تقارير

سالم جبران.. المقاوم بشعره الصامد بكيانه تحت الاحتلال

سالم جبران.. شاعر فلسطيني لا يقل أهمية في أشعاره عن محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم
سالم جبران.. شاعر فلسطيني لا يقل أهمية في أشعاره عن محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم

عندما نتحدث عن شعراء الأرض المحتلة تقودنا الكاريزما والنجومية إلى ثلاثة أسماء من أهم خمسة قامت عليهم النهضة الثالثة للشعر العربي في فلسطين. أو بمعنى أدق "نصف النهضة الشعرية" التي قامت على أساسين اصطلح على تسميتهم شعراء المقاومة، وهم في الحقيقة شعراء الصمود في الداخل وشعراء المقاومة في الخارج.
 
"نصف النهضة" في فلسطين، في حقيقتها، لم تقُم على عدد من الشعراء، بل قامت على المنظومة أو الحركة الشعرية المقاوِمة، على عدد غير قليل من الشعراء والمثقفين. غير أن الأسماء التي اشتُهرت هي ثلاثة: توفيق زياد، محمود درويش، سميح القاسم. أما الاسمان الباقيان فهما: راشد حسين اغبارية الذي غمرته الغربة المبكرة (راجع المقال الماضي) وسالم جبران الذي غمره العمل الصحفي والسياسي.

 



سالم جبران لا يقل أهمية عن رفاقه، وقد تجد في ديوانه قصائد تشبه أو تفوق قصائد أقرانه، ولكنها لم تأخذ حظها من الشهرة والشعبية.

فكما اشتهرت "سجل أنا عربي" لدرويش، و"باقون" لتوفيق زياد، فإن قصيدة سالم جبران لم تنل حظها مثل غيرها، التي فيها من معاني المقاومة والرفض ما يفوق القصيدتين المذكورتين، فيقول:

كالسّنديان هنا سنبقى
كالصّخور
كعرائس الزّيتون فوق ربى بلادي
كالنّهور كحمائم البريّة الخضراء
أنا سوف نخفق فوق أرضك
يا بلادي
كالنّسور

ويقاوم محاولات الاقتلاع العدوانية المتكررة، مؤكداً فشلها:

يمكنكم أن تقلعوا الشّجر
من جبل في قريتي
يعانق القمر
يمكنكم أن تحرثوا كلّ بيوت قريتي
فلا يظلّ، بعدها أثر
يمكنكم أن تأخذوا ربابتي وتحرقوها بعد أن تقطعوا الوتر
يمكنكم
لكنّكم لن تخنقوا لحني
لأنّي عاشق الأرض مغنّي الرّيح والمطر

في ذلك العصر، وذلك المكان، لم تكن المقاومة تعني حمل السلاح أو رفض الاحتلال والاعتراف بالكيان، بل كان مجرد الصمود والاستمرار باستقلالية ذاتية مقاومةً. وأصبح الشّاعر الذي يصمد بوجه الظروف القاهرة والضاغطة والعدوانية المحيطة به هو شاعر مقاومة، وأصبح الذي يُنظّر للقضيّة بعيداً عن آلام شعبه وطموحاته وآماله مرفوضاً مقطوعاً عن الجماهير. 

من هو سالم جبران؟

هو شاعر وكاتب وصحفي من فلسطينيي الداخل، ولد في قرية البقيعة في الجليل عام 1941، عاش في مدينة الناصرة وتوفي فيها في 19 كانون الأول (ديسمبر) 2011، تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة قريته البقيعة، وأنهى الثانوية في العام 1962 في مدرسة كفرياسيف.
 
كتب في سيرته الذاتية أنه عندما كان طفلاً شاهد عام 1948 قوافل اللاجئين الفلسطينيين وهي تعبر البقيعة إلى المجهول في لبنان. وأثرت تلك المشاهد المحزنة عليه نفسياً، وعلى التزامه القومي والإنساني، وبدأ بنشر قصائده الوطنية عندما كان في الـ14 من عمره.

نشر قصائده الأولى في صحيفة الاتحاد، في العام 1967 تم اعتقاله وسجنه على خلفيه نشاطه السياسي، ومن ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله لأكثر من سنتين. التحق بجامعة حيفا عام 1972 لإتمام دراسته الجامعية وهناك أنهى دراسة الأدب الانجليزي وتاريخ الشرق الأوسط.

 



عمل في الصحافة في بداية السبعينيات، وعمل محرراً في مجلة "الجديد" و"الاتحاد"، ثم أصبح رئيساً لتحرير مجلة "الغد" الشبابية اليسارية، وعُين في عام 1990 رئيساً لتحرير جريدة "الاتحاد" اليومية، ثم أسس مجلة "الثقافة" وترأس تحريرها.

شغل منصب سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، انشق عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي وقدم استقالته من صحيفة الاتحاد في العام 1993 جراء خلافات فكرية.

أصدر جبران ثلاثة دواوين شعرية:

"كلمات من القلب" عام 1971، و"قصائد غير محددة الإقامة" عام 1972، و"رفاق الشمس" عام 1975، إضافة إلى قصائد نشرت في "ديوان الوطن المحتل" ولم يتم جمعها في ديوان واحد. ترجمت الكثير من قصائده إلى لغات أجنبية منها الأنجليزية والفرنسية والروسية والعبرية.

وفي كتاب الأديب الراحل غسان كنفاني حول "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة"، أبدى كنفاني اهتماماً واضحاً بشعر سالم جبران وأسلوبه الفريد الذي استفاد من المناخات الشعبية والشعر الشعبي.

فنياً، معظم قصائد جبران من حيث الشكل الفني قصيرة، وهو قال عن هذا: فعلاً أكثر قصائدي قصيرة، ولا أجدني بأيّ حال بحاجة إلى التّبرير.. أنا ألتزم بشيء واحد: أن يكون ما أكتبه صادقًا ليس مع نفسي فقط، بل مع الحياة.. أمّا الطّول والقصر فلا يعنيني؛ لأنّني لا أبيع قماشاً!

لذلك جاءت قصائدة مكثّفة مركّزة، كما نجد في قصيدته "حب":

كما تحبّ الأم
طفلَها المشوّها 
أحبُّها
حبيبتي بلادي! 

كقصيدة توفيق زياد "باقون"، يكتب سالم جبران حصته من صمود الشعراء تحت الاحتلال، يقول سالم في قصيدة بعنوان "بقاء":

الأرض خناجر
تحت الأقدام الوحشيّة
والأرض مقابر للأحلام الهمجيّة
سأظلّ هنا
في بيت يبنى من أحجار
في كوخ مصنوع
من أغصان الأشجار
أو في إحدى مغر بلادي
يا جزّار

ورغم الجرح والتضييق من المحتلّين فإن همّته لا تستسلم وتفاؤله لا يتراجع، ويبقى يقينه بأنّ مستقبل الظّلم الزّوال إذا صمدنا وقاومنا:

سأظلّ هنا
أمسك جرحي بيد
وألوح بالأخرى لربيع،
يحمل لبلادي
دفء الشّمس وباقات الأزهار.

*كاتب شاعر فلسطيني

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم