قضايا وآراء

العرب في تحالفات الحرب الأوكرانية والحروب الكبرى

هاني بشر
1300x600
1300x600
تتصارع الإمبراطوريات وتتصالح دائما على مدار التاريخ، في دورة من الحرب والسلم لا تهدأ ولا تنقطع. تحل إمبراطورية محل أخرى، وتبقى سنّة التدافع قائمة في التاريخ منذ قديم الزمن. وفي أتون صراع الفيلة تضيع كثير من المكونات البشرية الصغيرة في إطار دورة أخرى من التحالفات لهذا الجانب أو ذاك.

ودائما ما يحفل التحليل السياسي والتاريخ الحديث بمثل هذا الحديث عن الجانب الذي ينبغي للعرب أن يصطفوا وراءه، لينقذوا أنفسهم وسط هذا الصراع الضاري. ويتجدد الأمر نفسه في أتون الحرب الدائرة بين روسيا من جهة، وأوكرانيا المدعومة غربيا من جهة أخرى.

تبدو أمور التحالفات متداخلة إلى حد بعيد، فخارج دائرة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لا يدري أحد من يقف من روسيا ومن يقف مع أوكرانيا والغرب. وهي بالمناسبة دائما ما كانت على هذا النحو في هذا النوع من الحروب. وأبرز مثال على ذلك التحالفات التي عقدها العرب ممثلين في الثورة العربية الكبرى إبان الحرب العالمية الأولى، خصوصا التحالف مع الجانب البريطاني، والتي لم تسفر عن أية مكاسب بعد الحرب. وعلى العكس، كان العرب أحد الخاسرين في هذه الحرب، إذ احتلت بريطانيا فلسطين وكان ذلك مقدمة لضياعها بالكامل من العرب مع الاحتلال الإسرائيلي بعد ذلك.
تبدو أمور التحالفات متداخلة إلى حد بعيد، فخارج دائرة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لا يدري أحد من يقف من روسيا ومن يقف مع أوكرانيا والغرب. وهي بالمناسبة دائما ما كانت على هذا النحو في هذا النوع من الحروب

الأمر نفسه ينطبق على الحرب العالمية الثانية، والتي قامت فيها مصر بدور كبير لصالح الحلفاء بحكم الاحتلال البريطاني رغم الاستقلال الشكلي عام 1922. فلم تحصل على الجلاء التام بعد انتهاء الحرب، ولم يحدث أي تقدير لمساهمتها في المجهود الحربي والذي كان مفصليا خاصة في معركة العلمين. وبالمناسبة، هناك متحف في الساحل الشمالي في مصر لا يدري كثيرون عنه يؤرخ لمساهمة مصر في الحرب العالمية الثانية.

فما حدث هو العكس، ترك المتحاربون ألغاما وراءهم في العلمين لم ينزعوها حتى الآن، وتحصد كل فترة أرواح مصريين وتحيل آخرين لمعاقين، وتمنع امتداد التعمير لواحدة من أخصب الأراضي وأجودها في مصر.

الحرب الأوروبية- الأوروبية الحالية ليست استثناء من هذا الإطار، فكلا الطرفين لا يريان العالم العربي أصلا أثناء خوض غمار هذه المعارك، حتى وإن عقدت تحالفات بين بعض الأطراف العربية مع هذا الجانب أو ذاك.

المشكلة الآن أن المسلمين بدأوا يدخلون جزءا من معادلة الصراع على كلتا الضفتين. فالفيلق الشيشاني دخل منذ أيام ليقاتل إلى جانب روسيا، وهو أمر استفز كثير من المقاتلين الأوكرانيين، وليس في الحرب مجال للتفكير العقلاني وعدم أخذ مسلمين آخرين بجريرة المقاتلين الشيشان. الأمر نفسه ينطبق على مسلمي أوكرانيا وبقية الدول الأوروبية خاصة، والذين سيجدون أنفسهم عاجلا أو آجلا مطالبين بأخذ الموقف المعادي لروسيا مع سيل العداء المتصاعد بين الجانبين، خاصة إذا تم الاعتداء على أية دولة غربية بأي شكل من الأشكال.
الدول العربية والعرب والمسلمون في أوروبا في موقف لا يحسدون عليه؛ يحتاج من المعنيين للتفكير مليا قبل الاندفاع نحو هذا الاتجاه أو ذاك

في مثل هذا التوقيت تفتح الدفاتر القديمة ويعاد تقييم دور المسلمين في الغرب وطنيا، وسيستغلها اليمين المتطرف فرصة لتجديد الهجوم على سياسيات الهجرة واعتبار المسلمين طابورا خامسا.

وفي مثل هذه الظروف لا تصلح سياسة إمساك العصا من المنتصف، فمن لم يقف معنا في الحرب فهو ضدنا، تماما كما فعلت الولايات المتحدة في البرقية التي أرسلتها وزارة الخارجية الأمريكية لدبلوماسييها كي يبلغوا بها نظراءهم في أبو ظبي ونيودلهي قبل أن تسحبها بعد ذلك. فحوى البرقية هو الغضب من الإمارات العربية المتحدة والهند، واعتبار أن موقفهما المحايد إزاء الصراع الدائر في أوكرانيا حاليا يصب في الجانب الاصطفاف مع الجانب الروسي. ومن المستبعد أن تكون البرقية أرسلت بالخطأ في مثل هذا التوقيت الحساس، على حد وصف موقع أكسيوس الأمريكي.

والخلاصة أن الدول العربية والعرب والمسلمون في أوروبا في موقف لا يحسدون عليه؛ يحتاج من المعنيين للتفكير مليا قبل الاندفاع نحو هذا الاتجاه أو ذاك.

twitter.com/HanyBeshr
التعليقات (0)