الذاكرة السياسية

عبد الله الأحمر في عرين النظام الإمامي ومقاومة العثمانيين

تولى الشيخ عبد الله الأحمر مشيخة حاشد في العام 1959 (عربي21)
تولى الشيخ عبد الله الأحمر مشيخة حاشد في العام 1959 (عربي21)

ينتمي الشيخ عبد الله الأحمر إلى قبيلة العُصيمات، وهي واحدة من أربع قبائل تشكل الحلقة المركزية في ائتلاف حاشد. أما القبائل الثلاثة الباقية، فهي بني صريم وخارف وعذر. وتجتمع حول هذه النواة قبائل حاشدية بالتحالف وليس بالتأسيس الأصلي، ومن بينها قبيلة سنحان التي تقع جنوب غرب العاصمة وامتدادها إلى بلاد الروس. وينتمي الرئيس الراحل علي عبد الله صالح إلى سنحان، وقد ولد في قرية "بيت الأحمر" إحدى قرى المديرية. وهو الرئيس الثاني من هذه المنطقة، بعد المشير عبد الله السلال رئيس الجمهورية اليمنية الأول.

 

                                 قبائل طوق صنعاء

هنا، لا بد من التمييز بين عائلة الشيخ عبد الله الأحمر وقرية "بيت الأحمر"، التي تستمد اسمها بحسب أحد أبنائها، من لون التراب المؤكسد في محيطها الذي يميل إلى الاحمرار. ويفيد المصدر نفسه أن القرية كانت تسمى قديما "حصن عفاش"، وتابعة حصرا لأسرة الرئيس اليمني الراحل، إلا أن لجوء عائلات إليها من مناطق أخرى واختلاط سكانها، أضفى عليها طابعا مختلفا واستدعى تسمية مختلفة فصارت "بيت الأحمر".
 
عصا الشيخ علي بن قاسم

روى لي الشيخ الأحمر أن أسرته تتولى زعامة ائتلاف حاشد منذ ثلاثة قرون. وذكر أسماء الذين تزعموا القبيلة من تلك الفترة، وصولا إلى الشيخ صادق بن عبدالله حسين شيخ حاشد الحالي. كان الشيخ علي بن قاسم الأحمر أول من تولى مشيخة حاشد في العام 1720 م، تلاه الشيخ قاسم ثم الشيخ مصلح، ثم الشيخ صالح وبعده الشيخ مبخوت، ومن ثم ناصر بن مبخوت ثم حسين بن ناصر، ومن ثم الشيخ عبد الله بن حسين والشيخ صادق بن حسين.

يعتقد الشيخ الأحمر أن زعماء حاشد ما كانوا جميعا على قدر متساو من الأهمية، وأن الشيخ علي بن قاسم الأحمر كان زعيما قويا، اختلف في حينه مع الإمام الهاشمي منصور بن حسين وتمكن من حشد جيش قاده إلى صنعاء وحاصر المدينة. "أدرك الإمام خطورة الحصار فأرسل رسولا لجدي للتوسط، وطلب منه الالتقاء بالرسول خارج سور صنعاء، التي كانت مسورة في حينه وتغلق أبوابها ليلا".

 

                                   شجرة عائلة الأحمر.

لكن، بدلا من أن يتم اللقاء خارج السور للتفاوض، أرسل الإمام "عبيده" سرا إلى مكان اللقاء و"غدروا بجدي وقتلوه قبل أن يصل الإمام إلى المكان المحدد"، ثم عاد الإمام أدراجه إلى داخل المدينة وأقفل أبوابها.

ويؤكد الشيخ عبدالله أن زعماء حاشد كانت لديهم مكانة كبيرة عند الدولة الإمامية، وكانوا ينصرونها عندما تعاني من الضعف، بل كان نفوذهم يصل أحيانا إلى ترجيح إمام دون سواه، وتلك كانت حال "جدي لوالدي الشيخ ناصر الأحمر الذي تدخل في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، خلال اجتماع لتعيين إمام جديد ضم العلماء وشيوخ القبائل للمبايعة التي كانت تتم على الطريقة الإسلامية، فلا يدفن الإمام الميت قبل مبايعة الجديد. كان على المجتمعين أن يبايعوا إماما من المتنافسين على المنصب، وكان على الخليفة أن يتمتع بـ 14 شرطا لكي تكتمل مبايعته، من بينها أن يكون نزيها وعادلا وشهما وعالما وسليم الجسم وسليم العقل ... إلخ".

تبين خلال اجتماع العلماء والمشايخ والوجهاء، أن الإمام الأوفر حظا يتمتع بـ 13 شرطا فقط، وأنه يحتاج إلى الشرط الرابع عشر ليتولى الحكم. في هذه اللحظة، يقول الشيخ عبد الله: ".. تقدم جدي ناصر أمام الحضور رافعا عصاه، وهو يقول: هذه العصا هي الشرط الرابع عشر. وختم؛ إن الخليفة هو الإمام يحيى  حميد الدين. وافق العلماء والمشايخ على ضمان جدي للشرط الرابع عشر. وتم تنصيب يحيى إماما على اليمن".

ويبين الشيخ عبد الله أهمية الدور الذي كانت تؤديه قبائل اليمن في دعم وحماية النظام الإمامي. "كنا نحن مشايخ حاشد وغيرنا من مشايخ القبائل ننصر الدولة اليمنية، التي ما كانت تحتفظ بجيوش نظامية كبيرة. كنا نحن قادة جيوشها. لقد قاومنا الأتراك مع آل حميد الدين، وكان الإمام يحيى لاجئا عندنا في حاشد. كانت مكانة الأئمة كبيرة بين اليمنيين ولهم حظوة مهمة، وذلك لأنهم كانوا يعاملون الناس بوصفهم أنصارا لا رعايا. قاتلنا الأتراك معا وعندما هُزِموا انتقل الإمام إلى صنعاء في بداية الحرب العالمية الأولى. في هذا الوقت، تغير سلوكه وصار يعاملنا بوصفنا مواطنين ورعايا، وليس أنصارا وشركاء في الانتصار على العثمانيين".

لم يتمكن الإمام الذي انتزع من الأتراك اعترافا بشرعية حكمه لليمن من التأثير على "جدي لوالدي ناصر بن مبخوت، الذي لم يخضع له ولم يقبل بمعاملة الرعية، لكنه توفي بعد سنوات قليلة واختارت القبيلة والدي وإخوته لتولي مشيخة حاشد. وقد عانوا كما عانى جدي مع الإمام يحيى ومن بعد مع ابنه الإمام أحمد، الذي أعدم أخي ووالدي دون وجه حق. وكان هذا عملا غبيا، ومن بين الأسباب الأساسية التي أدت إلى سقوط النظام الإمامي وقيام الجمهورية." ودائما على حد تعبير الشيخ عبد الله.

ظلم الأئمة وتعسفهم 
 
يكشف الشيخ عبد الله عن ظروف معاناة والده وأعمامه مع الإمام يحيى حميد الدين، ويؤكد أنه سجنهم ولاحقهم أكثر من مرة خلال أربعين عاما. ويستدرك "من حسن الحظ ان أملاكنا كانت تستر على حالنا، ولولاها ما كان بوسعنا الصمود بمواجهة الظلم الإمامي".

قُتِلَ الإمام يحيى الطاعن في السن خلال عملية اغتيال دبرها "الإخوان المسلمون"، وأدى فيها الداعية الجزائري الفضيل الورتلاني دورا أساسيا، لكنهم فشلوا في تثبيت حكم آل الوزير الذين تولوا السلطة خلال أقل من شهر. استرد الإمام أحمد نجل يحيى حميد الدين الإمامة، واتخذ من مدينة تعز مقرا لحكمه، لكنه كان أسوأ من أبيه في معاملة آل الأحمر. 

"اعتقل الإمام الجديد أخي حميد الذي توجه للسلام عليه في مقامه، وكان والدي مازال قيد الاعتقال، الأمر الذي أدى إلى أن أتولى زعامة القبيلة ولي من العمر 16 عاما. ومن حسن الحظ أن تربيتي كانت تسمح لي بتولي هذا المنصب؛ ذلك أن شيخ القبيلة يربي أولاده تربية سياسية واجتماعية منذ صغرهم، وهي تربية أولية تترسخ وتتسع بعد اكتسابهم خبرة من تجارب الحياة".

 

                              الإمام يحيى حميد الدين

تولى الشيخ عبد الله الأحمر مشيخة حاشد في العام 1959م وبادر إلى الاتصال بالإمام الجديد، متمنيا عليه إطلاق والده من السجن ما دام أخوه مسجونا. "اصطحبت معي مرافقين وانتظرت أياما لمقابلته ومعرفة ما إذا كان سيوافق على طلبي. رفض إطلاق سراح والدي في ذلك اللقاء، لكنني لم أذعن وواصلتُ الطلب في مرات أخرى، إلى أن وافق على إطلاق سراحه في العام 1952 على أن يذهب إلى بلادنا لمدة 3 أو 4 أشهر وسجنني بدلا منه". كان السجن أشبه بالإقامة الجبرية في قصر الإمام، ويخضع السجين ـ الرهينة لمراقبة العسكر والحراس على مدار اليوم.

وعلى الرغم من ظروف الإقامة الجبرية الصعبة، إلا أن مقر الإمام كان مركزا يلتقي فيه العلماء والمشايخ والمثقفون، وتتم في كنفه مداولات مهمة تتصل بشؤون البلاد وسياساتها الداخلية والخارجية. وهذا يشكل مصدرا مهما للمعرفة واكتساب الخبرة والاطلاع على قرارات السلطة وسبر دوافعها. كان مقر الإمام مصدرا إعلاميا مهما، ذلك أن وسائل الإعلام ما كانت متوفرة في حينه، كما هي اليوم، ومن ثم يمكن القول إن الإقامة على مقربة من مركز القرار الوحيد في البلاد، هو الوجه الإيجابي مقابل الظلم والتعسف الناجم عن الاعتقال القسري والاسترهان البغيض.

هكذا بدأت مسيرة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر السياسية في العهد الإمامي وفي سن الـ 16 عاما، وامتدت إلى الثورة المسلحة وتواصلت في العهود الجمهورية المتعاقبة لأكثر من نصف قرن.

 

اقرأ أيضا: الأحمر.. مشيخة معمرة في بيئة إسلامية لم تخترقها الكولونيالية


التعليقات (0)

خبر عاجل