قضايا وآراء

الكَلْب "زيلي" في مجتمع عنصري ديمقراطي

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600
ليس غريباً أن تحظى الكلاب والقطط والحيوانات البرية برعاية الإنسان الذي يملك فائضاً من المشاعر التي تتجاوز حدود مجموعته البشرية، وهذا ينسحب على شعوره بالطبيعة وجمالها والميل والخلوة إليها، كأن تنحني بقامتك الإنسانية السامقة لتجلس تحت شجرة أو تشمّ وردة في البريّة.

تعلو تلك القيم الإنسانية كلما اقتربنا من المجتمعات التي تعيش قسطاً من الحرية والمساواة، واحترام الآخر، حتى وإن كان الآخر هو الحيوان أو الشجرة، في تماهٍ مع الكون الذي خُلق الإنسان ليعيش فيه، في صورة تعكس كرامة وقيمة ومركزية الإنسان في هذا الكون الفسيح. وهذا أحد مصادر السعادة التي ينشدها الإنسان في حياته، ومَرَدُّ إقبال العديد من البشر على اقتناء الكلاب والقطط والطيور المنزلية.

أما المجتمع الإسرائيلي والذي يُنظر إليه على أنه مجتمع ديمقراطي يُحاكي في حضارته تلك المجتمعات البشرية الديمقراطية المتحضّرة بما أوتي من تقدّم علمي، ورفاهية اقتصادية، ونظام سياسي ديمقراطي، وأجهزة دولتيّة قويّة على مستوى القضاء، والأمن، والجيش، فإنه يعيش حالة من التناقض مع الذات البشرية إلى حد الجنون المَرَضِي بـ"الأنا" وكراهية الآخر.
المجتمع الإسرائيلي والذي يُنظر إليه على أنه مجتمع ديمقراطي يُحاكي في حضارته تلك المجتمعات البشرية الديمقراطية المتحضّرة بما أوتي من تقدّم علمي، ورفاهية اقتصادية، ونظام سياسي ديمقراطي، وأجهزة دولتيّة قويّة على مستوى القضاء، والأمن، والجيش، فإنه يعيش حالة من التناقض مع الذات البشرية

هذا المجتمع وتلك الدولة تأسّست على مفهوم الأغيار، مفهوم عبودية البشر لليهود، مفهوم البشر في خدمة اليهودية، مفهوم الأنا الإله الذي يُشبه البشر في أجسادهم، وعيونهم وأنوفهم، وأيديهم وأرجلهم، ولكنهم في حقيقة الأمر حالة من الغَثَيان البشري، وسحابة من الحقد والكراهية، وصخرة من العنصرية الجاثمة على صدر الإنسانية.

العديد من المؤسسات الدولية المرموقة تحدّثت عن عنصرية هؤلاء القوم وكيانهم، ومستوى الساديّة التي يعشقونها إلى حد الموت، وهو تعبير يتجسّد في يوميات الإنسان الفلسطيني، الذي تكاد تخونه الإحصائيات لكثرة أعداد الشهداء من الأطفال والنساء والشباب بعمر الورد، لا لذنب لهم إلا أنهم ينشدون الحريّة والعيش بكرامة الإنسان المُقدّسة بقُدسية المخلوق المكرّم من السماء. إلا أن هؤلاء القوم من الصهاينة يأبَوْن إلا البقاء في دَرَك الإنسانية الشاذة عن نسق الكون.

فرئيس وزرائهم، الصحفي "المثقّف"، يائير لابيد، وعقب العدوان الأخير الذي شنه جيش الاحتلال على قطاع غزة في 5 آب/ أغسطس، أكّد أنه "لن يعتذر" عن استخدام القوة ضد المواطنين الفلسطينيين الذين قَتَل منهم 46 فلسطينياً بينهم 16 طفلاً، إلا أنه في ذات الوقت وبعد أيام معدودة وعقب اجتياح قواته لمدينة نابلس العريقة بأهلها وتاريخها، وقتلهم الشاب إبراهيم النابلسي واثنين من أبناء المدينة، وجرحهم نحو 40 فلسطينياً في اجتياح وحشي همجي، خرج علينا ليرثي أحد أعضاء وحدة "اليمام" العسكرية القاتلة ليقول: "زيلي كان جزءاً من الوحدة، وهو محل تقدير ومهني أيضاً، ستفتقده الوحدة ورجال الشرطة الذين رافقهم في مهامهم العملياتية العديدة".
هذا المشهد، ومشاهد كثيرة متراكمة في ذاكرة الفلسطينيين، تؤسّس وتعمّق حالة الصراع الوجودي

أتدرون من هو "زيلي"؟ إنه كَلْب يتبع وحدة "اليمام" العسكرية الصهيونية، قُتل أثناء استخدامه في عدوانها على مدينة نابلس صباح 9 آب/ أغسطس، وقتلها الشاب إبراهيم النابلسي المدافع عن مدينته وكرامة أهله.

مجتمع صهيوني مريض، مُشبع بالعنصرية والكراهية، مجتمع يتلذّذ بقتل الأطفال ويبكي على موت الكلاب. إنه مجتمع شاذ عابر يطفو على سطح الفناء، لأنه نتوء خارج عن نسق المجتمعات البشرية، يحمل بذور فنائه في ذاته، فَنَار الحقد والكراهية تأكل صاحبها إن لم تجد ما تأكله.

هذا المشهد، ومشاهد كثيرة متراكمة في ذاكرة الفلسطينيين، تؤسّس وتعمّق حالة الصراع الوجودي، نعم الصراع على الوجود، لأن الطرف الصهيوني يؤكد مرّة بعد الألف بأنه مجتمعٌ شاذ خارج عن نسق البشر وكاره لمفردات الإنسانية، مجتمع لا يقبل الآخر ولا يحترمه، بل يسعى لاستعباده أو قَتْله، وهو ما يؤسّس لعلاقة صفرية يستحيل معها الحياة.. إنها مرحلة أكون أو لا أكون.
التعليقات (0)