تقارير

تنبؤات المنجمين فلكيا.. احتمالات ممكنة أم ترويج لسيناريوهات معينة؟

هل تنبؤات المنجمين مبنية على قواعد علمية وحسابات فلكية أم هي احتمالات ممكنة وتخيلات مفترضة
هل تنبؤات المنجمين مبنية على قواعد علمية وحسابات فلكية أم هي احتمالات ممكنة وتخيلات مفترضة
في نهاية كل عام تستضيف فضائيات عربية متنبئين عربا مشهورين، كميشيل الحايك وليلى عبد اللطيف وعبير فؤاد وماغي فرح، وغيرهم، فيسردون على مسامع المشاهدين توقعاتهم لما سيقع من أحداث ووقائع في العام الجديد.. وهي تتنوع بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأحداث الكبرى، وبعض تلك التوقعات تقع كما أخبروا به من قبل، وهو ما يزيد من تعلق الناس بتوقعاتهم وتنبؤاتهم.

تتراوح تلك التنبؤات عن الإخبار بوقوع حروب، ونشوب أزمات، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وربما وقوع أحداث كونية كالزلازل والبراكين، واغتيالات شخصيات عامة، وموت زعماء عرب وغيرهم، وحدوث انفحارات وأحداث كبرى، كالانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، ولكل واحد من أولئك المتنبيئن قائمة بتنبوءات لوقوع أحداث في عام 2023 عربيا وعالميا.

عادة ما تلقى تلك البرامج اهتماما شعبيا واسعا، وتحظى بنسبة مشاهدات ومتابعات عالية، وهو ما يرجعه باحثون إلى طبيعة الإنسان المتطلع بغريزته إلى معرفة ما يخبئه المستقبل في أحشائه، على الصعيد الشخصي والعام، لذا فإن كثيرا من الناس ينتظرون تلك البرامج بلهفة وشوق، ويتابعونها باهتمام شديد.

لكن ما مدى علمية تلك التوقعات والتنبؤات؟ وهل هي مبنية على قواعد علمية وحسابات فلكية أم هي احتمالات ممكنة وتخيلات مفترضة؟ وما علاقة تلك التنبؤات بعلم الفلك والأبراج والنجوم؟ وهل للسياسة والأجندات السياسية علاقة بها؟ وهل يتم توجيه أولئك المتنبئين لتقديم وترويج سيناريوها سياسية واقتصادية معينة في إطار الأجندات المراد تحقيقها في المنطقة؟

الفلكي الأردني عماد مجاهد ينفي بشدة "وجود أي علاقة بين تلك التنبؤات وبين علم الفلك، وحركة النجوم والأبراج، وهي أقرب ما تكون إلى التخيلات المفترضة، ولا يوجد ما يسندها من جهة علم الفلك، ولا يوجد أي دليل علمي يثبت تلك التنبؤات التي يقدمها في كل عام من تستضيفهم الفضائيات العربية".


                                                          عماد مجاهد.. فلكي أردني

وأضاف: "التنجيم ليس علما، ولا علاقة له بالعلم، ولو كان علما لوجدناه يُدرس في الكليات والجامعات العالمية المعروفة والمشهورة، ولكان له مراجع علمية، وأساتذة كغيره من التخصصات الأخرى، أما الإخبار عما سيقع في المستقبل فهو من الغيب الذي اختص الله بعلمه كما هو مقرر في العقائد الدينية، إذ لا يعلم الغيب إلا الله، ومن شاء الله إطلاعه على بعض أخباره".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لا توجد بين أيدينا أي أدلة علمية تثبت وجود أي تأثير للأبراج وحركة النجوم على البشر، وقد يكون هذا مما توارثه الناس من الزمن القديم، إذ كان الناس حينذاك يميلون إلى الارتباط بالظواهر الكونية، وتفسير ما يقع لهم من أحداث في ضوء ذلك".

وفسر مجاهد "اهتمام الناس بتلك التنبؤات والتوقعات، ومتابعتهم لتلك البرامج، بأنه قد يكون من باب التشويق والإثارة، فالإنسان بطبعه شغوف بمعرفة ما سيقع في المستقبل، ويتشبث بأي وسيلة للوصول إلى ذلك، وما يصدق من تلك التنبؤات قد يكون من الحظ في حدوث أحد الاحتمالات الممكنة، لكنه قطعا ليس مبنيا على علم صحيح".

من جهته فرق الباحث المغربي المتخصص في الفكر الإسلامي مصطفى بن عمور، بين "الإخبار العام عن أحداث يتوقع حدوثها انطلاقا من مؤشرات ومعطيات واقعية حاضرة، وهو ما يحدث منا يوميا.. وبين التنبؤ بالغيب المطلق الذي يختص الله تعالى بعلمه، ويطلع عليه رسله وأنبياءه".

وتابع: "فنحن في المجال الأول نبني على ما في يومنا لنستنتج بعض ما في غدنا.. فالتجار ينطلقون من واقع يومهم التجاري ليبنوا عليه غدهم في الأحوال المعتادة، وكثيرا ما تكون توقعاتهم صحيحة أو أكثر صحة، فلا يقال إن هذا اقتحام لعالم الغيب".


                                       مصطفى بن عمور.. باحث مغربي في الفكر الإسلامي

وأردف لـ"عربي21": "عالم الغيب ينقسم إلى قسمين؛ غيب مطلق يهيمن على بنية الكون والإنسان والمخلوقات ككل، وغيب نسبي جزئي يستشرفه البشر بما وهبهم الله من كفايات التقدير والحدس، ومنطق الحساب والموازنة في حدود علمهم ومعقولهم".

ولفت إلى أن "الحديث عن المستقبل إما أن يكون شعوذة وهمهمة وادعاء يقين في ما سيقع، فهذا حرام لأنه إن لم يكن شركا فهو أعظم مهيئ للشرك، أو أن يكون من أنشطة العقل والتقدير وبناء نتائج على معطيات وأسباب معلومة يملك الإنسان علمها وعناصرها وأرقامها اعتمادا على قانون السببية، وغالب الظن وما يوافق موازين الواقع ماديا وعقليا، مع استحضار النسبية والظنية دون جزم قاطع".

وعن مصادر ما يروجه المتنبئون فهي، بحسب بن عمور "إما شعوذة أشخاص يستقون معلوماتهم من خبراء الدولة في الاقتصاد والسياسية..، ثم يخلطونها بتخيلاتهم، أو إنها تسريبات من مخابرات دول تسعى إلى تحقيق ما تريد بتهيئة الناس لهذا، فهذا ليس غيبا وإنما يأتي ضمن توجهات سياسية معينة".

وأكمل: "فعلى العاقل، خاصة المسلم ألا يظن ولو يسير ظن أنهم يعلمون ما في غد، وإنما هم لسان أولئك الماكرين، وعليه أن يستعد لمكرهم الذي سربوا صورته العامة على ألسنة أولئك المنجمين بوعي وذكاء" على حد قوله.

وفي الإطار ذاته قال الكاتب الصحفي المصري، الراصد والمهتم بالحالة الدينية، عبد القادر وحيد "فكرة التنجيم قديمة ومرتبطة ارتباطا نفسيا بتحركات الملوك، والتي كان لها دور نفسي كبير في عملية حسن الطالع من عدمه".

وأضاف في تصريحاته لـ"عربي21": "ومع تقدم العلم وثورة وسائل التواصل الاجتماعي فما زال لها صدى حتى الآن لعدة أمور، منها: توجيه الرأي العام لحدث سياسي معين وتهيئته عبر المنجمين الذين يصدقون في بعض الأحيان في صحة ما توقعوه من نبوءات".


                                                   عبد القادر وحيد.. صحفي مصري

وتابع: "الفكرة قائمة على نبوءات لا تخلو من الصحة في بعض الأحيان، وهي من الاحتمالات ممكنة الوقوع، لأنها موجهة للملايين وليس لأشخاص محدودي العدد، حيث اعترف في وقت سابق أحد المعدّين لأبراج اليوم وطالع الحظ فيها أنه كان يبدل يوميا ما يكتبه في برج يجعله لآخر في اليوم الثاني، وهكذا على مدار الأسبوع".

ووفقا لوحيد فإنه "إلى جانب البعد السياسي في توجيه الجماهير تجاه حدث معين، يبقى البعد الاقتصادي حاضرا كذلك، والذي بات من ثوابت الفضائيات في كل سنة، كاستضافة اللبناني ميشيل الحايك سنويا وتحديدا في شهر ديسمبر من كل عام ليدلي بتنبؤاته والتي باتت وكأنها من مسلمات العام الجديد".

ولفت إلى أن "بعض النزعات الصوفية لدى بعض المسؤولين قد يكون لها صدى في تغذية هذه الروح، حيث كان لوزير داخلية عربي ارتباط وثيق بعرافة أصابت في نبوءة لها في إحدى المرات".

يشار إلى أن الشريعة الإسلامية قررت وأكدت أن معرفة الغيب المطلق هي من اختصاص الله تعالى، وقد يُطلع على شيء منه أنبياءه ورسله، والإخبار بوقوع أحداث ووقائع في المستقبل هو من معرفة الغيب، ويدخل في عمل الكهانة والعرافة، التي تواردت نصوص الشريعة على ذمه والتحذير من إتيان العرافين، وتغليظ عقوبة سؤالهم وتصديقهم في ما يخبرون عن وقوعه في المستقبل. 
التعليقات (1)
مصري
السبت، 21-01-2023 03:22 م
هؤلاء يحاولون تخدير الناس لصالح المافيا المغتصبة للحكم يعني كثيرا ما سمعنا ان السيسي سيقتل مرة بالسكين و مرة باطلاق النار