كتاب عربي 21

العرب والإيرانيون والأتراك: بين المخاوف المتبادلة وآفاق التعاون

قاسم قصير
1300x600
1300x600
تواجه العلاقات بين العرب والإيرانيين والأتراك اليوم الكثير من التحديات والعقبات، في ظل المخاوف والصراعات المتبادلة بينهم، وفي ظل سعي كل فريق للبحث عن مصالحه ومستقبله ومشروعه الاستراتيجي دون الأخذ بالاعتبار مصالح الطرف الآخر، مما أوقع هذه القوى الفاعلة في المنطقة في حروب متبادلة وصراعات لا تنتهي. وكل ذلك أدى على مدار العقود الأربعة الأخيرة إلى سقوط مئات آلاف الضحايا وخسارة مليارات الدولارات وتدمير دول عربية، وكان الكيان الصهيوني والقوى الدولية الكبرى هي المستفيد الأول من تدهور هذه العلاقات، وجعلها تتحول إلى الملجأ الأساسي للحصول على الأمن والاستقرار.

فأي مستقبل لهذه العلاقات بين هذه الأطراف الثلاثة اليوم في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية؟ وهل هناك من باب أمل بإعادة ترتيب هذه العلاقات على ضوء التطورات الجارية في المنطقة والعالم؟

هذا الموضوع كان محور نقاش وحوار خاص عقد مؤخرا في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت، وشارك في اللقاء عدد من الباحثين والقياديين الإسلاميين والمهتمين بمستقبل هذه العلاقات.
أي مستقبل لهذه العلاقات بين هذه الأطراف الثلاثة اليوم في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية؟ وهل هناك من باب أمل بإعادة ترتيب هذه العلاقات على ضوء التطورات الجارية في المنطقة والعالم؟

فما هي أبرز المعطيات الجديدة التي قدمت خلال هذا الحوار؟ وهل يمكن أن تساهم هذه الحوارات ببلورة رؤية جديدة لمستقبل العلاقات العربية- الإيرانية- التركية في المرحلة المقبلة؟

استعرض الباحثون والمشاركون في هذا الحوار أهم التطورات والمتغيرات على صعيد العلاقات بين العرب والإيرانيين والأتراك، واعتبروا أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور هذه العلاقات أنها قامت على أسس أمنية وفي ظل المخاوف المتبادلة بين هذه الأطراف وصراع المصالح بينها، وفي ظل صعود المشروعين التركي والإيراني وغياب المشروع العربي الموحد، وتقدم المشروع الصهيوني كي يصبح الطرف الثالث الفاعل في المنطقة إلى جانب تركيا وإيران مع بعض القوى الدولية، مما دفع بعض الدول العربية لنسج علاقات مع الكيان الصهيوني على حساب العلاقات مع إيران وتركيا.

وقد تحولت إيران لدى بعض الدول العربية إلى مصدر القلق الأول على مصالحها، في حين أن تركيا تحاول اليوم أن تستعيد دورها المتوازن في المنطقة بعد أن فشلت سياسة "تصفير المشاكل" التي دعا إليها القيادي التركي السابق أحمد داود أوغلو، لكن أحداث الربيع العربي أدخلت تركيا في صراعات المنطقة أيضا، إلى جانب بقية القوى الإقليمية والدولية.

لكن رغم الجوانب السلبية الكثيرة القائمة اليوم في العلاقات العربية- الإيرانية- التركية، فإن بعض الباحثين في هذا اللقاء الحواري قدموا مجموعة أفكار ومعطيات قد تفتح الباب مستقبلا أمام العمل مجددا لترتيب هذه العلاقات وبنائها على أسس جديدة. وحسب الباحث في الشؤون الدولية الدكتور بلال اللقيس، فإن هناك عدة تطورات مهمة قد تعطينا فرصة جديدة لترتيب هذه العلاقات ومنها:
رغم الجوانب السلبية الكثيرة القائمة اليوم في العلاقات العربية- الإيرانية- التركية، فإن بعض الباحثين في هذا اللقاء الحواري قدموا مجموعة أفكار ومعطيات قد تفتح الباب مستقبلا أمام العمل مجددا لترتيب هذه العلاقات وبنائها على أسس جديدة

أولا: التحديات التي تواجه دور الغرب والمنظومة الغربية في العالم، والذي ينعكس سلبا على دورها في منطقتنا.

ثانيا: تبدل الأولويات في السياسة الأمريكية وتراجع الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط لحساب الاهتمام بمواجهة روسيا والصين، مما يجعل أمريكا تعيد النظر بدورها في الشرق الأوسط.

ثالثا: التحديات التي تواجه الكيان الصهيوني والمخاطر التي يتعرض لها من جراء تعاظم دور قوى المقاومة، مما يجعله غير قادر على تأمين الحماية لدول المنطقة رغم تطور العلاقات التطبيعية بينه وبين بعض هذه الدول.

رابعا: صعود وتنامي دور محور المقاومة وتحوله إلى مشروع متكامل وفاعل في المنطقة.

خامسا: التحولات الدولية والإقليمية التي نشهدها اليوم، ولا سيما بعد الحرب الروسية- الغربية في أوكرانيا، واحتمال العودة إلى الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، وتعاظم دور روسيا والصين، والأزمات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، مما يوجد فراغا كبيرا في المنظومة الإقليمية.
كل ذلك يتطلب إعادة ترتيب العلاقات العربية- التركية- الإيرانية وإزالة المخاوف بينهم والعمل لبناء مشروع مشترك، كي تتم مواجهة المشروع الصهيوني لأنه الأخطر على المنطقة، بدل أن يصبح الكيان الصهيوني ملجأ للحماية من قبل بعض الدول بحجة مواجهة المشروع الإيراني

ويعتبر الدكتور اللقيس أن هذه التطورات تعطينا الفرصة لطرح مشروع جديد لإعادة تنظيم العلاقات العربية- التركية- الإيرانية، ومن خلال ذلك كل العلاقات العربية- الإسلامية، ولكن بشرط تقديم خطاب جديد يعزز الثقة بين هذه الأطراف والعمل على تقديم مشروع متكامل ومتدرج لتطوير آفاق التعاون على قاعدة الدفاع عن مصالح الأمة كلها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ومعالجة الهواجس المتبادلة بين العرب والإيرانيين والأتراك، رغم المشكلات التي يعاني منها العرب بسبب غياب المشروع العربي الموحد والخلافات بين الدول العربية.

بالمقابل يعتبر الباحث في الشؤون الدولية والعربية ممتاز بحري أن المنطقة العربية تشهد صراعا بين ثلاثة مشاريع، وهي المشروع التركي والمشروع الإسرائيلي والمشروع الإيراني، وأن العرب ليس لديهم مشروع موحد وقادر على مواجهة التحديات المختلفة، مما يجعل العالم العربي ساحة للتنافس والصراع بين هذه المشاريع الثلاثة. وكل ذلك يتطلب إعادة ترتيب العلاقات العربية- التركية- الإيرانية وإزالة المخاوف بينهم والعمل لبناء مشروع مشترك، كي تتم مواجهة المشروع الصهيوني لأنه الأخطر على المنطقة، بدل أن يصبح الكيان الصهيوني ملجأ للحماية من قبل بعض الدول بحجة مواجهة المشروع الإيراني.

وفي هذا اللقاء الحواري قدّمت العديد من الأفكار حول كيفية إعادة الثقة بين العرب والإيرانيين والأتراك، وتمت مراجعة وتقييم كل المشاريع التي قدّمت سابقا من أجل تعزيز الحوار بين هذه المكونات وبقية مكونات المنطقة العربية والإسلامية، مثل مشروع منتدى التكامل الإقليمي للحوار العربي- الكردي- التركي- الإيراني، ومشروع الكونفدرالية المشرقية، ومجلس السلم والتعاون الإقليمي، ومشروع الإمبراطورية المشرقية، ومبادرة هرمز الإيرانية للسلام في المنطقة، ومشروع وستفاليا العربية والإسلامية من أجل إعادة بناء العلاقات بين دول ومكونات المنطقة على أسس سليمة وقوية، إضافة إلى كل المبادرات والمؤتمرات الحوارية بين العرب والإيرانيين والأتراك والأكراد.
صورة الواقع اليوم لا تبشر بالخير، لكننا محكومون بالأمل، ولذا نأمل مع الباحث الدكتور بلال اللقيس وأفكاره الجديدة أن نفتح بابا للأمل من أجل العودة للحوار بين العرب والأتراك والإيرانيين، والتوافق على رؤية مشتركة للمستقبل، لأن هذا هو الخيار الأفضل والوحيد أمامنا اليوم

وللأسف فإن كل هذه المشاريع لم تنجح في تحقيق تقدم جدي وحقيقي في العلاقات العربية- التركية- الإيرانية، بل إن المخاوف زادت وتحول العالم العربي إلى ساحة للصراعات بين القوى الإقليمية والدولية، وخسرنا ملايين الضحايا ومليارات الدولارات وشهدنا تدمير الكثير من الدول، ولا زلنا نشهد المزيد من الدمار والصراعات.

فهل يمكن لهذه الأفكار الحوارية أن تفتح الباب مجددا من أجل حوار عربي- تركي- إيراني لمعالجة أزمات المنطقة، بدل الاعتماد على الحماية الصهيونية أو انتظار الروس والأمريكيين والأوروبيين مجددا لحل مشاكلنا على حساب مصالحنا ولتحقيق مصالحهم.

صورة الواقع اليوم لا تبشر بالخير، لكننا محكومون بالأمل، ولذا نأمل مع الباحث الدكتور بلال اللقيس وأفكاره الجديدة أن نفتح بابا للأمل من أجل العودة للحوار بين العرب والأتراك والإيرانيين، والتوافق على رؤية مشتركة للمستقبل، لأن هذا هو الخيار الأفضل والوحيد أمامنا اليوم، وخصوصا أننا على أبواب شهر رمضان المبارك.

وكل عام وأنتم وأمتنا كلها بخير.

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (0)