قضايا وآراء

عن تسييس ملف المساعدات الإنسانية في سوريا

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600
لم يكن مفاجئا أن تتوصل الولايات المتحدة وروسيا إلى صيغة وسط في مجلس الأمن يخوله تمديد العمل بالآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى سوريا لستة أشهر إضافية، بسبب عدم وجود بديل آخر توافق عليه العاصمتان.

تعترض روسيا على الآلية الأممية الحالية المتبعة منذ عام 2014، من حيث أنها:

- تنتهك سيادة الدولة السورية كما يقول المسؤولون الروس مرارا وتكرارا، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 26/182 الصادر عام 1991، حيث تدخل المساعدات دون إخطار النظام السوري بها، ودون إشرافه عليها.

- الآلية الحالية تسمح بوصول كثير من المساعدات إلى "هيئة تحرير الشام" التي تعتبرها روسيا منظمة "إرهابية".

- عدم إشراف الأمم المتحدة بشكل مباشر على توزيع المساعدات لحظة دخولها الأراضي السورية.
لا تفضل موسكو تغيير الآلية الأممية الحالية، وإن كان خطابها السياسي الظاهري يوحي عكس ذلك، لعدة أسباب

- حصة المناطق الخاضعة للنظام السوري من المساعدات الإنسانية قليلة جدا مقارنة بمساحة الأراضي التي يسطر عليها.

ومع ذلك، لا تفضل موسكو تغيير الآلية الأممية الحالية، وإن كان خطابها السياسي الظاهري يوحي عكس ذلك، لعدة أسباب، منها:

1- تريد روسيا إبقاء قناة اتصال مباشرة مع الولايات المتحدة في الملف السوري.

2- قناة الاتصال هذه تسمح لموسكو بممارسة ضغوط على الولايات المتحدة، وبالتالي إجراء صفقات جانبية معها.

3- من شأن إلغاء الآلية الحالية أن يفسح دورا كبيرا للمنظمات الدولية للعمل من خارج العباءة الأممية الشرعية، ما يفسح المجال أيضا لدول الجوار أن تكون المحرك الرئيسي والمسيطر على عملية إدخال وتوزيع المساعدات الأممية.

عند هذه النقطة، ثمة توافق روسي- أمريكي- أوروبي، ترى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن إلغاء الآلية الحالية سيعطي تركيا بحكم سيطرتها على الشمال السوري الدور الرئيس والمتحكم بالمساعدات، ما يجعل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تحت رحمة أنقرة.
توافق روسي- أمريكي- أوروبي، ترى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن إلغاء الآلية الحالية سيعطي تركيا بحكم سيطرتها على الشمال السوري الدور الرئيس والمتحكم بالمساعدات، ما يجعل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تحت رحمة أنقرة

4- تخشى روسيا من أن يؤدي إلغاء الآلية إلى تقليص المساعدات الإنسانية، حيث تقوم الأمم المتحدة بتأمين دعم يتراوح ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار سنويا إلى سوريا (مناطق النظام ومناطق المعارضة ومناطق السيطرة الكردية).

5- إن إلغاء الآلية الحالية قد يؤدي إلى تراجع الولايات المتحدة مع دول أخرى لوقف دعم مشاريع "التعافي المبكر"، وقد وضعت هذه الصيغة العام الماضي على إثر القمة التي جمعت بوتين وبايدن، ثم جرى التأكيد عليها في اللقاءات بين مسؤولي البلدين لاحقا.

تسمح عملية دعم مشاريع "التعافي المبكر"، بدعم مشاريع البنى التحتية المتعلقة بالمسكن والتعليم والصحة والمياه والكهرباء، وقد وضع الملف الأخير (الكهرباء) في مقدمة هذه المشاريع، حيث تأمل موسكو ودمشق أن يتم حل أزمة الكهرباء في مناطق سيطرة النظام، وهذا ما فسر قبل أشهر الحديث عن خط الكهرباء القادم من مصر عبر الأردن فسوريا ثم لبنان.

بالنسبة للولايات المتحدة تعتبر الآلية الأممية الحالية مهمة وضرورية على صعيدين: الأول، أنها تتم بمعزل عن النظام السوري، ما يسمح للأمم المتحدة بعدم التعامل مباشرة معه، مع ما يعني ذلك من إضفاء الشرعية القانونية والسياسية على وجوده.

الثاني، أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية المعنية، تشكك بمصداقية النظام على إيصال المساعدات إلى الأشخاص المحتاجين لها فعلا، وقد أكدت السنوات السابقة، بناء على تقارير أممية وتقارير دولية وتقارير من منظمات غير حكومية، أن النظام السوري كثيرا ما يتلاعب بهذه المساعدات، ويفرض عراقيل على إيصالها لبعض المناطق، كأداة ضغط يمارسها بحق المعارضين له، حتى في مناطق سيطرته، مثل الغوطة الشرقية على سبيل المثال لا الحصر.
تحول ملف المساعدات إلى بازار سياسي بين روسيا والصين من جهة والأمم المتحدة والدول الغربية من جهة ثانية، وقد أصبح هذا الملف أحد الأوراق الرئيسية المهمة التي تلعب بها روسيا مع الولايات المتحدة

وقد أظهرت تقارير دولية عديدة أن القيود المنتظمة التي يفرضها النظام السوري على وصول المنظمات الإنسانية إلى المجتمعات المحلية المحتاجة أو المتلقية للمعونة، والموافقة الانتقائية على المشاريع الإنسانية واشتراطه عليها أن تشارك الجهات الفاعلة المحلية التي خضعت لتدقيق أمني، تعني أن الاستجابة الإنسانية تُحول بشكل مركزي لصالح أجهزة النظام، فيكون الثمن هو منع المساعدة من الوصول إلى السكان المعنيين.

كما أن إنهاء العمل بهذه الآلية قد يؤدي إلى عمليات نزوح واسعة تجاه تركيا، وهذا ما لا يريده الاتحاد الأوروبي، أو قد تؤدي بحسب تقارير دولية إلى دفع الأطفال إلى ترك الدراسة والذهاب للعمالة، بما قد يؤدي إلى استدراجهم نحو المنظمات الراديكالية.

باختصار، لقد تحول ملف المساعدات إلى بازار سياسي بين روسيا والصين من جهة والأمم المتحدة والدول الغربية من جهة ثانية، وقد أصبح هذا الملف أحد الأوراق الرئيسية المهمة التي تلعب بها روسيا مع الولايات المتحدة.
التعليقات (0)