سياسة عربية

أحمد الريسوني: ثقافة السلام اليوم تعني عندنا نسيان فلسطين

أحمد الريسوني: كثير من العرب والمغاربة يعملون لفرض مقاصد الشريعة الاستعمارية وليس فقط الترويج له لصناعة واقع جديد.
أحمد الريسوني: كثير من العرب والمغاربة يعملون لفرض مقاصد الشريعة الاستعمارية وليس فقط الترويج له لصناعة واقع جديد.
حذّر الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد الريسوني من مخاطر الانزلاق وراء محاولات توظيف مقاصد الشريعة الإسلامية من أجل ضرب الشريعة الإسلامية وإقصائها من حياة الناس، وفرض الاستسلام على الشعوب المستضعفة، وفق ما سماه "مقاصد الشريعة الاستعمارية".

وأوضح الريسوني في محاضرة نشرتها حركة "التوحيد والإصلاح" المغربية في صفحتها على "فيسبوك" اليوم، أن هناك آفة تسود في الاستدلال بمقاصد الشريعة واللجوء إليها، وهي "تسريب مقاصد شريعة استعمارية" تحت اسم مقاصد الشريعة الإسلامية.. وهي آفة جاءت من المناخ الإعلامي والسياسي العام..

وأشار الريسوني إلى أن عبارة مقاصد الشريعة الاستعمارية استخدمها بالأساس علال الفاسي الذي كان يحلل بعض القوانين التي تصدرها سلطة الحماية الفرنسية وتعطيها لبوسا من المصلحة لخدمة المغرب، فهو يحللها ويبين السموم التي فيها..

وقال: "الآن صار كثير من المغاربة يعملون لفرض مقاصد الشريعة الاستعمارية وليس فقط الترويج لها لصناعة واقع جديد.. وتسميتها باسم مقاصد الشريعة الإسلامية.. مثلا مفهوم الحرية، كنا نقرأ تمجيد الحرية وتعظيمها، والشعوب قدمت جهادا.. اليوم تعني الحرية الفردية.. فالحرية هاجسها العلاقات الجنسية الفوضوية العبثية وكانت التسمية الحقيقية الإباحية الجنسية في الخمر والمخدرات والجنس".

وأضاف: "كذلك المفهوم الجديد للسلام، معناه في المنطقة العربية والإسلامية بصفة خاصة معناه انسوا فلسطين وجرائم إسرائيل، والسلام يعني انسوا حقوقكم.. السلام الآن له مفهوم استعماري، لأن الغرب منذ انتصاره في الحرب العالمية الثانية يسعى لفرضه.. ثقافة السلام اليوم هي أن تنسى الشعوب المستضعفة حقوقها".

وأوضح الريسوني أن هنالك انزلاقات متعمدة أو غير متعمدة في استعمال مقاصد الشريعة قد تصل إلى حد الاستنجاد بالشريعة ليس خدمة للشريعة وإنما بهدف إقصائها.. مشيرا إلى أن هذه الانزلاقات قد تكون ناجمة عن القصور والجهل باستعمال موضوع مقاصد الشريعة واستحضارها..

وذكر الريسوني أن من أهم الآفات أو القضايا التي يجب الانتباه إليها حين التعاطي مع ملف مقاصد الشريعة، هي:

آفة الخوض في الشريعة ومقاصد الشريعة والإفتاء دون علم وتخصص وإحاطة.. ولذلك لا بد أن يكون الخائض في مقاصد الشريعة متخصصا وعالما بموضوع علمه، ذلك أنه من البديهي أن كل من يخوض في علم ولا خصوصية له فيه، فهو يجازف ويتلاعب.. وقال: "لذلك نجد كثيرا من المتكلمين يخوضون في مقاصد الشريعة ويحتجون بها من غير تأهيل علمي ومن غير تخصص علمي.. وهذه من البديهيات في جميع العلوم.. إذا خاض إنسان في علم بدون علم بأدوات علمه فسيكون أضحوكة أمام أهل الاختصاص".

واعتبر الريسوني أن المتخصص في مقاصد الشريعة هو أشبه بالطبيب.. ذلك أن الطب الاجتماعي والروحي والنفسي موجود في الشريعية، وقال: "قديما قال العلماء: يفسد الأديان نصف فقيه ويفسد الأبدان نصف طبيب.. أو نصف فقيه يفسد الأديان ونصف طبيب يفسد الأبدان.. فمن تعلم شيئا سطحيا في مجال ما، فهذا سيفسده وسيضر به".

وأضاف: "بعض الناس يعتقدون أنه إذا قرأ كتابا أو حتى 10 كتب في المقاصد فإنه سيصبح فقيها مقاصديا.. وهذا خطأ. وهذا ما قاله الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات: "فلا يسمح للناظر في هذا الكتاب نظر مفيد أو مستفيد حتى يكون ريانا من علوم الشريعة أصولها وفروعها منقولها ومعقولها غير مخلد إلى التقليد أو التعصب للمذهب، فإذا كان كذلك، أي مخلدا للتعصب والتقليد وغير ريان، أي متضلّع من علوم الشريعة، فإنه يُخشى أن ينقلب عليه هذا الذي يقرأه في هذا الكتاب فتنة بالعرض بينما هو حكمة في الأصل.. لأن حالته غير مؤهلة لاستقبال ما في هذا الكتاب من مقاصد الشريعة".

ومن الآفات أيضا برأي الريسوني آفة: التقصيد والتعليل بلا حجة ولا دليل، وقال: "من يقولون هذه مقاصد الشرع بدون حجة ودليل فهم يخبطون خبط عشواء، هذه هي فوضى الجهل.. مسالك التعليل وطرق إثبات المقاصد، فيها مؤلفات وقواعد.. وفي مقدمتها قواعد اللغة العربية.. ليس لأحد أن يقول إن مقصود الشرع في هذا الحكم هو كذا، لا بد له من دليل"..

وأضاف: "في هذا الباب أستحضر قاعدة عمر بن الخطاب: من أين لك هذا؟ قاعدة كان يستعملها مع ولاته والقضاة والمسؤولين، حين يعينهم بعد حين من توظيفهم يسألهم: من أين لك هذا؟ وعليك أن تثبت من أين أتيت به.. فإذا قدم تبريرا معقولا تركه وإلا اقتسمه معه.. العلم من دون تطبيق قاعدة من أين لك هذا ليس بعلم، وإنما هو احتطاب لا معنى له".

ومن الآفات كذلك في التعاطي مع مقاصد الشريعة: اعتقاد بعض الناس أن هناك مجتهدين يفتون بدون حاجة لهم بالنصوص.. وأصبحوا يتحدثون عن الاتجاه المقاصدي والاتجاه النصوصي، وهذه آفة، وقال: "أعتقد أن المجتهد المقاصدي يكون مقاصديا بقدر ما يكون نصوصيا، فبدون نصوص لن يكون مقاصديا".

واختتم الريسوني بتحذيره من الاختباء وراء المصلحة لتمرير مفاهيم مغلوطة عن مقاصد الشريعة، وأسماها بآفة "المصلحة المُعتدى أو المُفترى عليها"، وهي آفة قال بأن الحداثيين والتقدميين يواجهون بها الشريعة.. لكنها المصلحة المفترى عليها.. مؤكدا أن المصلحة ذات أبعاد متعددة في الرؤية الإسلامية للكون، وليست مصلحة مادية فحسب..


التعليقات (0)