مبعوثين خاصين إلى القرن الأفريقي وليبيا بمثابة خطوات أولية جيدة، فضلا عن جهود الاتحاد الأوروبي لتعويض تراجع الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل.

 

ويجب على الدول الغربية أن تشجع بنشاط مبادرات حل النزاعات في الدول الأفريقية، مثل توسط جمهورية الكونغو الديمقراطية في نزاع سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان. 

ونبّهت المجلة إلى أن نفوذ روسيا في أفريقيا حاليا يعد ضئيلا مقارنة بما كان عليه خلال الحرب الباردة، لكن الحملة لم تنته بعد. ومن المقرر عقد القمة الروسية الأفريقية الثانية في الخريف القادم في أديس أبابا بإثيوبيا.

 

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الولايات المتحدة وأوروبا منشغلتان بمشاكل أخرى، فإنه سيوفر هذا الاجتماع فرصة للكرملين للاستفادة من التشتت الغربي وإثبات النفوذ الروسي الكبير في القارة. 

لهذا السبب، تحتاج الدول الغربية إلى جبهة موحدة واستبدال تركيزها الأحادي على المنافسة بين القوى العظمى باستراتيجية شاملة تمزج بين القوة الصلبة والناعمة.

 

وإذا تمكنوا من تعزيز مكانتهم في أفريقيا، فلن يساهم ذلك في تقليص النفوذ الروسي فحسب، بل أيضا في تحسين حياة ملايين الأشخاص في القارة التي غالبًا ما تكون آخر اهتمامات الشؤون الدولية.

التعليقات (0)