كتاب عربي 21

دعم السلع التموينية يمثل نسبة 3 في المائة من إنفاق الموازنة المصرية

ممدوح الولي
1300x600
1300x600

عادة ما تفخر السلطات المصرية بكبر حجم الدعم في الموازنة المصرية، إلا أن تفاصيل ذلك الدعم تشير إلى محدودية استفادة الفقراء منه، مقابل استفادة فئات ليست فقيرة بجانب كبير منه، إلى جانب تراجع الأرقام النهاية للدعم بالحسابات الختامية للموازنة، عما يتم ترديده من أرقام طوال سنة الموازنة، استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي بخفض مخصصات الدعم، والذي يتجدد حاليا مع سعي الإدارة المصرية لعقد اتفاق جديد للاقتراض من الصندوق.

وكان الجنرال المصري قد دعا في لقاء عام في آب/ أغسطس ٢٠٢١ إلى رفع سعر الخبز المدعّم، وتلا ذلك إعلان وزير التموين عن دراسة عدد من البدائل لتنفيذ ذلك بداية من العام المالي الجديد، الذي يبدأ مطلع تموز/ يوليو القادم.

لكن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار الغذاء، والتي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمصر بالشكوى من زيادة الأسعار، أدت إلى تأجيل الجنرال لتنفيذ قراره، بل وبتعجيل صرف زيادات الأجور للموظفين ولأصحاب المعاشات قبل موعدها بشهرين، لامتصاص الغضب الشعبي.

وهكذا جاءت مخصصات الدعم التمويني بالموازنة الجديدة مماثلة إلى حد كبير لما كانت عليه في العام الماضي بزيادة 2.8 مليار جنيه، والتي تتضمن دعم الخبز، والسلع الغذائية التي يتم توزيعها على البطاقات التموينية والتي يستفيد منها 63.3 مليون مواطن، مقابل 103 ملايين هم مجمل السكان، بصرف سلع بقيمة خمسين جنيها شهريا للفرد حتى أربعة أشخاص لكل أسرة، وما زاد عن ذلك من أفراد تصرف لهم سلع بقيمة 25 جنيها شهريا.

1.2 مليار جنيه دعما لوزارتي العدل والداخلية

وهكذا بلغت مخصصات الدعم التمويني شاملا الخبز وسلع البطاقات في الموازنة الجديدة التي تبدأ مطلع تموز/ يوليو القادم 90 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 25 في المائة من مجمل مخصصات الدعم في الموازنة الجديدة والبالغ 356 مليار جنيه.

الرقم تم تضخيمه بتضمينه مبلغ 127 مليار جنيه تمثل جزءا من قسط سنوي لمديونية هيئة التأمينات الاجتماعية لدى الخزانة العامة، ولهذا كان يجب أن يكون مكان القسط في الباب الثامن بالإنفاق والمتعلق بأقساط الديون على الحكومة

لكن الرقم تم تضخيمه بتضمينه مبلغ 127 مليار جنيه تمثل جزءا من قسط سنوي لمديونية هيئة التأمينات الاجتماعية لدى الخزانة العامة، ولهذا كان يجب أن يكون مكان القسط في الباب الثامن بالإنفاق والمتعلق بأقساط الديون على الحكومة.

كما تضمن الرقم الإجمالي للدعم نوعيات عديدة، مثل دعم الصادرات والتي يحصل عليها رجال الأعمال، ودعم الإنتاج الحربي الذي تحصل عليه شركات الإنتاج الحربي، والمعونات المقدمة من مصر إلى دول حوض النيل، والمنح التي تحصل عليها الأندية الاجتماعية للعاملين في وزارات المالية والعدل والداخلية.

فقد بلغ نصيب وزارتي الداخلية والعدل من الدعم في الموازنة الجديدة 1.2 مليار جنيه، وكذلك لمباني وزارة الخارجية في الخارج وصندوق تطوير الطيران المدني، وجهازي الرياضة والشباب، إلى جانب عدد من الجهات التابعة لوزارة الثقافة على رأسها دار الأوبرا المصرية.

وإذا كانت مخصصات الدعم التمويني تصل إلى 90 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، فإن هذه المخصصات تمثل نسبة 2.9 في المائة من مجمل الإنفاق في الموازنة والبالغ ثلاثة تريليونات و66 مليار جنيه، لكن بيانات أداء الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي (2021-2022) تشير إلى انخفاض قيمة المنصرف على الدعم التمويني، بالمقارنة بما تم إعلانه من مستهدفات بنسبة 24 في المائة خلال تلك الشهور التسعة.

وربما يتساءل البعض: كيف ينخفض الإنفاق على الدعم الغذائي رغم إرتفاع أسعار الغذاء دوليا ومحليا؟ ويجيب أسلوب التعامل مع زيادات الأسعار على ذلك، حيث يتم الرفع التدريجي لأسعار السلع التموينية كما حدث مع الزيت والسكر وغيرها، مع ثبات المبلغ المقرر للفرد الشراء به، ومن هنا تقل الكميات الموزعة، مع الاستمرار في استبعاد أعداد من أصحاب البطاقات التموينية بمبرر عدم الاستحقاق، مما يقلل التكلفة أيضا.
كيف ينخفض الإنفاق على الدعم الغذائي رغم إرتفاع أسعار الغذاء دوليا ومحليا؟ ويجيب أسلوب التعامل مع زيادات الأسعار على ذلك، حيث يتم الرفع التدريجي لأسعار السلع التموينية كما حدث مع الزيت والسكر وغيرها، مع ثبات المبلغ المقرر للفرد الشراء به، ومن هنا تقل الكميات الموزعة، مع الاستمرار في استبعاد أعداد من أصحاب البطاقات التموينية بمبرر عدم الاستحقاق

فوائد الدين ثمانية أضعاف الدعم الغذائي

وتكرر انخفاض المنفق على مجمل الدعم بنسبة 20 في المائة عما تم إعلانه من مستهدفات خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالي، وكان الحساب الختامى للعام المالي السابق (2020-2021) قد أشار إلى انخفاض الإنفاق على إجمالي الدعم بنسبة 19 في المائة بالحساب الختامي عما تم إعلانه من مستهدفات. وهي الظاهرة التي تكررت أيضا في العام المالي 2019-2020، بنسبة 31 في المائة لمجمل الدعم وبنسبة 10 في المائة للدعم التمويني. لكن الحساب الختامي الذي يمثل الواقع الفعلي للإنفاق، لا يجد اهتماما إعلاميا في ظل إعلام الصوت الواحد وغياب الدور الرقابي للبرلمان.

ورغم ذلك يستمر المسؤولون كل عام بترديد أرقام الدعم المتضخمة بسبب إدخال قسط دين هيئة التأمينات الاجتماعية فيه، ويبررون الاتجاه لخفض الدعم بكبر الرقم، رغم تصاعد أرقام أخرى بإنفاق الموازنة أقل إفادة للجمهور. فالخبز المدعم وسلع البطاقات التموينية البالغ مجموع تكلفتهما المتوقعة 90 مليار جنيه، تساهم في تحسين المستوى الغذائي والصحي لملايين الأسر، وتساعد في تحقيق السلام الاجتماعي.

وقد بلغت مخصصات فائدة الدين الحكومي في الموازنة الجديدة 690 مليار جنيه، أي ثمانية أضعاف قيمة الدعم الغذائي، في ضوء وجود ثلث السكان تحت خط الفقر حسب البيانات الرسمية، وهو ما يستحق جهدا لخفض قيمته أكثر من التسبب في الإضرار بالفقراء، إلى جانب 965.5 مليار جنيه لأقساط الدين الحكومي خلال العام المالي الجديد، لتصل تكلفة الدين من فوائد وأقساط في عام واحد إلى تريليون و656 مليار جنيه.

الفلاح المصري يدعم الحكومة!

ومن الظواهر الجديدة قس العام الحالي أن المزارع المصري يدعم الحكومة أضعاف قيمة الدعم الذي تقدمه الحكومة للمزارعين، حيث تضمنت بيانات الموازنة الجديدة دعما للمزارعين بقيمة 545 مليون جنيه، بانخفاض 120 مليون جنيه عما تم الوعد به في العام السابق، ليتوزع الدعم المستهدف خلال العام المالي الجديد بواقع نصف مليار جنيه لدعم سعر الفائدة للقروض في البنك الزراعي، و30 مليون جنيه لدعم مقاومة آفات القطن، و15 مليون جنيه لدعم صندوق الموازنة الزراعية، إلى جانب تخصيص مائة مليون جنيه لدعم التأمين على الفلاحين البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين مزارع، وهو نوع من الدعم لم يحدث خلال السنوات المالية الأخيرة، ليصل إجمالي الدعم المستهدف للمزارعين في الموازنة الجديدة إلى 645 مليون جنيه.

وتشير الحسابات الختامية للموازنة إلى انخفاض دعم الفلاحين المتحقق فعليا عما يتم ترويجه من أرقام خلال السنوات المالية الماضية. ففي العام المالي 2019-2020 بلغت قيمة الدعم الفعلي للمزارعين 140 مليون جنيه فقط، وفي العام المالي 2016-2017 بلغت قيمة الدعم الفعلي للمزارعين 41 مليون جنيه فقط.
الفلاح يدعم الحكومة مجبرا بقيمة 3250 جنيها عن كل طن يورده إليها، ويوصله بنفسه وعلى نفقته إلى أماكن تجميع القمح، بخلاف توفير قيمة الشحن البحري والتأمين على الشحنات المستوردة، والنقل من الموانئ إلى المخازن والمستودعات

وفي العام الحالي ومع ارتفاع أسعار الحبوب في العالم، قررت الحكومة إعادة فرض التوريد الجبري للقمح على المزارعين بواقع 12 أردبا لكل فدان، أي حوالي ثلثي الإنتاج، وحددت سعرا للتوريد الذي بدأ مطلع نيسان/ أبريل الماضي، يختلف حسب درجة نقاوة القمح، ليصل حسب أفضل درجة نقاوة إلى 5900 جنيه للطن، بينما بلغ متوسط سعر طن القمح الأمريكي الصلد في نفس الشهر 495 دولارا، أي ما يعادل 9150 جنيها حسب سعر الصرف في نهاية الشهر.

وهكذا فإن الفلاح يدعم الحكومة مجبرا بقيمة 3250 جنيها عن كل طن يورده إليها، ويوصله بنفسه وعلى نفقته إلى أماكن تجميع القمح، بخلاف توفير قيمة الشحن البحري والتأمين على الشحنات المستوردة، والنقل من الموانئ إلى المخازن والمستودعات.

وإذا كانت الحكومة تستهدف توريد من 5.5 إلى ستة ملايين طن من التوريد الإجباري للقمح، فإن كل مليون طن يتم توريده يوفر للحكومة 3.25 مليار جنيه، أي أضعاف قيمة الدعم المقرر في الموازنة والبالغ 645 مليون جنيه، والذي لا يتحقق كاملا في بعض السنوات. ويزيد رقم دعم المزارعين للحكومة كلما تضاعفت كمية التوريد الإجباري، الذي توعدت الحكومة عدم المنفذين له بالحبس ومصادرة القمح الموجود لديهم!

 

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)