قضايا وآراء

التهديد الروسي لبولندا والتململ من الاتحاد الأوروبي

هاني بشر
1300x600
1300x600
يبدأ أمن الدول الأوروبية وينتهي عند بولندا؛ ليس فقط لأنها كانت دائما محور نزاعات أوروبية دموية خلال القرن العشرين سواء في الحربين العالمية الأولى أو الثانية، وإنما لأن موقعها وتاريخها جعلاها في مرمى نيران القوى الأوروبية الكبرى دائما. وهي ضريبة استراتيجية فُرضت على البلاد التي جرى تقسيمها عدة مرات القرنين الماضيين، ومؤخرا بدأت البلاد شيئا فشيئا تدخل في أتون النزاع المحتدم بين الدول الغربية وروسيا. وكما ذكرنا في مقالات سابقة فإن الصراع الروسي الغربي إذا استمر فلن يقف عند حدود أوكرانيا، بل سيمتد لأوروبا من بوابتها الشرقية.

في الأيام والأسابيع الماضية وردت عدة أنباء عن بولندا تشي بأن دورها لن يكون محطة لنقل المساعدات الغربية عبر الحدود إلى الجارة أوكرانيا أو استقبال اللاجئين الأوكرانيين وإنما تدخل لتكون طرفا بين مطرقة روسيا من جهة والدول الغربية من جهة أخرى. آخر هذه الأنباء هو غضب بولندي من عدم تسليمها دبابات من ألمانيا مقابل تلك التي أرسلتها إلى أوكرانيا. خيبة الأمل البولندية ليست جديدة على العلاقات البولندية الألمانية، ولا حتى على العلاقات بين بولندا وروسيا. فمثلا، اتخذت بولندا كافة الاحتياطات الممكنة قبيل الحرب العالمية الثانية من أجل تجنب غضب الروس والألمان، ووقعت معاهدات دفاع مشترك بينها وبين هاتين الدولتين آنذاك. ولم يشفع هذا لوارسو، حيث تم احتلال بولندا وتقاسمها بين موسكو وبرلين. فألمانيا عام 1939 هي ألمانيا 2022، لن تضحي بروسيا من أجل بولندا، وروسيا لم تكن لتقفز على الجدار البولندي الهش لتشتبك مع بقية دول أوروبا.
رسالة واضحة للبولنديين الذين لم يخفوا قلقهم من مغبة إقدام موسكو على أية خطوة تستهدفهم، وبات واضحا أنه لا عضوية حلف شمال الأطلسي ولا عضوية الاتحاد الأوروبي توفران غطاء كافيا لبولندا لتشعر بالاطمئنان إزاء ريح الحرب العاتية التي تهب عليها من جهة الشرق

الأمر اللافت هو أن أنباء خيبة الأمل البولندية من ألمانيا تأتي بعد أيام من تهديد علني من الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، وهو شخصية عسكرية مقربة من الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، لبولندا. وهي رسالة واضحة للبولنديين الذين لم يخفوا قلقهم من مغبة إقدام موسكو على أية خطوة تستهدفهم، وبات واضحا أنه لا عضوية حلف شمال الأطلسي ولا عضوية الاتحاد الأوروبي توفران غطاء كافيا لبولندا لتشعر بالاطمئنان إزاء ريح الحرب العاتية التي تهب عليها من جهة الشرق.

التهديدات لم تقف عند الصفين الثالث والرابع في القيادات العسكرية الروسية، ولكن وصلت إلى وزارة الخارجية الروسية نفسها التي انتقدت قبل ساعات التعزيزات العسكرية في بولندا؛ قائلة إن الرد على هذه التعزيزات سيكون متناسبا. وهذا الأمر ليس من قبيل التهديدات الجوفاء في حالة الحرب، وإنما يبدو أن الصراع الروسي الغربي يقترب أكثر من مناطق نفوذ الناتو مباشرة، بعد أن كان أشبه بصراع بالوكالة على الأراضي الأوكرانية.
الإجماع الغربي ليس كاملا في مواجهة موسكو. ولا يعني هذا انقساما سياسيا أو عسكريا في المواقف، ولكن يعني أن الموقف الجيوسياسي للأوروبيين وخاصة أكبر دولتين مؤثرتين في الاتحاد الأوروبي، وهما ألمانيا وفرنسا، ضد المضي قدما أبعد من الوضع الحالي ضد روسيا

إن دل هذا على شيء فيدل على أن الإجماع الغربي ليس كاملا في مواجهة موسكو. ولا يعني هذا انقساما سياسيا أو عسكريا في المواقف، ولكن يعني أن الموقف الجيوسياسي للأوروبيين وخاصة أكبر دولتين مؤثرتين في الاتحاد الأوروبي، وهما ألمانيا وفرنسا، ضد المضي قدما أبعد من الوضع الحالي ضد روسيا. يدل على ذلك موقف ألمانيا من الدبابات البولندية وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام، والتي دعا فيها لعدم إذلال روسيا رغم ما وصفه بخطئها التاريخي.

لقد تمكنت بولندا حتى الآن من امتصاص آثار صدمة الحرب في أوكرانيا، وكانت تود القيام بدور الحارس الشرقي لأوروبا على أبواب الدب الروسي، بكل ما يحمله هذا من امتيازات في نادي الكبار لدول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية. ولكن يبدو أنها نسيت أنها قبل عام ونيف من الآن كانت تطالب ألمانيا بتعويضات عن الغزو النازي لها في الحرب العالمية الثانية، إثر حديث ألمانيا عن بناء خط أنابيب "نورد ستريم 2" كنوع من رد دَين حرب إلى روسيا، وأن برلين تقدر بولندا ولكن تتقي شر روسيا وتدفع أكثر لها.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (0)