كتاب عربي 21

عن المشروع الحضرمي وتبادل الوفود بين السعودية والحوثيين

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
رغم أن الهدنة لم تتجدد في اليمن، وهذا يفتح المجال أمام تجدد الحرب، إلا أنها لا تزال محترمة من طرفي الحرب، والأمر لا يعود إلى كفاءة الوسطاء الدوليين، بل لأن أسوأ المتحاربين على الساحة اليمنية اكتفوا بمغانم الحرب السابقة، ويغتنمون اليوم استمرار الهدنة غير المُكلفة لتأمين المزيد من هذه المكاسب.

في هذه المقالة سأعرض لحدثين بارزين تلعب فيهما السعودية بشكل خاص أدواراً رئيسية وتتكئ فيهما على فرصة الهدنة، وتتعاطى مع المرحلة الحالية من الحرب المتقطعة على أنها مناسبة جيدة لتسوية الأرضية اليمنية وتثبيت ما تريده من لاعبين، وإعادة رسم الجغرافيا على وقع المشاريع السياسية الجهوية والطائفية التي قامت الرياض بنبشها وألقت بها إلى فضاء التواصل الاجتماعي، ليتكفل الذباب بتسويقها وتكريس هذا التشويش وهذه الضبابية المهيمنة على مستقبل اليمن المنكوب.

معركة حضرموت الافتراضية:

تمثل محافظة حضرموت كبرى محافظات اليمن بمساحة تصل إلى أكثر من 190 ألف كيلومتر مربع، وتستأثر بمعظم الحد الجنوبي للمملكة مع الجمهورية اليمنية.
أعرض لحدثين بارزين تلعب فيهما السعودية بشكل خاص أدواراً رئيسية وتتكئ فيهما على فرصة الهدنة، وتتعاطى مع المرحلة الحالية من الحرب المتقطعة على أنها مناسبة جيدة لتسوية الأرضية اليمنية وتثبيت ما تريده من لاعبين، وإعادة رسم الجغرافيا على وقع المشاريع السياسية الجهوية والطائفية التي قامت الرياض بنبشها وألقت بها إلى فضاء التواصل الاجتماعي

خلال فترة الهدنة وما بعدها شهدت هذه المحافظة ولا تزال معركة افتراضية بامتياز وتأخذ أحياناً بعداً ميدانياً عبر التجمعات الجماهيرية، كما حدث الجمعة الماضية في مدينة سيئون، كبرى مدن وادي حضرموت، التي شهدت تجمعاً لأنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المتماهي مع التحالف والمتصل بصورة وثيقة بالأجندة الإماراتية.

المعركة الافتراضية على الساحة الحضرمية يُغذيها مشروع استعادة الدولة الجنوبية بقيادة المجلس الانتقالي، وتحركه الإمارات، ومشروع إحياء الدولة الحضرمية المستقلة الذي تقف خلفه نخبةٌ حضرميةٌ مرتبطة بالأجندة السعودية، لكنه أيضاً يستمد وجاهته ويتكئ على تجربة سيئة من تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية التي تأسست بعد الاستقلال عن بريطانيا في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، وكانت فيها حضرموت جزء من هذه الدولة.

المواجهة بين هذين المشرعين على الساحة الحضرمية، لا تعني بالضرورة حدوث مواجهة موازية بين دولتي التحالف، فالأمر لا ينطوي على أي خطورة على مشروع الهيمنة السعودية الاماراتية على هذا الجزء من اليمن.

الأمر في تقديري يذهب في خطورته إلى أبعد من هذا المعطى، إذ أنه بالنسبة للبلدين يراد له أن يؤدي في النهاية إلى تجريف المشروع الوطني الوحدوي وضرب المعنى الأخلاقي والقيمي للوحدة اليمنية.
الأمر في تقديري يذهب في خطورته إلى أبعد من هذا المعطى، إذ أنه بالنسبة للبلدين يراد له أن يؤدي في النهاية إلى تجريف المشروع الوطني الوحدوي وضرب المعنى الأخلاقي والقيمي للوحدة اليمنية

أقول ذلك لأن محافظة حضرموت لم تخرج حتى الآن من نطاق الدولة اليمنية على مستوى الولاء والأجهزة والقوات العسكرية والأمنية، ومثلها محافظة المهرة المجاورة الواقعة على الحدود العمانية، وجل ما يركز عليه التحالف هو إنهاء ما تبقى للدولة اليمنية من نفوذ في هاتين المحافظتين.

المشروع الحضرمي أو مشروع استقلال حضرموت، يتصادم ظاهرياً مع المشروع الانفصالي الذي يهيمن عليه أبناء المحافظات الجنوبية الغربية لليمن، المعروفة باسم "المثلث"، لكنه يُبقي خيار التواجد ضمن اليمن الموحد متاحاً، على عكس المشروع الانفصالي الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي. ومع ذلك فإن المشروع الحضرمي وتأسيساً على أولويات سعودية يساهم في بقاء النتيجة النهائية للصراع الافتراضي الراهن الذي قد يتطور إلى صراع ميداني، منفتحة على التشظي والتقسيم وتدمير الدولة اليمنية.

تبادل الوفود مع الحوثيين:

الحدث الثاني يتمثل في التطور اللافت للموقف السعودي من الحرب في اليمن، فقد وصل الخميس الماضي إلى العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة المتمردين الحوثيين؛ وفد سعودي لأول مرة منذ اندلاع الحرب فجر السادس والعشرين من آذار/ مارس 2015.

طائرة تابعة للأمم المتحدة هي التي أقلت الوفد السعودي ذي الطبيعة الفنية، وذلك تنفيذا لاتفاق تم التوصل إليه في العاصمة الأردنية. وعلى رأس أولوية هذا الوفد هو التأكد من الأسرى السعوديين لدى الحوثيين ومطابقة أسمائهم على الكشوفات المعروضة من الجانبي. وذات المهمة تكفل بها وفد أرسلته جماعة الحوثي إلى مدينة أبها، عاصمة عسير في جنوب المملكة.
لزيارات كهذه دلالات لا تخطئها العين وتتصل أكثر بالمقاصد الخفية للهدنة التي فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، إذ لا يبدو الأمر متصلاً بما يتطلع إليه اليمنيون، بل بما يعتقد المجتمع الدولي بأنها كلفٌ يتوجبُ على اليمنيين تحملها للعبور إلى السلام، الذي سيُعقَدُ بحراسةِ أعدائهم

قد يبدو الأمر اعتيادياً، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، لأنه ببساطة يكثف من المصالح الهائلة التي تعود إلى طرفي الحرب الأكثر سوءا وعدوانية وهما التحالف بقيادة السعودية والحوثيون، ويهمش القضايا الجوهرية التي تحمَّلَ ويتحملُ الشعبُ اليمني أعباء الحرب الدائرة على أرضه لأجلها، وهي استعادة الدولة، وإنهاء الظلم الواقع على آلاف الأسرى والمعتقلين والمختطفين وملايين المشردين من ديارهم والذين يواجهون صنوف التضييق من جانب الحوثيين والتحالف.

لزيارات كهذه دلالات لا تخطئها العين وتتصل أكثر بالمقاصد الخفية للهدنة التي فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، إذ لا يبدو الأمر متصلاً بما يتطلع إليه اليمنيون، بل بما يعتقد المجتمع الدولي بأنها كلفٌ يتوجبُ على اليمنيين تحملها للعبور إلى السلام، الذي سيُعقَدُ بحراسةِ أعدائهم، وسيكون -لا سمح الله- بطعم الذل ووقع السطوة الطائفية والتغول المناطقي والارتهان للأجندات الخارجية اللئيمة.

لا يمثل عدد الأسرى السعوديون رقما ذا شأن قياساً بالآلاف من المعتقلين والمخفيين والأسرى المتواجدين في سجون جماعة الحوثي الطائفية المتمردة، الذين يعيشون ظروفاً إنسانية بائسة ويحرمون فيها من أبسط الحقوق الأساسية، ومنها التواصل بذويهم والتي تحولت إلى تجارة بشعة يجني من خلالها مسلحو الحوثي ملايين الريالات في شكل ابتزاز ومساومات مع ذوي الضحايا والمعتقلين.
لا توجد ضمانات بأن تتحول الزيارات المتبادلة لأغراض إنسانية إلى وفود سياسية، يمكن أن تضفي على الوقائع الحالية المهيمنة على المشهد اليمني طابع الاستمرارية والاستحقاق السياسي الكامل، الذي سيتبرع المجتمع الدولي بترسيمه، إذا لم ينهض اليمنيون لمواجهة استحقاق يستهدف وحدة بلدهم

هؤلاء يتم تجاهلهم تماما من قبل الوسطاء الدوليين، ويتعمد التحالف إهمالهم من خلال إضعاف وتفكيك وتدمير الشرعية التي يفترض أنها تمثلهم وأن تعد بتركيبتها الحالية تمثلهم بكل تأكيد.

لا أحد يذكر الشرعية التي انتهت إلى مجلس رئاسي معطل ومشلول القدرات ومُهان بطريقة لا تصدق، فقد تحولت هذه الشرعية إلى ما يشبه وضعية الخليفة العباسي في زمن تغول الدول الأعجمية التي كانت تحكم باسمه من القاهرة أو الشام أو بغداد، وتحول دورها وقلمها إلى ما يشبه الأمانات المقدسة التي احتفظت للخليفة العباسي بلقب الخليفة الصوري وبالدعاء الأسبوعي على المنابر.

لا توجد ضمانات بأن تتحول الزيارات المتبادلة لأغراض إنسانية إلى وفود سياسية، يمكن أن تضفي على الوقائع الحالية المهيمنة على المشهد اليمني طابع الاستمرارية والاستحقاق السياسي الكامل، الذي سيتبرع المجتمع الدولي بترسيمه، إذا لم ينهض اليمنيون لمواجهة استحقاق يستهدف وحدة بلدهم وجمهورياتها وكرامتها وأمنها واستقرارها.

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)