قضايا وآراء

شرق أوكرانيا ليس الأول.. كيف أسست روسيا جمهورية في أوروبا الشرقية؟

هاني بشر
1300x600
1300x600
تتفكك الإمبراطوريات عادة ولا تموت، تنهزم سياسيا أو عسكريا ويبقى تأثيرها ممتدا في الفضاء الجيوسياسي، ولهذا فإن فضاء الاتحاد السوفييتي السابق لم يكن فقط في آسيا الوسطى وبعض الدول في شرق أوروبا التي انضمت للاتحاد الأوروبي. فما هو ظاهر على السطح من أخبار الصراع الأوكراني الروسي ليس سوى قمة جبل الجليد، إذ تملك موسكو نفوذا داخل القارة الأوروبية وخاصة في قسمها الشرقي عبر دولة ترانسنيستريا على الحدود بين أوكرانيا ومولدوفا، وهي دولة لا يزال علمها يحمل المطرقة والمنجل؛ شعار الشيوعية الشهير.

من الناحية الواقعية، فإن هذه الدولة لها حكومة وبرلمان وجيش، ورئيس ومن الناحية السياسية لا تعترف بها سوى موسكو وبعض الدول الانفصالية التابعة لروسيا مثل جمهورية أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ويتكلم أهلها اللغة الروسية بينما تنتشر اللغتين الروسية والرومانية في مولدوفا، البلد الأكبر المجاور والذي تعتبر معظم دول العالم أن ترانسنيستريا إقليم جزء منه وليست دولة مستقلة. ومعظم سكان هذه الدولة يحملون الجنسية المولدوفية، وبعضهم يحمل إلى جانبها الجنسية الروسية والأوكرانية. وكلا البلدين يعدان من الجبهات الهادئة حتى اللحظة في المناطق الساخنة في أوروبا الشرقية، والتي تشهد صراع نفوذ ممتد منذ أكثر من ثلاثة عقود بين الغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى.
لأن أوكرانيا بحكم التاريخ والجغرافيا والموارد هي الأكبر والأهم، فقد استحوذت على جل الاهتمام الروسي الأوروبي الأمريكي خلال السنوات الثلاثين الماضية بعد تفكك الاتحاد. وبقيت ترانسنيستريا ومولدوفا بدرجة ما بعيدة عن المناوشات السياسية والعسكرية

كان انفصال ترانسنيستريا هو إحدى نتائج الاتحاد السوفييتي عام 1991، إذ اشتعلت هذه الجبهة في موسم استقلال الجمهوريات عن الاتحاد ودارت فيه معارك قبل أن يتم التوصل لوقف لإطلاق النار عام 1992 وبقي الوضع كما هو عليه حتى اللحظة. ولأن أوكرانيا بحكم التاريخ والجغرافيا والموارد هي الأكبر والأهم، فقد استحوذت على جل الاهتمام الروسي الأوروبي الأمريكي خلال السنوات الثلاثين الماضية بعد تفكك الاتحاد. وبقيت ترانسنيستريا ومولدوفا بدرجة ما بعيدة عن المناوشات السياسية والعسكرية.

حاول الأوكرانيون والمولدوفيون التعامل بواقعية مع هذه الدولة عبر اتفاقات عبور واتفاقات تجارية، مما سهل الحياة والحركة للسكان هناك. ولكن هذا لا ينفي أنها جبهة مرشحة للاشتعال في أي لحظة، ولا ينفي أن موسكو تملك ورقة أخرى داخل أوروبا يمكن أن تستخدمها في أي لحظة. وقبيل اندلاع الحرب في أوكرانيا، صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بأن بلادها تريد المفاوضات حول وضع هذه الجمهورية بصيغة 5 + 2 والتي تشمل كلا من مولدوفا، وترانسنيستريا، وروسيا، وأوكرانيا، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مع مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو الحراك السياسي الذي لم يكتب له النجاح وأفضى للحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا.
لأن مولدوفا وترانسنيستريا ليستا بذات أهمية أوكرانيا، فإنه من المستبعد أن يتكرر الحشد العالمي ذاته الذي انطلق دفاعا عن أوكرانيا لصالح هذين البلدين، وهذا يعني أن في حوزة موسكو مزيدا من الأوراق أوروبيا بعيدا عن سلاح الغاز

يدل النزاع الدائر حاليا على أن شظى لهيبه إذا امتد لن يطال أو لا يطال دولا مثل رومانيا أو بولندا كما يتوقع البعض، وإنما يعني أن مولدوفا وترانسنيستريا ستكونان في مهب الريح، وستدفع مولدوفا ثمنا يعادل أو ربما يفوق ما تدفعه أوكرانيا حاليا. وهذا السيناريو ليس خياليا، فقد تنبأت به صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية الشهر الماضي قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا.

ولا يمكن إغفال أن ترانسنيستريا ومولدوفا قريبتان من شبة جزيرة القرم جنوب أوكرانيا على البحر الأسود. وهذا يعني أن هناك نوافذ مشرعة أمام القوات الروسية إذا أرادت شن أي هجوم أو القيام بأي عمل عسكري هناك. ولأن مولدوفا وترانسنيستريا ليستا بذات أهمية أوكرانيا، فإنه من المستبعد أن يتكرر الحشد العالمي ذاته الذي انطلق دفاعا عن أوكرانيا لصالح هذين البلدين، وهذا يعني أن في حوزة موسكو مزيدا من الأوراق أوروبيا بعيدا عن سلاح الغاز.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (0)