قضايا وآراء

مولدوفا قد تكون التالية بعد أوكرانيا في الصراع الروسي الأوروبي

هاني بشر
1300x600
1300x600
الحروب كالنيران، يمكن لعود ثقاب واحد أن يشعلها ولا يملك أحد قرارا منفردا لإيقافها، إذ يمتد اللهيب بحسب قدرة النيران على الالتهام في لعبة يحكمها قادة الجيوش والأوضاع الميدانية بخلاف لعبة السياسة وقواعدها.

وحين أشعلت روسيا حرب أوكرانيا فإنها بذلك أضرمت النار في عدة بقاع أوروبية؛ إحداها جمهورية مولدوفا في شرق أوروبا والمتاخمة لحدود أوكرانيا الجنوبية. تناولنا حساسية هذه الجمهورية في مقال قبل أسابيع وحدث ما توقعناه، إذا هزت عدة انفجارات جمهورية ترانسنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا على حدود مولدوفا، ملحقة الضرر بثكنة عسكرية ومبنى وزارة أمن الدولة في العاصمة تيراسبول وبرج لمركز الإذاعة والتلفزيون.

السلطات المولدوفية أعلنت أن الهدف من هذه الانفجارات هو جر البلاد إلى أتون الصراع الدائر في الجارة أوكرانيا، بينما أعلن حلف شمال الأطلسي على لسان نائب أمينه العام ميرسيا جيوانا أن مولدوفا تتعرض لأعمال استفزازية، مستبعدا أية مخاطر عسكرية وشيكة.
الأخطار وشيكة بالفعل، ليس على مولدوفا وحدها، بل وعلى الدول الأوروبية جمعاء. فهذه الدول في خطر حقيقي على مستويات مختلفة جراء تفاقم هذا الصراع الذي يسير شهرا تلو آخر من دون أفق واضح للحل السلمي السياسي. ولكن مولدوفا قد تكون الحلقة الأضعف أو الأقرب لأي اختراق روسي للجوار الأوروبي، ليضرب عصفورين بحجر واحد

والحقيقة أن الأخطار وشيكة بالفعل، ليس على مولدوفا وحدها، بل وعلى الدول الأوروبية جمعاء. فهذه الدول في خطر حقيقي على مستويات مختلفة جراء تفاقم هذا الصراع الذي يسير شهرا تلو آخر من دون أفق واضح للحل السلمي السياسي. ولكن مولدوفا قد تكون الحلقة الأضعف أو الأقرب لأي اختراق روسي للجوار الأوروبي، ليضرب عصفورين بحجر واحد؛ الأول فتح جبهة جنوبية للبلاد مع جبهة إقليم دونباس الشرقية المفتوحة منذ بداية الحرب. وتأتي تصريحات الجنرال رستم مينكاييف، القائم بأعمال قائد المنطقة العسكرية المركزية في روسيا، لتؤكد هذا المعنى من دون مواربة حيث صرح بأن السيطرة على جنوب أوكرانيا هو منفذ للوصول إلى جمهورية ترانسنيستريا الانفصالية، والتي يقول بأن السكان الناطقين بالروسية هناك يتعرضون لاضطهاد. وهي نفس الحجة التي تدخلت بها روسيا في أوكرانيا متهمة الحكومة الحالية بأنها قومية نازية. 

والهدف الثاني هو توسيع نطاق الحرب جغرافيا في داخل أوروبا بشكل غير مباشر، لإرغام حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي على القبول بالشروط أو بالسقف الروسي للاتفاقات الأمنية والاستراتيجية المعطلة منذ فترة. وكانت قضايا الوضع في أوكرانيا ومولدوفا على رأس الاتفاقات التي لم يكتب لها النجاح، وتعطلت كليا بعد شن الحرب الأخيرة على أوكرانيا. 
حساسية التمدد الروسي أوروبيا تتعلق بخطوته التالية أو الثالثة بعد أوكرانيا ومولدوفا. فبعد أن كانت القوات الروسية متركزة في شرق أوكرانيا، أي بعيدا عن التماس مع دول الاتحاد الأوروبي ممثلة في بولندا غرب أوكرانيا، ستكون في حالة مولدوفا في حالة تماس مع رومانيا العضو في الاتحاد الأوروبي

حساسية التمدد الروسي أوروبيا تتعلق بخطوته التالية أو الثالثة بعد أوكرانيا ومولدوفا. فبعد أن كانت القوات الروسية متركزة في شرق أوكرانيا، أي بعيدا عن التماس مع دول الاتحاد الأوروبي ممثلة في بولندا غرب أوكرانيا، ستكون في حالة مولدوفا في حالة تماس مع رومانيا العضو في الاتحاد الأوروبي. لقد كانت الخطوط الحمراء التي تتحدث عنها موسكو هي إنشاء منطقة عازلة بين روسيا والاتحاد الأوروبي ممثلة في أوكرانيا منزوعة السلاح وغير المنضمة لحلف شمال الأطلسي، ولهذا تجنبت التوغل غربا في أوكرانيا مكتفية بالجزء الشرقي، أملا في الحفاظ على نقاط التماس هذه. 

في حال دخلت مولدوفا في أتون الصراع ستسقط إحدى الخطوط الحمر بين الغرب وروسيا في الصراع الحالي، مما يعني أن دول الاتحاد الأوروبي ستكون في مهب العاصفة العسكرية الغربية الروسية في جولة جديدة لا يعلم مداها إلا الله. وهنا لا نتحدث عن دول لديها قدر كبير من الاستقرار والاستعداد العسكري مثل ألمانيا أو فرنسا، ولكن دول تعاني من مشاكل اقتصادية وتنموية مثل رومانيا. وغالبا ما تدفع هذه الدول فاتورة صراع الكبار في الحروب بين الإمبراطوريات، كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية مع بولندا ورومانيا الدولتين الجارتين لأوكرانيا.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (0)